قديما قال احد الكهنة الالمان ويدعى الاب غام : “لو ان كل انسان يستطيع ان يقرأ مافي قلوب الناس جميعا لكان وجد ان الذين يريدون ان ينحدروا اكثر من الذين يريدون ان يصعدوا “…..وبعد مرور مئات السنين على وفاة قائل هذه الحكمة لازال اغلب الناس يفضلون الانحدار على الصعود ويحدث هذا احيانا بوعي كامل ومع سبق الاصرار او بحكم العادة والتعود لكنه انحدار في كل الاحوال مادام يرتبط بضياع القيم والاخلاق دون تقدير حقيقي ، فعندما يضع المسؤول مصلحته فوق مصلحة المواطنين فهو ينحدر ولاتحقق المجتمعات معه نصرها الخاص مهما كان قويا فالنصر لايحرز بقوة السلاح وانما بقوة الاعتبارات الخلقية ..
في هذا العام بدا الانحدار واضحا في القاء السياسيين للكرات في ملاعب بعضهم البعض فهم يتبادلون التهم كما نتبادل التحية ..يصف احدهم الاخر بانه ارهابي ويطلق آخر على رفيقه لقب ( الحرامي ) فلا يتورع آخر عن وصف مخالف له بالرأي ب( الفقاعة ) ويصل الحد بزملاء في نفس المسيرة الى الشتائم والضرب ب( القنادر) ..ربما هي الديمقراطية الجديدة التي لم نعتدها لكثرة ماقضينا من سنين تحت سقف الدكتاتورية ، او هي لحظة كشف الاوراق وانكشاف المستور وسقوط الاقنعة …في كل الاحوال فالمواطن المسكين هو اول المتضررين وآخر المستفيدين ..والمواطن العراقي يعيش هذه الايام اسوأ مشاعره فمصيره في يد من لايعرف قدره وهو يعيش نهاره منزعجا وخائفا من أن ياتي المساء دون ان يجد معنى ليومه اورزقا كافيا لعياله وبين هذا وذاك تحاصره الحسرة على عمر مضى متسربا كحبات الغبار من بين اصابعه دون ان يشعر به ومستقبل مجهول تظلله سحب الخوف من تصاعد الازمات وتزايد نسبة الحزن والحسرة …
ورغم مشاعر المواطن العراقي فمازال السياسيون يتقاذفون التهم كالكرات ويزداد بذلك انحدارهم الاخلاقي تدريجيا لابتعادهم عن مصلحة المواطن وامنه وحياته المستقبلية الرغيدة التي وعدوه بها وارتماءهم في احضان العنف والمصالح الشخصية في الوقت الذي يستعدون فيه لخوض معركة جديدة من الانتخابات ونقول معركة لأن الانتخابات هي روح الديمقراطية الحقيقية التي تعني التداول السلمي للسلطة بينما يحدث لدينا العكس تماما في ديمقراطيتنا الجديدة لأن الاصوات التي يفترض ان يقدمها المواطنون لمرشحيهم بكل ثقة واقتناع يحكمها التزوير حينا والترغيب اوالخداع باغطية الدين والسياسة الثعلبية حينا آخر ..انها معركة فاصلة اذن بين الصدق والخداع وبين الصعود والانحدار الاخلاقي وفرسانها يحاولون بكل الطرق تجميل صورهم برتوش لم تعد تخدع احدا ..
قبل قرون ، كان يعاب على الرجل الكذب في حديثه اوعدم الوفاء بوعد قطعه على نفسه ، هذا بالنسبة لعامة الناس ، اما اذا كان صاحب مركز اجتماعي فان مجانبة الواقع في الحديث خط احمر لايمكن ان يتعداه والا فعليه ان يتخلى عن ذلك الموقع واذا لم يبادر هو فان المجتمع ينبذه ويحتقره ويدفعه الى زاوية لايعود فيها ذو قيمة او وزن ..هل سنجد في زمن الديمقراطية الجديد رجلا يبادر الى الاعتراف بكذبه على الشعب وينسحب ليترك المجال لآخر افضل منه وبالتالي سيفضل الصعود على الانحدار …اذا كان يبحث عن المجد الشخصي فقط فسيظل الكذب وسيلته الوحيدة وسيواصل الانحدار حتى لو بلغ الحضيض لأن الكذب كان خطا احمر لدى الشعوب..ولكن …منذ قرون خلت ….