خاص: قراءة- سماح عادل
في رواية (مراسم العتمة) للكاتب السوداني “إبراهيم الروسي” رفض للحرب، وللأحزاب السياسية التي تلعب السياسة كلعبة مصالح دون أن تهتم بمصلحة الفقراء.
الشخصيات..
محمود سليمان: البطل، شاب أوشك على إتمام الثلاثين من عمره، يعيش حالة من الإحباط واليأس بسبب أنه لم يجد فرصة عمل رغم توفقه الدراسي وتخرجه من جامعة الخرطوم، يعيش حالة من العزلة ويتذكر فترة دراسته بالجامعة.
كوجاك كبشور: زميل البطل في السكن الطلابي، ثوري، له أفكاره المناهضة لما يحدث في المجتمع نتيجة لانتمائه إلى النوبة وشعوره بالاضطهاد.
مصعب الصادق: زميل ثان للبطل، هو أيضا ثوري لكن ينتمي لحزب آخر، ويظل هو و”كوجاك” يتخاصمان حول الأفكار السياسية، يؤمن أن العلمانية هي الحل لأزمة بلاده، ويصاب في إحدى التظاهرات بالجامعة بعد أن ضربه المنتمين للاتجاه الإسلامي ضربا مبرحا، وهو لم يفكر في الهرب لأن الهروب جبن.
فؤاد عباس: زميل ثالث للبطل في السكن الطلابي، لا يهتم سوى بعمل علاقات حميمية مع الفتيات دون حب لكنه رغم ذلك طيب القلب.
سلامة: سيدة تبيع الشاي أمام الجامعة، جاءت من منطقة الغابات الاستوائية بعد أن قضى على أهلها من قبل جماعة مسلحة، لا يعرف أهي تنتمي للحكومة أم المتمردين، تهرب وهي في سن صغيرة إلى الخرطوم وتضطر إلى العمل في البغاء إلى أن تقرر أن تغير مهنتها وتعمل فراشة بالجامعة ثم تبيع الشاي، تتعامل بطيبة مع الطلاب وكأنها أم لهم.
زينوبة: سيدة تبيع العرقي في قرية البطل، يذهب إليها كل يوم بعد ما هزمه الإحباط واليأس من أن يحقق حلم حياته، تشبه “سلامة” في أنها تعيش بمفردها وأنها من منطقة بعيدة دمرتها الحرب الأهلية، وأصبحت بلا عائلة تصارع الحياة وصعوباتها.
سفيان البدري: طالب في الجامعة، كان شهيرا ينتمي للتيار الشيوعي تنهدم حياته بسبب الحب، فقد أحب فتاة حبا كبيرا ثم تخلت عنه لأجل رجل آخر فينهار ويقرر أن يقتلها وبالفعل ينفذ القتل، وتصبح تلك الجريمة حديث الجامعة لسنوات، ويخرج من السجن بسبب إقرار الأطباء النفسيين أنه مجنون، ثم يقاوم ويبدأ حياته من جديد مستغلا جهل الناس ويدعي أنه رجل صاحب معجزات.
عبير: زميلة للبطل في الجامعة، أحبها حبا كبيرا لكنه اضطر أن يهجرها بسبب أنه لم يجد عملا.
الراوي..
الراوي هو البطل “محمود”، يحكي عن نفسه وعن إحباطه ويأسه وفقدانه الأمل كشاب في أن يجد الإنصاف في بلده، ثم يحكي عن باقي الشخصيات من خلال وجهة نظره هو ورؤيته لهم، ولا يترك لهم حرية التعبير إلا نادرا.
السرد..
السرد يعتمد بشكل كبير على رصد مشاعر وانفعالات البطل الداخلية، ويعرض لأحداث مرت في الجامعة ويحكي عن بعض الشخصيات هناك، الرواية تقع في حوالي 152 صفحة من القطع المتوسط، يعيب السرد بعض التكرار خاصة في وصف مشاعر إحباط البطل.
السياسيون لا ينتبهون للفقراء..
أهم ما ترصده الرواية عدم الإنصاف الذي يعاني منه المجتمع السوداني في الوقت الحالي، حيث أن الفارق الطبقي اتسع فأصبح الأغنياء الذين يعيشون في العاصمة الخرطوم ينعمون بحياة ملئها الرفاهية والبذخ، في حين أن عدد كبير من الشعب من الفقراء الذين يعانون في حياتهم ولا تتوفر لهم الفرص، فالبطل “محمود سليمان” تفوق في دراسته الثانوية والتحق بجامعة الخرطوم وتخرج بتفوق أيضا، لكنه لم يجد عملا ملائما لأن الأعمال تتاح لمن لهم علاقات وثيقة بالأغنياء وبأصحاب السلطة، ورجع إلى قريته في الجنوب يحمل يأسا وإحباطا جعله لا يكترث بالناس من حوله وينعزل عنهم.
