لن أضيف شيئا جديدا، فلم يترك محللو السياسة ورجالها شيئا الا ذكروه على وسائل الاعلام : اجندات خارجية، تنظيم القاعدة، فلول البعث، السياسيون انفسهم ، وهناك من يتهم الحكومة. كل هؤلاء قد يكون لهم يد في اطلاق شبح التفجيرات من قمقمه بين فترة وأخرى، وكل له مصلحته الخاصة، لكن الفاعل الحقيقي هو المارد الغافي.
انه (نحن).. نحن الذين تلقينا ضربات القائد الضرورة على الخد الأيمن فسلمنا الخد الأيسر لمن جاؤوا بعده. نحن الذين نستلذ العيش في ظل مبدأ (الياخذ أمي يصير عمي)، ونحن الذين اعتدنا الخروج من الحضيرة في السابعة صباحا لنعود اليها في الرابعة او الخامسة منهكي القوى، وفي كل يوم ينقص عددنا بضعة أفراد. لكن من يهتم للعدد طالما ان القطيع لم تصدر منه حتى نأمة حزن.
صرخ رجل عجوز في وجهي اثناء مناقشة حول الوضع السياسي: هذا بلد خير، بلد طيب ومعطاء لكنه أبتلي بعقوق الأبناء. كنت اتصور العكس يا حاج، فقد قلت يوما وقالها غيري ان هذه الارض تأكل أبناءها، وهذا البلد يعشقه أبناءه لكنه يلفظهم. كان الشيخ على حق، فمتى كنا أمناء على هذه الأرض؟ تاريخنا المزيف يصورنا أبطالا، لكن في حقيقة الأمر، لم ينجب هذا البلد ثورة ولا ربيع ولا خريف ولا حتى شتاء ثورة، كل ما حدث فيه انقلابات تتصارع فيها سلطات على الحكومات والمناصب، أما الشعب (العظيم) فلم يثر يوما الا لأجل أن يصنع خيباته من خلال التصفيق لمن يدفعونه الى الشوارع. حتى مظاهراتنا واعتصاماتنا لا تشبه تلك التي تحدث في بلاد العرب، فهي إما تمجد قائدا ب(الهوسات) او تشتم آخر، ولا تسمع فيها سوى الضجيج، فكل مجموعة تحفظ هتافا يختلف عن غيرها. اننا شعب لا يعرف حتى استراتيجية التظاهر. يمكن ملاحظة ذلك ببساطة من خلال متابعة تظاهرات الشعوب التي مر الربيع العربي بأجوائها. صحيح ان التغيير بدأ في العراق، وقال معمر القذافي آنذاك مؤتمر القمة العربية للقادة العرب: سيأتي عليكم الدور. وصدقت نبوءته، فتساقطت البيادق واحدا تلو الآخر لكن بيد ابناء شعوبهم، أما شعبنا، فاكتفى بعضه بأن يترحم على أجداد الاميركان الذين انقذونا من الطاغية، بينما مازال البعض الآخر يترحم على الطاغية الذي رحل وتركنا دون دكتاتور يقمع فينا حتى حس الثورة.
صدقت يا شيخي، فنحن لا نستحق هذا البلد، فمن نحن؟ رجالنا يلهثون إما خلف المال او (العيشة)، ونساءنا يحلمن ببيت وعريس، بعض شبابنا يتناول الموضات مع الوجبات السريعة وآخر ابتكارات التكنلوجيا التي أنعم علينا بها التغيير، والفقراء منهم يحلم ببدلة الحرس الوطني ليضمن راتبا ينقذه من البطالة او العمل اليومي في مهن حقيرة، وغيرهم يحلم بالحصول على سيارة (سايبا) بالتقسيط ليترقى من بائع (بسطة) الى سائق تاكسي. مثقفونا يلعنون ويسبون ويشتمون، يناهضون ويساندون ومعظمهم أخفى قلمه في جيبه وهو يتسلم مكتبه الانيق كمستشار او مدير اعلام او حتى طبال لهذه الفئة او تلك الكتلة، وما تبقى منهم اختار ساحة الفيس بوك لشن صولاته الغرامية او بث شجونه على الوطن الجريح. ومزدوجو الجنسية يلوكون أحزانهم ويتباكون على الوطن الجريح ويحشدون جيوش غضبهم على حدود مواقع الانترنت لتنتهي حربهم آخر الليل، وهم ينامون على وسادة الأمان شاكرين الله على انه انقذهم من الخراب وقلة الخدمات، ونقل اقدامهم الى الجنة.
فلا داعي اذن لاتهام هذا وذاك، فمن يحني رأسه يتوقع ضربة على (علبته)، ونحن.. انحنى عمودنا الفقري منذ عشرات السنين، في ظل (التقية) و(الديكتاتورية) و (المظلومية)، أصاب الكساح أرجلنا وتراخت ايدينا، واذا ماشعرنا بالغضب، فليس أمامنا الا أن نأكل بعضنا البعض، فما الفرق ان صرنا طعاما لمفخخاتهم طالما انها من صنع ايدينا.