لا توجد حكومة في العالم استهانت بمواطنيها قدر استهانة (حكومة الشراكة الوطنية) بالعراقيين ، فقبل أيام قليلة اجتمع مجلس الوزارء ولم تكن في جدول اعماله غير مادة واحدة وهي (براءة الذمة) التي اقرها في جلسته العاشرة لهذا العالم ، واعتبرها اساساً لتمشية معاملة المواطن العراقي في الدوائر الحكومية كوثيقة أضافية لأخواتها السابقات : بطاقة الاحوال المدنية ،شهادة الجنسية العراقية ، بطاقة السكن والبطاقة التمونية ! حيث فرض القرار على كل مواطن أن يرفق أيه معاملة يريد انجازها ب (ورقة تسديد أجور الكهرباء)! وأن لم ترفق تتوقف معاملته الى أن يسدد ديون الكهرباء !
وصارت في عهد الديمقراطية مثل هكذا قرارات تمر من دون أي اعتراض من قبل مجلس النواب لانه مشغول بمصالحه واعضائه يقضون جل وقتهم في الخارج .اما من يعترض من المواطنين على مثل هكذا قرار ، فأنه يعد – حسب رأي الحكومة – معادياً للعملية السياسية وعدواً للديمقراطية أو بعثي أو من اتباع القاعدة وبالطبع تختتم عادة هذه القائمة الطويلة من الاتهامات بـ : العمل على وفق اجندات خارجية !!
وعلى وفق هذا القرار الوزاري صار من الصعوبة بمكان أن يدفن ذوي المتوفي ابيهم الا بعد أن يسددوا أجور الكهرباء ! وسوف لن تنقل سيارات الاسعاف مصاباً في وسط والشارع أذا لم تكن في جيبه (براءة الذمة) تلك ! ولن يستطيع المحبان من عقد قرانهما ألا بوجود (براءة الذمة الكهربائية ) مع الوثائق الاخرى . ولن يحصل الطالب على نتيجة الدراسية من دون أن يبرز أمام مدير مدرسته كتاب براءة الذمة ! وستوقف مديرية السفر صرف الجوازات للذين بذمتهم ديوناً للكهرباء ،ولن يقبل الطالب في الجامعة أذا لم يحصل على شهادة حسن السلوك (يراءة الذمة ) ! والمصيبة هنا أشد على سكان العشوائيات والمقابر الذين لا توجد لديهم عدادات كهربائية لانهم ملزمون أن يثبتوا بكتاب رسمي من المجلس البلدي بأنهم لم ينعموا بخدمات الكهرباء وأنهم يستعملون الفوانيس بدلاً عنها للاضاءة ! وربما يأتي يوم يمنع الجنين من الخروج من بطن أمه أذا لم يكن والده قد سدد ما بذمته من ديون للكهرباء !
هذا القرار لا يعني ألا أمراً واحداً وهو أن من أصدروه غرباء عن هذا المجتمع ولا يدرون ما يحدث فيه ولا يعرفون أن أكثر العراقين لا يمتلكون المال لتسديد أجور الماء والكهرباء ، لانها تركت تتراكم يضاف الى ذلك وعود مسؤولي الكهرباء التي ظلت تعلن عبر وسائل الاعلام بالغائها ! مع أن الديون لن تتجاوز المليار ونصف المليار دولار ، في حين أهدت (حكومة الشراكة الوطنية) الى حكومة مصر أربعة مليارات دولار كوديعه في البنك المركزي المصري ، وهي ضائعه ولا يمكن أسترجاعها !
والمفارقة هنا هو أن مجلس الوزراء قد تشدد على المواطنين بأعتبار أن عليهم ديوناً مستحقه للدولة لابد من دفعها . ولم نعرف عنه مثل هذا التشدد مع وزارة الكهرباء التي ظلت وطوال السنوات السبع الماضية تجهز بيوت المواطنين بالكهرباء اربع ساعات وتقطعها عنهم عشرين ساعة ! واذا ما كانت الحكومة متمسكه بحقها فعليها أن تحرص على تأدية حقوق الشعب بالمقابل . وهذا هو العدل بعينه. من هنا صار من حقنا أن نطلب من مجلس الوزراء بحق مقابل لهذا القرار ، مادامت (الرعية بالسوية)، كما يقول الدستور ، نطلب من مجلس الوزراء أن لا يصرف رواتب كل العاملين ابتداء من الوزير الى كاتب استعلامات في وزارة التجارة في حال لم توزع مفردات البطاقة التمونية كاملة وبنوعية جيده في كل شهر . وان تقطع رواتب مدراء المستشفيات والاطباء في حال مات مريضاً نتيجة الاهمال أو عدم وجود الدواء في كل شهر .وان تقطع رواتب مديري التربية العاملين في المحافظات والوزير ووكلائه والمديرين العامين في حال اكتشاف أن طلاباً عراقيين مازالوا يفترشون الارض .. واخيراً نطالب بوقف صرف رواتب ومخصصات النواب اذا تقاعسوا عن أقرار القوانين التي تخدم المواطنين ، أليس العراقيون متساوون بالحقوق والواجبات ؟!