أجادت كل الاطراف والجهات التي ظهرت بعد سقوط الحكم المباد من توظيب قطاعات من الشعب العراقي لتمرير مصالحها او الوصول الى اهدافها التي سعت الى تحقيقها سيما اصحاب الاجندات والمخططات الخارجية سواءٌ كانت الاميركية ام الاقليمية باعتبارها الاكثر حضوراً في ساحة المشهد العراقي منذ 2003.
ومن ملامح تلك التدخلات الخارجية انها استخدمت احزاباً وشخصيات مختلفة التوجهات ، متشابهة في الحاجة الى قوى مؤثرة، لضمان ديمومة وادامة تمتعها بالجاه والمال العام السائب الذي هُدر ومازال يهدر بطرق اكثر تعقيداً يصعب في كثير من الاحيان كشفها.
ومع تصاعد وتيرة العنف الطائفي الذي دفعت عجلته ادارة خلق الازمات الاميركية بالتعاون الوثيق مع الاكراد الداعمين الرئيسين لكل انواع الفوضى التي تعم مناطق المركز التي دعست العراقيين العرب جميعاً شيعة وسُنة والذين مازالوا ضحيتها بعد ان اسهم عدد منهم في اذكاء تلك الفتنة المتقدة والمتأزمة على طول خطوط العرض والطول بالمنطقة العربية.
لقد اصبحت الفتنة الطائفية في العراق بين الشيعة والسُنة هي الورقة الاكثر ربحاً بعد فشل قائمة طويلة من الفتن والازمات التي اثيرت وتثار فيه ، لانها الوقود الاكثر اشتعالاً ، لان هناك من يهرول لها طوعاً من العرب بسبب العمق الطائفي وتراكم الحقد المذهبي الذي يتحكم بالكثير من العقول ، سواءٌ كانوا من البسطاء او حتى المتعلمين ممن تصدروا المشهد السياسي والديني في المناطق الاكثر تطرفاً وعصبية قبلية عمياء التي يضعف فيها الوعي الوطني.
لقد نجحت الولايات المتحدة الى حد كبير في التأثير على الشعوب العربية من خلال استغلال اوضاعها الاقتصادية الصعبة وتدني مستوياتها المعيشية او بسبب الظلم والتهميش الذي تعاني منه منذ عقود ، فسارعت الى تأجيجها بما يسمى لفظاً «بثورات الربيع العربي» وهي ذات الطريقة التي جعلت شعوب الاتحاد السوفيتي واوروبا الشرقية تنتفض لحرق اوطانها وتمزيق نسيجها الاجتماعي وبالتالي ربحت الولايات المتحدة الجولة النهائية في كسب الحرب الباردة بعد جهود تخريبية طويلة امتدت الى عقود من الزمن.وبعد المسلسل المتوالي في حرق الشعوب العربية لاوطانها وتفتيت وحدتها يستعد العراقيون الذي مازالوا يعيشون بين انقاض الحروب وما خلفته من الخراب والدمار وثقل الديون وغول الارهاب والفساد الذي يحصد الارواح والاموال دون رحمة ، للتطوع من جديد لحرق العراق تمريراً لاوامر تخريبية واضحة تشترك في دعم تنفيذها قطر والسعودية وتركيا بتوجيه اميركي وذلك لابقاء العراق مضطرباً ضعيفاً لايقوى على تغيير ارقام المعادلة الصعبة في ضرب خط مايعرف بـ «المقاومة» الذي يربط ايران وسوريا وصولاً الى حزب الله اللبناني سيما بعد ان اتخذ العراق موقفاً ثابتاً ازاء الاحداث في سوريا بعدم دعم اي طرف في جولات النزاع الدموي ، وظهر ذلك الموقف جلياً وواضحاً خلال خطاب رئيس الوزراء نوري المالكي الذي القاها في مجلس الشيوخ الاميركي الذي تزامن مع بداية الازمة السورية.
الموقف الحكومي العراقي لم يروق لاصحاب تغذية الصراع في سوريا وهم ذاتهم عرّابي الثورات الربيعية التي اجتاحت بعض الدول العربية والبقية تأتي.. لذلك سارعوا الى اثارة الورقة الاكثر ربحاً وهي الفتنة الطائفية من خلال توجيه بعض السياسيين لاثارة الشارع العراقي « السُني» باتجاهات تبدو تعبيراً عن مظالم او اضطهاد مذهبي كما عبّر عنه في البداية بعض من تطوع للخروج الى تظاهرات لنصرة حماية رافع العيساوي المتهمين بارتكاب جرائم ارهابية ، وبعد اتساع التظاهرات الى مناطق ذات اغلبية سُنية استحوذ شيوخ العشائر على تسييرها بعد ان قاموا باقصاء رجال السياسة ثم بسط رجال دين ..معظمهم متطرفين سطوتهم على خطاب التظاهرات مما ادى الى خروجها عن طابعها السلمي ومطالبتها بالحقوق المشروعة ، ثم عمّق تطرفها بروز تيارات في مقدمتها تنظيم القاعدة لتغيير نهج التظاهرات باتجاهات تثير النعرات الطائفية تمهداً للاقتال الطائفي ، وكان ذلك واضحاً حين تم دعوة المتظاهرين للزحف على بغداد.
ان مشهد التظاهرات اصبح متغيراً حيث تم اخيراً طرد السياسيين وشيوخ العشائر ورجال الدين المتطرفين والمعتدلين من ساحة التظاهر في مشهد مؤسف يغيب عنه الموقف الوطني الواضح في ايجاد حلول حقيقية لمطالب مشروعة يعاني منها ابناء الانبار والموصل وفئات مختلفة من العراق، وغياب القيادة الوطنية الموحدة للتظاهرات هو بسبب دخول بعض ممن فرضوا انفسهم كقادة للتظاهرات في لعبة الاجندات الخارجية التي تسعى لاثارة الفوضى وتعميق حالات الانقسام المذهبي بين اطياف الشعب العراقي.وفي ظل تلك المعطيات والتداعيات المتسارعة في تفتيت الصف الوطني سيكون الخاسر الاول والاخير والاكبر هو الشعب العراقي بكل اطيافه وفي مقدمتهم اصحاب المطالب المشروعة والمظالم باستثناء الاكراد المستفيدين من حالات الفوضى والاقتتال بين مكونات الشعب الاخرى .
مسؤوليتنا الوطنية والاخلاقية تتطلب منا كعرب على اختلاف مذاهبنا وانتماءاتنا، ان نتوحد بعيداً عن التأثيرات الخارجية ونعمل على استغلال مواردنا الغنية العملاقة في بناء العراق بناءاً يليق بنا كبناة حضارات عظيمة ، كما علينا ان ندرك ان جزءاً من ثرواتنا التي تبدد يومياً يكفيها ان تجعلنا من اسعد شعوب العالم ، بشرط ان تتوافر النية الصادقة للذين يتطوعون لقيادة الوطن على ان يكون ولائهم حقيقياً لله والوطن ، لان تبديد الوقت والجهد الوطني في الاحتراب والنفاق الطائفي سيسمح لاعدائنا من تعطيل خطواتنا الاولى في النهوض والبناء والانفتاح على العالم المتحضر والتمتع بالحياة الحرة والكريمة التي مازلنا نتطلع إليها في وطن هو الاخر مازال يفتقر إليها .. باختصار علينا ان لانساهم في حرق وطننا من جديد.