في المقال الموسوم ” المديح المرفوض والفكر المبغوض الشيوعية مثالا” كشف كاتبه علي التميمي ليس عن جهله بالفلسفة و التاريخ فقط و انما ايضا عن عدم قدرته على كتابة مقال مترابط فكرا و لغة. و كما يبدو فإن المقال هو رد غير معلن على مقال سبقه قليلا لأياد الزاملي تحت عنوان “نظيف اليد… عفيف اللسان” ، (نشر المقالان في “كتابات”)، ورد فيه اطراء للحزب الشيوعي أستفز التميمي و دفعه الى كتابة مقالته على عجل.
بالنسبة للسيد التميمي، و عدا عن جهله المطبق و تفسيره المبتسر للديالكتيك الهيغلي و الماركسي على حد سواء، لا توجد أية امكانية لتحقيق منجز فكري بشري خارج الدين، فكل ما قدمه المفكرون على صعيد العالم كله يوجد ما سبقه و ما يقابله او يتجاوزه بكثير لدى الفكر الاسلامي (بما في ذلك نظرية نشوء الكون عند الانفجار الكبير)، و بهذا فإن كل مسعى فكري بشري خارج الفكر الاسلامي ( لدى السيد التميمي بصيغته الشيعية قطعا) هو مجرد عبث.
أنا واثق ان السيد التميمي لم يقرأ أي كتاب لماركس، ناهيك عن هيجل و انما اخذ نتف معلومات غير مترابطة من مصادر عنهم تميزت بالنقد السطحي المفتقر للفهم العميق. كما أن جهله العميق يكشف إنه لا يقرأ بلغة اخرى، لأن لغته العربية نفسها مفككة و بائسة، و لأنه قطعا مكتف بما لديه.
لا تكمن المشكلة هنا، فلقد سمعنا خلال الفترة التي تجاوزت نصف القرن الماضي مثل هذه الاصوات المعادية للشيوعية و التي تستخدم احط مستويات التحريض التي سبق للمُركّب القومي العربي ـ الاسلاموي المتعصب ان استخدمها و خصوصا ما يتعلق منها بـ “الاباحية” كما وصفها الكاتب، فأخرج من جعبته كل فاحش الكلام الذي سمعناه و ألفناه من اعداء الشيوعية و التحضر الذين مهدوا لمجزرة الدم في الثامن من شباط في عام 1963.
المشكلة تكمن إذن هنا في النقطة التالية: ان شيوعيين اوهموا انفسهم أن بامكانهم ان يتعايشو مع الفكر الظلامي الديني ( على الاقل بنسخته الشيعية) و ان بمستطاعهم ارضاء التيارات الدينية فتماهوا معها و لم يجرؤ الحزب الشيوعي بسبب نفوذ هؤلاء ان يثبت العلمانية او فصل الدين عن الدولة في برنامجه مراعاة لدعاة الظلام الذين ظن شيوعيون ان بالامكان تحييدهم. و رغم تخلي الحزب الشيوعي عن ثوابته فإن النتيجة واحدة أن اطرافا من التيارات الاسلاموية المتعصبة لن تتخلى عن اباحة الدم الشيوعي حتى لو تخلى عن هويته كما تفعل الآن اطراف منه.
و لم تشفع للشيوعيين لدى ظلاميي الدين فقدان الهوية و التماهي المطلق مع الفكر الطائفي حتى حين اورد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في حديث متلفز ان يفتخر بأنه شيعي!!
إن الحقائق يجرى حرفها الان و تعاد كتابة التاريخ بشكل مزيف . فمجزرة الثامن من شباط و كل الحفلات الدموية التي قام بها النظام السابق ضد الشيوعيين و الديمقراطيين حتى عام 2003 هي امتداد للثامن من شباط، وهذا اليوم الدموي ما كان له ان يكون لولا فتوى السيد الحكيم بإباحة الدم الشيوعي.
إن طائفيين باثواب قاسميين أو شيوعيين او يساريين يتجاهلون اليوم بقصد أن التاريخ الدموي للعراق و الذي كانت ذروته في الثامن من شباط عام 1963 كان نتاجا لتحالف السيد الحكيم و الملا مصطفى البارزاني برعاية ايرانية شاهنشاهية لإيقاف عملية التحولات الاجتماعية التي قام بها عبد الكريم قاسم و خصوصا عرقلة قانون الاصلاح الزراعي و القوانين التي تحد من سلطة شركات النفط الاحتكارية.
هذا المقال ليس موجها للسيد علي التميمي. انا احترم تمسك الانسان فافكاره و الافصاح عنها بدون مواربة خطأ كانت ام صوابا. المقال موجه للشيوعيين و اليساريين و القاسميين الذين فقدوا هوياتهم و الذين يتماهون مع كل فكر اخر الا الفكر الشيوعي الحقيقي، بوجهه الانساني.