من الغريب أن تُحارب الأفكار أو النظريات أو الأديان لمجرد أن يُساء تطبيقها على أرض الواقع،
إن عدم القناعة بفكرة ما، أو نظرية ما، لايستوجب الحكم المسبق عليها بل أيضاً لايستوجب الحكم في حالة عدم تطبيقها بالشكل الذي يفترض هذا إذا كنا ننظر إلى القضية بعين الإنصاف والأستحقاق،
إن مانراه من الجدل القائم والمتبادل بين أصحاب الفكر والآيدلوجيات يحاول كلٌ منهم بطريق أو بأخر إن يثبتوا للرأي العام إن معطياتهم وتوجهاتهم هي الأفضل وهي الكفيلة بحل جميع مشاكل الإنسان دون الإنتظار لفرصة التطبيق الميداني لمعرفة النتائج وفق الخطط والبرامج المعدة سلفاً هل هي مطابقة أو غير مطابقة؟، ناجحة أو فاشلة؟
ويعلم الكثيرون إن بعض الأفكار، والنظريات، بغض النظر عن عناوينها أو تصنيفها تم تطبيقها وربما حرفياً لكنها فشلت أو مرّت بأزمات صار من المحتم مراجعة بعض أولوياتها أو فقراتها لكي تتماشى مع الواقع الجديد الذي يفرض الحلول والعلاجات لمثل هذه الأزمات..
لقد سيطر الفكر الإقتصادي الكلاسيكي الذي أوجده الإقتصادي الإنكليزي المشهور آدم سميث على اقتصاديات الدول الأوربية فترة طويلة منذ مايقارب عام (١٧٧٦) إلى فترة حدوث الأزمة الإقتصادية الخانقة في (١٩٢٢- ١٩٣٣) من هنا تطلب إن تظهر مدرسة مغايرة ومغيّرة في ذات الوقت لما تقدم من أسياسيات النظرية السابقة وبالفعل ظهرت المدرسة الكينزية بقيادة( جون مينارد كينز ) التي خلّصت الفكر الكلاسيكي التقليدي من الجمودية وأخذت أفكاره الإقتصادية بالأنتشار عقب تلك الأزمة.
ما يهمنا هنا إن النظرية الكلاسيكية قد تم تطبيقها بأمان إلا إنها تعرضت لمشاكل استوجبت التغير والحكم عليها بأنها ناقصة.
هذا الإجراء إلى حد ما يعتبر متناغم إلى ما يدعو إليه العقل والظرف المُحكم ايضاً ولا يوجد في ذلك أية مشكلة.
إن المشكلة الحقيقة تكمن في النظريات والأفكار التي لم تتح لها الفرصة الكاملة ميدانياً أو اتيحت لها ولكن طبقت بشكل خاطئ أو ناقص أو أجريت عليها تعديلات ليست من صميمها فمن المؤكد أن تأتي بنتائج سلبية بسبب هذه الأخطاء أو التغيرات الأمر الذي يستغله المعارضون لكي يثبتوا فشلها والحال إنها لم تفشل ولكنها لم تطبق بما يفترض.
ما لاحظناه من ردود الأفعال على العملية السياسية العراقية التي حصلت بعد سقوط النظام السابق والتي حُسبت على الدين الإسلامي لأن أغلب الأحزاب التي تسلمت قيادة العراق هي من الأحزاب الإسلامية تمثلت بتوجيه الفشل للحكم الإسلامي وأن نظرية الإسلام في الحكم هي نظرية فاشلة ولايمكن تطبيقها على أرض الواقع والحال لم يكن هناك تطبيقاً للنظرية الإسلامية كما يزعمون بل هو خبط عشواء ومسوغات وإستحسانات اغلبها لاتمت إلى الإسلام بشيء.
إن جميع الأحزاب الإسلامية وإن تسمت بأسم الإسلام إلا إنها واقع الأمر شتان بينها وبين الإسلام الصحيح الذي جاء به الرسول الكريم محمد (ص).
بل أيضاً هي مخالفة للبديهيات الإسلامية فيما يخص الحلال والحرام والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فلم يكن الإسلام لديها سوى شعارات جوفاء لاتسمّن ولاتغني من جوع.
من هنا كان لزاماً على كل من يتهم الإسلام بعنوانه العام، أن يكون منصفاً في رؤيته للإسلام كفكر وسلوك من إنه لم يأخذ استحقاقه الميداني والتطبيقي وكل التجارب التي وضعت بإسمه هي ليست منه بشيء بل هي بعيدة عن روحه السمحاء ومبادئه السامية.