31 يناير، 2025 11:06 ص

الصدر يعلن آراءه السياسة والدينية و”مواجهة الدكتاتور”‏

الصدر يعلن آراءه السياسة والدينية و”مواجهة الدكتاتور”‏

كتب سرمد الطائي : إنه واحد من أصعب اللقاءات السياسية وأكثرها إثارة في تجربتي مع مراكز ‏القوى الدينية والاجتماعية والسياسية خلال 16 عاما من الكتابة. وربما كنت بين عدد من المراقبين، ‏الأكثر تحمساً لرصد سليل أسرة الصدر التي ظلت منذ نهاية العصر العباسي، في صدارة الأحداث ‏الكبرى في العراق وإيران ولبنان.‏

ومنذ ذهابه إلى أربيل في أيار 2012 كحدث باغت كثيرين، وأنا أطلب من مكتبه الخاص لقاءً برسم ‏التعرف عليه وجهاً لوجه، والإجابة تتأخر. حتى فاجأني نهاية الشهر الماضي وفي نهاية يوم عمل ‏شاق، اتصال مهذب من الشاب النابه أحمد الصدر، نجل الشهيد مصطفى محمد صادق الصدر. يسأل: ‏هل تأتي للقاء سماحة السيد؟ أجيب أنا: أكيد. يقول: حتى لو كان الموعد بعد بضع ساعات في بيروت؟ ‏أسأل وأنا في بغداد: كيف؟ ثم يتكفل هو بالباقي، ويرتّب أسرع سفر جرّبته في حياتي.‏
وخلال ساعات أجد نفسي في لقاء مع الصدر وبعض أفراد أسرته وهم “بقية السيف”، وعدد من ‏الشباب الذين يمثلون قيادة التيار الصدري. وقد لاحظ كما بدا لي، أنني انتظر “استكشاف” الجو وقد ‏اكون تائها في أسئلة كبيرة وكثيرة، فلم يتركني غارقاً في الصمت. وكسجية لمسها الجميع في أسرة ‏الصدر، راح يرفع الكلفة ويمازح جلاسه بتواضع وذكاء، ثم يلتفت إليّ ويسأل: يقولون إنك تصرّ على ‏نقد الأخ نوري المالكي كل يوم “شعندك ويه المالكي؟”. ثم يعتدل في جلسته ويسأل نفسه بحزم ‏وبصوت نسمعه جميعا “أنا أيضا، شعندي ويه المالكي؟” ويفتح الباب للحديث عن ضرورة التقويم ‏القصوى، وضرورة أن لا نسكت، قائلا إن هناك فرصة أمام رئيس مجلس الوزراء كي ينصت إلى ‏حديث المعترضين الحريصين على التجربة الجديدة.‏
وقد بالغ زعيم التيار في إشعاري بأنني “لست غريبا”. فقد وجدت نفسي داخل نقاشات (بلا أي خط ‏أحمر) تجري بينه وبين قياداته الشابة، وأخذ يفضفض ويدلي بآراء ظلت مكتومة، حول تيار إيران ‏الإصلاحي ومحمد خاتمي “صهر أسرة الصدر” وأزمة سوريا ورؤيته للحضارة الغربية ونوع الكتب ‏التي يطالعها، وحبه لأسلوب رواية “عزازيل” للمصري يوسف زيدان وهي تتحدث عن راهب ‏مسيحي تتنازعه أسئلة اللاهوت وصدمات الفلسفة العقلية.‏
قلت للصدر: إننا نمثل اتجاها ليبراليا واضحا، ونكتب في الوقت نفسه عن مواقفك بفرح، خاصة ‏محاولتك ردم الانقسام الطائفي في أزمة مظاهرات المنطقة الغربية، وأنت زعيم تيار مثير لجدل واسع ‏عند الإسلاميين والعلمانيين. فوسط صمت معظم الزعامات كان الصدريون وزعيمهم، الأوضح صوتا.‏
ولم أجد منه ولا من فريقه السياسي، أي صدود. بل ظهر انهم على استعداد لتدشين انفتاح كبير على ‏‏”الآخر الثقافي”، بنفس الحماس الذي حملهم نحو أربيل قبل نحو سنة إذ كان حضورهم مع الكردستاني ‏والعراقية سببا لاكتمال أول تحالف سياسي عابر لحاجز القومية والطائفة والايديولوجيا.‏
