تُعزى أغلب أسباب أزمات الدولة العراقية الى الصراعات الطائفية, القومية, الحزبية, والسياسية؛ ومن أبرز تلك الأزمات: الإرهاب, الفساد, غياب الخدمات, وإخفاق الدولة في معظم الملفات. وطالما شُخّصت الأسباب, فينبغي العمل على التخلّص منها.
حكومة عبد المهدي, تشكّلت وفق هذا الأساس, وسبق تشّكيلها مخاضات عسيرة جداً أنّتجت: كتل عابرة للطائفية ولو بشكل نسبي, ومن ثمّ توافقت تلك الكتل تحت ضغط الظروف والإختيار, وحسنّاً فعلت عندما أنهت أو جمّدت صراعاتها, إذ بدت ليست مشخّصة لإسباب الأزمة فحسب؛ إنما عازمة على حلّها.
عود غير محمود..!
شيطان واحد كمن في جزئيّة ما كان ينبغي التوقّف عندها, فالوزارات لا يمكن إختزالها بإشخاص مهما سيقت من مبررات. الداخلية أصبحت حجر كؤود تعيق مسيرة الوصول لقضاء محتوم على مسببات الازمة (الصراعات).
تمسّك تحالف البناء, بالسيد فالح الفيّاض, يعكس وفاءً لكلمة قطعت مع الرجل: إنشق ولك رئاسة أو وزارة!
غير أنّ الوفاء الذاتي وحده ليس سبباً كافياً, فهناك رغبة من خلفها, تقاوم الإنكسار, وهي تحاول أن تقول: أنا لن أهّزم!.. وهذه هي السبب الكامن وراء الإصرار على الفياض, بل ورفض الفتح لمرشحين من الفتح.
العامري وسرالعداء لرفيقه الأعرجي!
وكمثال على مرشحين من الفتح, فالسيد قاسم الأعرجي, مثلاً, لا تمانع به قوى الإصلاح بل هي من تدعو لترشيحه. وهذا يعني أنّ الإرادة الوطنية الداخلية قادرة على خلق التوافق, وما يعيق توافقها أحياناً, الإرادات الخارجية!
أي أرتباط بالخارج, مهما كان عنوانه, لن يفضي إلى تحقيق مصالح الدولة العليا وإنعكاس نتائج تلك المصالح على شعبها. ولهذا نتيجة: لن يحقق التوافق مصالح الدولة, سوى في حالة واحدة؛ فك إرتباط جميع قواها السياسية والإجتماعية بالخارج.
الأحداث والوقائع تثبت عدم تحقّق هذا الشرط, وبالتالي فأنّ خيار الأغلبية هو الأكثر نجاعة لمواضع الإرباكات والمشكلات في بنية الدولة العراقية, لا سيما وأنّ مباني تلك الأغلبية متوفرة, إذ خرجت من إطارها التنظيري السابق (أغلبية عددية لا تراعي الجغرافية والمكونات) إلى إطار جديد, يمكن التعبير عنه بــ(الأغلبية الوطني), فخصوصيات الساحة العراقية تقتضي تحويراً يناسبها في مفهوم الأغلبية.
محاولات إبقاء حالة التوافق قائمة, صعبة جداً, ولعل هذه الصعوبة تقف وراء الأخبار التي تتحدّث عن تأجيل جلسة إكمال الكابينة الحكومية إلى إسبوع آخر, فإصرار رئيس الوزراء على إحداث التوافق مغامرة قد تضعف حكومته, ومن المحتمل أن تبقى الكتلتين الرئيسيتين: الإصلاح والبناء؛ على مواقفهما, لأنّ تنازل أحدهما قد يعني ضمناً, كسر للإرادة. وفي هذا الحال, فأنّ قرار عبد المهدي الشخصي والبعيد عن رأي الكتلتين, يعد حلّاً جريئاً ويمكن أن يؤدي إلى تحقّق الأغلبية الوطنية في المستقبل القريب.
قرار لابدَّ منه..!
لن تصبحالأغلبية خياراً، وهي شرط من شروط الإستقرار, إلّا بتنظيرات ناضجة. إنّ نظرية “الإغلبية الوطنية” قطعت شوطها الأكبر, عندما إنشطرت التحالفات الطائفية إلى قوى أصّغر ثم أعادت إندماجها وفق تلك النظرية, وبالمحصلة أصبحت الساحة السياسية أمام تحالفين؛ الإصلاح والبناء, يضم كل منهما قوى مختلطة.
الخروج من الأُطر المذهبية المفكّكة للدولة, تحقّق فعلياً. بيد أنّ ضرورات تشكيل الحكومة الحالية وما رافقتها من شكوك وإشكاليات, أفّضت إلى صحوة أخيرة لــ”نظرية التوافق”, تشكّلت وفقها الحكومة, لكنّ الإستمرار بالعمل وفق هذه النظرية غير ممكن, وبالتالي لا مندوحة من إنتهاج الأغلبية منهجاً.
إكمال تشكيلة عبد المهدي, وفق المعطيات الحالية, من الواجب أن يتمّ عبر الأغلبية الناضجة, ومعنى هذا أن يختار الوزراء من خلال كتلة أكبر ومن دون إنتظار للتوافق بين كتلتين, فالخيار الأول ينجي حكومته من الضياع في نفق إرضاء من لا يرضى.