كما ترصد التصارع بين الأحزاب السياسية والتي لا تهتم سوى بمصالحها الخاصة، وتجند شباب الجامعات لأجل مصالحها ولاستقطاب المزيد من الأفراد لتكون أعدادها ضخمة، دون برامج سياسية حقيقة تراعي الفقراء والكادحين أو تسعى لفض الحروب والمنازعات في السودان، فالاتجاه الشيوعي سياسيا لا يختلف كثيرا عن الاتجاه الإسلامي الذي يحكم البلاد بقبضة حديدية، ويسمح للمسلحين رغم ذلك بقتل الأبرياء في الغابات الاستوائية والقرى البعيدة، كما يسمح لهم بقتل الطلاب في الجامعة دون تحقيق أو معاقبة، الحرب الأهلية يعاني منها الكثيرون وتخلف أعدادا كبيرة من القتلى بطرق وحشية والمشردين الذين يتجه بعض منهم إلى العاصمة الخرطوم ويعيشون حياة التسول والفقر، ويواجهون الصعاب دون رعاية من الحكومة أو أجهزة الدولة.
والناس رغما عنهم يعيشون في هالة من الجهل نتيجة لفقرهم ويصدقون أية خرافات تروج لهم باسم الدين، فها هو “سفيان البدري” يدعي أنه يحقق المعجزات ويتجمع أهالي قرية “محمود” على بابه ليحقق لهم أمانيهم، حتى “محمود” نفسه المتعلم في لحظة ضعف يذهب إليه عله يحقق له حلمه في التوظف ليجعل والده يفتخر به، لكنه يكتشف أنه ذلك الطالب الذي قتل زميلته وحطم مستقبله رغم أنه كان قيادة سياسية واعدة.
كما ترصد الرواية الصراع الضاري بين أبناء الاتجاه الشيوعي وأبناء الاتجاه الإسلامي، والذين يتناحرون لحصد مكاسب سياسية، والاتجاهين وما بينهما من اتجاهات سياسية أخرى بعيدين كل البعد عن الناس الحقيقية، وإنما يقبعن داخل أماكنهم يستقطبون طلاب الجامعات والشباب ويدورون في لعبة سياسية لا تنتهي.
كما تحكي الرواية عن النساء “وقود الحرب”، اللاتي تخلفهن الحرب الأهلية وحيدات ومعزولات ومضطهدات، يخسرن عائلاتهن في مجازر جماعية تقوم بها جماعات مسلحة، لا يعرف على وجه التحديد أهي تنتمي للحكومة أم للمتمردين، والنتيجة أنهن يصبحن بلا حماية في مجتمع تنهشه الطبقية، وتضطر بعضهن إلى امتهان البغاء لكي تعيش وتجد سقفا تحتمي به، وتنعت بأوصاف سيئة موجعة لأنها أجبرت على المشي في هذا الطريق مثل سلامة بائعة الشاي، وبعضهن تقوي الحياة من عودهن ويصبحن في صلابة الحجر، مثل “زينوبة” التي يجتمع في بيتها الرجال لشرب العرقي وتعيش وحدها في بيت على أطراف القرية لكن لا يجرؤ أحد على الاعتداء عليها.
الرواية مميزة ورغم أنها العمل الأول لكاتب شاب إلا أنها واعدة وتشي بموهبة وتمكن، ونقلت ببراعة صورة مصغرة للمجتمع السوداني خاصة في الخرطوم ومجتمع الطلاب وأيضا في إحدى قرى الجنوب.
الكاتب..
“إبراهيم بله عمر” ولقبه “إبراهيم الروسي” ، كاتب سوداني من مواليد1990 سنار/ وسط السودان، درس في جامعة الخرطوم / كلية الآداب/ تخصص في قسمي الجغرافيا والإعلام، وتخرج بمرتبة الشرف في الجغرافيا عام 2013.
وهو عضو اتحاد الصحفيين السودانيين منذ عام 2014، كتب عشرات القصص القصيرة نشرت البعض منها في الصحف، ورواية “مراسم العتمة” هي أولى رواياته، صدرت عند دار أوراق بمصر 2018.