نعم، يبدو الصدر في بياناته ومواقفه، وما سيلمسه القارئ الكريم في حواره مع “المدى” هنا، فرصة ‏لقاء نادر بين الطوائف. كلامه يكسر أكثر من ممنوع، ويخرق أكثر من تقليد، والجرأة على قول الجديد ‏خصلة في أسرته كلها. لكنه ينتظر أن يبادله الآخرون الجرأة أو المخاطرة نفسها، وهي فرصة لإطلاق ‏أول حوار كبير بين الطائفتين، والقوميتين، كمدخل إلى كل المكونات والتيارات الأخرى. ولعل المهم ‏في هذا أن نلتقط جميعا فرصة إطلاق حوار متأخر كثيرا بين الديني والعلماني.‏
أقول له إننا ننتظر أن نسمع منه الكثير. وهو يرد: “أنا راغب بالحديث أيضا. لكنني أرفض على طول ‏الخط الحديث للجرائد، وأقتصر على التصريح التلفزيوني أو البيان المكتوب، طلباً للدقة وحذراً من ‏تحريف القول”. أرد أنا محاولا تقدير مسؤولياته الدينية والاجتماعية: سأترك عندكم أسئلة وأظل أنتظر ‏الإجابة، وسننشر ما تكتبون حرفياً. وكانت أول استجابة منه لطلب كهذا، وكان هذا الحوار الذي ننشر ‏اليوم قسمه الأول، الذي يتضمن أكثر من مفاجأة، وأكثر من رأي صريح ينشر لأول مرة ويفتح باب ‏سجال جاد ومصيري، بعيد عن الترف.‏
إن هذا الحوار ينشر في لحظة مثيرة. التيار الموصوف بالراديكالية، يحظى لأول مرة بتفهم كبير ‏وتتحمس له في الوسط الثقافي والأكاديمي والاجتماعي أسماء بارزة، بحثا عن شراكة “مدنية دينية” ‏في مجال دعم التعدد السياسي والثقافي في العراق ومحاولة أن نجيب على سؤال: كيف ينبغي منع ‏ظهور دكتاتور آخر؟
إن الرهان يكبر، وستتسع دائرة التفاهم كلما كبرت المفاجآت. فالتيار وزعيمه، شباب من ذلك الجيل ‏العراقي الذي فتح عينيه على البلايا الكبيرة والحروب. الصدر المولود مطلع السبعينات، ينتمي لجيلنا ‏الذي لم ير شيئا سوى “كل الحروب”، وبدأ اليوم يجتاز بوابات السلطة مسؤولا ومعترضا وصانعا ‏للسياسات. إن التيار الصدري أكثر من مجرد حزب. إنه وجه بارز لجيل عراقي يواجه اليوم اختباره ‏الكبير. جيل يخرج من رماد الحروب، من “قبر الدكتاتورية” إلى “عراء الديمقراطية”، والدنيا تراقب ‏بحذر كيف يتم عبورنا الكبير من “لعبة القبر الصامت” إلى قواعد الانفتاح والتعدد.. وهو العبور ‏الأكثر إيلاماً عبر تاريخ كل الأمم.‏
إن إجابات الصدر تحمل لون دماء عائلته وآلامها وآمالها، ودماء العراقيين التي سالت وتسيل، ‏وتستشعر أن الرسالة هي دوما، وقف الدم وضرورة أن نعثر في لحظة على صيغة الاعتدال، وضرورة ‏أن ننسى ونسامح، جميعا، لنتصالح بعمق. هل لديكم أو لدى الصدر خيار سوى هذا؟ وهل بقي لدينا أو ‏لديه، وقت يمكن تضييعه؟
‏■ كل عراقي مناصر للاعتدال يثمن مساعدتكم ابناء المنطقة الغربية على تنضيج مظاهراتهم. ويتمنى ‏ان تواصلوا نصحهم. تدخلكم يقوي تيارهم المعتدل. وصمتكم وصمت باقي الطبقة السياسية يتيح ‏للمالكي استفزازهم وجرهم لفعل طائفي يسيء لهم وللجميع. كيف وجدتم مستوى التواصل بين ‏الجانبين في الاونة الاخيرة؟
‏- لعل المواقف إزاء تظاهرات المنطقة الغربية ـ كما يعبرون ـ قد تباينت فكانت على عدة مستويات:‏
المستوى الأول الموقف المعادي، وهو بدوره ينقسم إلى أكثر من منحى واحد:‏
