ما جرى حتى الآن، وما يجري حالياً، على صعيد تشكيل الحكومة ليس له سوى معنى واحد، هو إهانة الشعب العراقي على نحو سافر مع سبق الإصرار والترصّد.
في 12 أيار جرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وقبلها وأثناءها بشّرتنا مفوضية الانتخابات بأنّ فرز وإعلان الأصوات لن يستغرق وقتاً طويلاً هذه المرة بسبب اعتماد التقنيات الحديثة. وفي غضون أيام أُعلِنت النتائج بالفعل، لكنّ الذين لم تعجبهم النتائج، لخسارتهم فيها،اعترضوا واتّهموا المفوضية بالتزوير (الواقع كانت هناك عمليات تزوير في كل مكان تقريباً)، فأرسل مجلس النواب السابق في أيامه الأخيرة أعضاء المفوضية العليا الى بيوتهم وعيّنَ أعضاءً جدداً من القضاة، وجرت عملية عدّ وفرز جديدة للأصوات المشكوك فيها في عدد غير قليل من المحطات، لكنّ النتائج لم تتغير. استغرق الأمر عدة أشهر قبل المصادقة على النتائج النهائية والتئام مجلس النواب الجديد وبدء إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة.
طوال هذا الوقت كانت ظروف العراق تلحُّ بقوة من أجل تشكيل الحكومة، فقد زهق الناس من تردي أوضاعهم، وانفجروا انفجاراً عظيماً في محافظات الجنوب والوسط، لكننا الآن، بعد مرور نحو سبعة أشهر من الانتخابات لم تزل التشكيلة النهائية للحكومة عالقة عند أبواب مجلس النواب.
الناسُ انتخبوا النواب لتمثيلهم وتأمين مصالحهم على الوجه الأفضل والأحسن والأكمل، لكنّ معظم أعضاء المجلس منصرفون إلى مصالحهم الذاتية والحزبية، وما من دليل أقوى من تأخيرهم خروج الحكومة بتشكيلة كاملة، فصراعات القوى المتنفذة التي تقف وراء التأخير، لا تجري على نوعية الوزراء وما إذا كانوا أكفاءً ونزيهين وذوي خبرة، إنما الصراعات تدور على مناصب الوزراء.
إلى جانب المجلس يتحمّل رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، قسطاً كبيراً من المسؤولية عن حال الانسداد هذه وعمّا يلحق من إهانة بالشعب الذي ظلّ ينتظر من السيد عبد المهدي تشكيل حكومة قوية بأسرع وقت.
السيد عبد المهدي أُعطِيَ كلّ الإمكانات اللازمة لتشكيل هكذا حكومة، فالقوى المتنفذة التي أجمعت عليه أعلنت جميعها أنه سيكون طليق اليدين في تشكيل حكومته، بيد أنه على الأرض أظهر رضوخاً لإرادة بعض القوى الطامعة في مناصب بعينها للحصول على المال الحرام.
الشعب انتظر طويلاً، وتحمّل كثيراً، وما على السيد عبد المهدي الآن، بوصفه المكلّف من الشعب، عبر البرلمان، بتشكيل الحكومة التي يتعيّن أن تحقّق له مصالحه.. ما عليه إلا أن يشكّل الحكومة في الحال، أو أن يعتذر ويُعيد الأمانة إلى الشعب عبر مجلس النواب.
لا ينبغي المضيّ أبعد في إهانتنا…