جولة رئيس الجمهورية برهم صالح في عدد من دول الجوار قد تثير العديد من التساؤلات حول ما الذي يريده العراق من محيطه العربي والاقليمي وما الذي يجب ان يقدمه بالمقابل للحفاظ على خيط رفيع من التوازن الحذر الذي رسمه لعلاقاته بتلك الدول وانعكاساتها المستقبلية على الداخل العراقي . صالح كان واضحا في الرسالة التي حاول ايصالها والتي تذهب باتجاه ان العراق لم يعد يتسامح او يسمح بان يجعل من أراضيه ساحة للصراع الإقليمي ويحاول جاهدا ان ينأى بنفسه عن تداعيات ذلك الصراع من خلال إقناع جميع الأطراف بقدرته على إيجاد ارضية مناسبة لتلاقي المصالح التي لابد ان تكون منسجمة مع مصلحته الوطنية بالدرجة الأساس .
ملامح السياسة الخارجية التي يحاول ان يسوقها الساسة العراقيون تتمحور حول العلاقات التجارية التي يتمتع بها مع جميع الأطراف والتي يمكن ان يجتمع حولها المتخاصمين حتى وان فرقتهم النزاعات ومقاصد الهيمنة وألاعيبها السياسية . الدول العربية المحيطة بالعراق ترى في الاقتصاد منفذا تلج من خلاله الى الداخل العراقي لتحقيق نوع من التوازن في العلاقات التي يراد لها ان تحقق في وقت لاحق نوعا من التكافيء ربما في كفة الصراع مع خصمها الإيراني والتنافس على نوع من التأثير الذي تخلقه المصالح الاقتصادية المتبادلة .
يرتبط العراق بتحالفات وثيقة مع واشنطن التي تمتلك بدورها تحالفات مماثلة مع دول الخليج وهي تدفع باتجاه تهيئة بيئة مناسبة لتقارب اكثر بين الجانبين خصوصا في المرحلة اللاحقة لتطبيق العقوبات على ايران ، لكن العراقيين هم اكثر إدراكا بطبيعة العلاقات المعقدة التي تفرضها ظروف المنطقة وتوجب عليهم مزيدا من الحذر في تعاملاتهم . العراقيون لن يتخلّوا عن تحالفاتهم القديمة مع طهران ، لكنهم في ذات الوقت يرغبون اكثر بالتقارب مع عمقهم العربي واجتذاب الأموال الخليجية في مشاريع استثمارية توفر حلولا لكثير من المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الداخل العراقي وأبرزها توفير فرص عمل لجيوش من العاطلين وتحريك عجلة الاقتصاد .
الساسة في العراق باتوا مدركين لتداعيات الصراعات والأثمان التي تكلفها ، خصوصا مع نذر معركة تلوح في الأفق ومحاولات أميركية لاحتواء تمدد النفوذ الإيراني في اكثر من منطقة في الشرق الأوسط . الأميركيون وكما يبدوا من خطابهم المعلن عازمين على احكام الطوق على الإيرانيين في محاولة لإجبارهم على الجلوس الى طاولة الحوار مجددا ، وهم مدركين تماما ان طهران لن تكتفي بالوقوف والفرجة بل ستحاول استخدام كل ما تمتلكه من وسائل للمواجهة . وبين هذا وذاك يسعى العراقيون للحفاظ على شعرة معاوية محاولين تجنيب بلادهم اثار ذلك الصراع من جانب ، والحفاظ على مستوى من العلاقات مع كلا المتخاصمين وحلفاءهما من جانب اخر .