‏1. الأول: المنحى السياسي: وهي المواقف التي تصدر من السياسيين ضد هذه التظاهرات الشعبية ذات ‏المطالب السياسية بنظرهم، باعتبارها تريد إلغاء مقررات سياسية.‏
‏2. المنحى الشعبي: وهو عبارة عن مواقف شعبية عاطفية تميل إلى ذوي العقيدة المتشابهة وتنفر من ‏ذوي العقائد المختلفة، وفي هذا المعنى يطول الكلام لأن أغلب الشعب العراقي قد تجذرت في عقولهم ‏بعض الأفكار التشددية بعض الشيء، ولعل السبب الرئيسي في ذلك ابتعادهم عن المرشد الحق أو ‏وجود القادة المؤججين لذلك.‏
المستوى الثاني: الموقف المحايد: وهي الأصوات التي إما أن تكون معتدلة أو الأصوات التي تنأى ‏بنفسها عن التدخل في تلكم الأمور لانشغالها بالأمور الاقتصادية والتجارية أو المعيشية والحياتية ‏العامة، أو لعلها صاحبة موقف سياسي محايد وما أندرهم بحيث لا يميل إلى هنا وهناك لأغراض أو ‏سياسات معينة، إلا أن ذلك يمكن إدراجه في خانة العدم.‏
المستوى الثالث: الموقف الساند أو الداعم أو قل المتعاطف مع فكرة التظاهر أو الراضي بالمطالب ‏وغيرها من الأمور.‏
وإنني ربما أجد السكوت بمثابة الالتحاق بالمستوى الأول المعادي للتظاهرات، ولو تدريجياً. هذا من ‏جهة ومن جهة أخرى، فإن هناك مستوى رابعاً يمكن الحديث عنه، قد يختلف جوهريا عن باقي ‏المستويات ألا وهو الموقف الراشد أو المرشد أو المساعد أو المثقف لهؤلاء المتظاهرين الذين هم ‏بأمسّ الحاجة لا إلى تطبيق مطالبهم فحسب، بل إلى قلب حنون ينظر إليهم بعين الأخوّة والأبوّة ‏لينتشلهم من شرذمة يخافهم أكثر من هم تابعون لهم من أناس بينهم، وهذه الشرذمة لا تريد إلا التشدد ‏والعنف والعياذ بالله.‏
فهذا الموقف وإن كان من ضمن المستوى الثالث (المساند والمتعاطف) إلا أنه فوقه رتبة، فلابد من ‏تواصل هذا المستوى مع المتظاهرين عبر اللقاءات المباشرة إن أمكن، وإلا عبر البيانات والزيارات ‏والوفود وماشابه ذلك.‏
وهذا وإن بات أمرا صعبا إلا أنه مطلوب لكي لا يتصاعد الحس الطائفي في قلوب المتظاهرين، ولا ‏سيما إذا كان ذلك الفرد أو الجهة من غير طائفتهم، فبالضرورة سيكون تواصله ماحياً للحقن الطائفي لا ‏محالة.‏
وعموما فإن الموقف المعادي للمظاهرات لا يجب أن يستمر وخصوصا إذا ما نظرنا إلى أن المعادي ‏هو الجهة السياسية العليا في البلد (الحكومة) التي من واجبها الأبوّة والأخوّة، فالعراق ليس أمانة بيد ‏المتظاهرين فحسب بل هو أمانة بيد “رئيس الوزراء” أيضا.‏
وأما الموقف المحايد إزاء المظاهرات فقد يؤدي في النهاية إلى نتائج لا تحمد. وأما الموقف الموالي ‏المساند فلابد أن يكون منطقيا لا عاطفيا حتى لا تزيد الأوتار الطائفية والنفَس التفردي في المتظاهرين ‏وقياداتهم.‏
ولابد للموقف المرشد أن يتواصل مع المتظاهرين، بل يجب على المتظاهرين أيضا الوصال معه ‏وكفاهم هجرانا.‏
‏■ الخط المعتدل في المظاهرات يقول إنه يتعزز كلما صدرت إشارة إيجابية منكم أو من باقي الشركاء ‏العراقيين، بينما يتعزز خط البعث والقاعدة كلما تحدث المالكي بسوء عن المظاهرات. هل استوعب ‏القادة ضرورة الوقوف مع مطالب المتظاهرين المشروعة لتعزيز اعتدالهم ضد التطرف؟
‏- حريّ بنا أن نكون معتدلين في شتى الأمور، فإننا كما طبقنا بعض المستويات على بعض من هو ‏خارج التظاهرات وقسمناه إلى ثلاثة أو أربعة مستويات في الجواب السابق، إلا أننا و للإنصاف يجب ‏أن نقسم تقسيما مشابها لذوي التظاهرات والمتظاهرين، فهم وإن اجتمعوا جوهريا على التظاهر إلا ‏أنهم اختلفوا على بعض الأمور، وكانوا على عدة مستويات:‏
‏• المستوى الأول: المتظاهر المتشدد الذي يريد “تحرير بغداد وإسقاط إيران” وينتظر الجيش الحر ‏وماشابه ذلك في الأفكار غير المنطقية بنظرنا. أو قد نلحق بهم المطالبين بمن ينادي “الشعب يريد ‏إسقاط النظام” إلا أن من المنصف أن نلحق الأخير بالمستوى الثاني.‏
‏• المستوى الثاني: وهم من يريدون تحقيق مطالبهم بعيداً عن كون الحكومة شعبية أو أنها مدعومة من ‏إيران أو من أمريكا أو غير ذلك، بل يرى نفسه مظلوما وصاحب حق مهضوم يجب إحقاقه عن طريق ‏الاحتجاج السلمي وإن كان مطلبه إسقاط النظام.‏
ولعل إسقاط النظام لم يكن مطلبه، إلا أن المستوى الأول والثاني (من الجواب الأول) أي الجهة ‏المعادية للتظاهرات أو المحايدة (الساكتة) دعته إلى زيادة وتيرة مطالبه شيئا فشيئا، لذلك كنا نرغب في ‏أن تحل الأمور من ذي بدء، إلا أن البعض عادوا التظاهرات (ولجؤوا إلى التظاهر ضدها) وإيكال ‏الأمر إلى الشعب، ويا لها من فكرة خبيثة وقفنا ضدها بل وقفت المرجعية عامة ضد الفكرة التي تضر ‏ولا تنفع.‏
‏• المستوى الثالث: المتظاهر المنفتح غير الطائفي على الإطلاق بل إنه لا يجد التظاهر إلا من باب ‏آخر الحلول، فلقد حاول أن يحقق مطالبه تحت ظل الشراكة الوطنية وما يسمى بالحكومة الوطنية أو ‏عبر الوسائل السياسية،
لكنه لم يستطع فلجأ إلى التظاهر جنباً إلى جنب مع المستويين الآخرين، أعني المتشدد والوسطي.‏
إلا أنه وفي أغلب الأحيان يكون في اختلاط المستويات رجحان لكفة الاتجاه المتشدد، فهو يؤثر على ‏باقي المستويات تدريجياً ولو عبر التخويف والترهيب إن لم يكن عبر الترغيب، وبالتالي فإن علينا أن ‏نتبنى تلك الأفكار الوحدوية المتعقلة وتلك الشخصيات التي لا تحب العنف ولا تحب الدكتاتورية معاً ‏من خلال إسماعهم الصوت المعتدل من خارج التظاهرات ومن غير طائفتهم.‏
وليعلموا أن تلك الأصوات التي تذكي وتعزز متشدديهم هي أصوات لا تمثل إلا ذويها، ونحن وإياكم ‏بعيدون عنها ولسنا نرضى بها على الإطلاق ولنغلّب معاً صوت العدل والحياد والتعقل ولنغمض ‏أبصارنا ولنغلق أسماعنا عن تلكم الأصوات الشاذة التي لا تريد إلا بقاء كرسيّها ومنصبها فحسب. ‏ولنقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة لنسير معاً نحو تحقيق الوحدة والتوحد الفعلي إلى حياة ‏حرة كريمة بعيدة عن التفرد والدكتاتورية.‏
وبدوركم إخوتي يجب عليكم أن لا تستمعوا إلى الأصوات الصادرة ممن ينتمي إليكم من طائفتكم ممن ‏تقلّدوا التشدد، ولتعلموا بأنكم بتعقلكم ونظرتكم الشاملة الوحدوية تقمعون أصوات الباطل وتمحونه ‏تدريجياً.‏
‏■ كنا نقول إن صفقة الداخل العراقي رابحة حتى لو خسرت أحيانا أو مرحليا، أمام ضغوط الخارج. ‏ونقول إن ما حصل في لقاء أربيل والنجف خرق وطني نادر أثبت أن العراق كبير وأن العراقيين ‏ليسوا حديقة خلفية لأحد بل لديهم خيارهم المستقل وتسويتهم الخاصة التي تفرض نفسها على إرادة ‏الخارج. هل تجدون أن العلاقات الوطنية تتعمق بحيث تصحح علاقتنا بالنفوذ الإقليمي والدولي؟
‏- قد يكون الاصطفاف الوطني والتجمع العراقي الذي حدث في أربيل تجمعا فريدا من نوعه، لاسيما ‏أنه كان في جوهره تجمعا ينم عن تقارب فعلي حقيقي أخوي صادق وإن كان ذا قشور سياسية ‏تمخضت عن قرار سحب الثقة والإقدام عليه.‏
إن اجتماعي بالأخ البارزاني كان الأول، وكنت أشعر بصدق بين ثنايا كلماته ولعله كان يبادلني نفس ‏الشعور، وكل ما قلت وقال لم يكن مجرد لقلقة لسان أو حوار سياسي بحت. بل أسس إلى مرحلة من ‏التوافق العربي الكردي طويلة الأمد وإن اختلفنا ببعض الأمور السياسية.‏
فلعل قائل يقول: إن أربيل سبق أن جمعت المالكي بالأكراد وغيرهم من الشركاء، ولكني أقول لم يكن ‏اجتماعه بهم ينمّ إلا عن لقلقة لسان، ولذا قد ضرب المالكي بالاتفاقات عرض الجدار ولم يراع بها ‏البروتوكولات السياسية الدولية.‏
ثم إنه لم يكن اجتماعي بالأخ البارزاني هو الوحيد، فكان اجتماعي مع الأخ النجيفي هو الأول بيننا، ‏وكانت هناك اجتماعات مع مام جلال والأخ إياد علاوي ولكنها لم تكن الأولى بيننا، حيث جعل من ‏الاجتماع متكاملا من حيث شموله لكل الأطياف والمكونات السياسية.‏
إلا أن هذا الاجتماع العراقي كان ذا حدين أو قد اختلفت فيه آراء بين راض وبين ساخط، وما رضي إلا ‏ذو حظ عظيم وما سخط إلا ذو توجه سياسي مخالف لما دار بيننا في أربيل من نقاش واتفاقات.‏
إلا أنه بين هذا وذاك، كان بداية حسنة بل جيدة للتوجهات الوطنية الوحدوية التي يجب أن تسير عليها ‏كل الجهات السياسية بل الأعم من ذلك، وأظنه قد أسس لمرحلة جديدة تتحلى بالأخوّة والصدق بعيدا ‏عن المكر السياسي والصراع التنافسي غير المشروع الذي يكتنف العمل السياسي في الساحة العراقية.‏
فإنه وإن أثمر عن نفور البعض عما تسمونه بالتيار الصدري، سواء على الصعيد السياسي أو الصعيد ‏الشعبي، بيد أنني آمل أن تكون هذه الزيارة قد أسست عبر المستقبل والتاريخ قوانين وأسس التعامل ‏الوطني، وإنّ ما صدر في تلك الزيارة من قرار سحب الثقة كان جريئا وقد فتح الباب للمعارضين ‏للدكتاتورية والتفرد على مصراعيه، ليكونوا قادرين على إبعاد ذلك الشبح عن عراقنا الحبيب مستقبلا.‏
ولا يفوتني أن أذكر أن هذا القرار وإن لم ير النور إلى الآن، كان دليلا واضحا على أن من يتحكم في ‏البلاد هم أهل البلاد وليسوا من هم خارج أسوار البلد ولله الحمد. فافهم.‏
‏■ أحياناً نستخدم تعبير تحالف 19 أيار، أو “محور أربيل-النجف”. ونشعر بأنه اجتاز اختبارات مهمة ‏في أزمة طوزخرماتو ومظاهرات الغربية وقانون مجلس القضاء. أراد المالكي تفكيككم لكن نجحتم في ‏الصمود بذكاء. إلى أي حد هو تحالف متماسك يشترك برؤية اعتراضية على نهج خطير، مقابل من ‏يقول إنه تحالف مصلحي مؤقت؟
‏- على الرغم من أنني أجبت عن ذلك ضمناً في أحد أجوبتي السابقة على أسئلتك الرائعة تلك، إلا أنني ‏أقول إنني مطمئن إلى أنّ زيارة أربيل أكسبتني شريكاً حقيقياً وستراتيجياً ولله الحمد.‏
‏■ استيعابكم لمعنى التعدد السياسي وكيفية حمايته بوجه شهوة الاستبداد، أمر قد يصعب على بعض ‏العراقيين تصديقه وقد يحتاجون وقتاً لتصديق معانيه. هناك من يقول إن دعم الصدر لمسار التعدد ‏والشراكة ضد الاستبداد والتفرد جعله يخسر من جمهوره. كيف تعلّقون على هذا؟
‏- في أغلب القرارات والتوجهات التي أتبناها وأقدم عليها لا أنظر عادة إلى مدى ازدياد الجمهور أو ‏قلته، بل إن الغالب هو النظر إلى رضا الله سبحانه وتعالى وإلى قواعد عامة خطها السيد الوالد (قدس) ‏عبر أسس وطنية ووحدوية.‏
وإني لأجد الكثير من الأمور والقرارات التي تصدر مني هي في صالح المجتمع والفقراء والمؤمنين ‏إلا أني في نفس الوقت متيقن من أنهم لن يتفهموا هذا القرار أو ذاك أحيانا، بل سيحملونه على محامل ‏أخرى لم تأت على بالي حين اتخذت ذاك القرار.‏
إضافة إلى أمر مهم هو أن هناك تيارات سياسية صاحبة نفوذ اجتماعي وإعلامي وسياسي كبير يتأثر ‏بها من حولي، لكثرة الكلام والإشاعات والإشكالات التي قد يلين منها الحديد، لكن أنا آمل بالجهة ‏الشعبية لاسيما المحبون لآل الصدر، إنهم لن يحيدوا عنا آل الصدر.‏
ثم أن مثل تلك القرارات التي لا أعتبرها صدرية بل أعتبرها وطنية، قد تنفّر البعض منّا، إلا أنها باب ‏لكسب الآخرين لا عن قصد، فإني حين أقترحها وأصر عليها لا أريد كما قلت إلا وجه الله تعالى. ومن ‏أصحاب العقول النيرة والمحايدين الوطنيين وذوي الحس الوطني، من يتأثر إيجابياً بقراراتي الوطنية ‏وهذه أيضا نعمة من رب العالمين.‏
فذو الحس الوطني وإن لم يكونوا كثراً في أغلب الأحيان، أو غير مشهورين وخلف الكواليس، إلا أنني ‏آمل بهم الكثير لأن يستمروا بل تتسع دائرتهم ويكون صوتهم ضد الدكتاتورية والتفرد عالياً ولن يخبوَ ‏ولن يخفت.‏
‏■ باحثون وصحفيون غربيون يقولون: حالياً نحاول أن نفهم كيف يمكن ليمين إسلامي يوصف ‏بالمتشدد، أن يحمي التعدد المدني بمعناه الليبرالي الحداثي. والحقيقة أن الفكر السياسي للتيار الصدري ‏يشهد تطوراً لافتاً. لكن بعض النخبة متفاجئون بتطور الأفكار هذا. كيف تعلق على شعورهم بالمفاجأة ‏وهم يراقبون مواقفكم المنتقدة للتفرد والتي تصاعدت منذ انتخابات 2010؟
‏- فكرنا لم يشهد تطورا بل شهد انفتاحا على التيارات الأخرى مما أدى إلى علمهم بأفكارنا ومتبنياتنا، ‏أعني التيار الصدري، فصارت معلوماً عندهم بعدما كانوا يجهلون ذلك عنا.‏
ولعل التقصير أو القصور منا، فأغلب من ينتمي إلينا منغلق عن التيارات الأخرى، إضافة إلى ما ‏مرت بنا من ظروف مقاومة المحتل آنذاك، مما أبعدنا عن تلكم التيارات اضطراريا ولا أعني أنهم ضد ‏فكرة المقاومة العسكرية والثقافية والسياسية بل لعل بعضهم يتبنونها ويميلون إليها.‏
ثم إنني أعجب من تعجّب البعض بأن رأوا أن الإسلامي يكره التفرد ويميل إلى التعددية، بل إن ذلك ‏نهج الإسلامي الصحيح الذي يجب أن يكون لكل مسلم منهج ونهج.‏
فإن الحكم في الإسلام له عدة محتملات:‏
‏1. الاحتمال الأول: أن يكون الحاكم هو المعصوم عليه السلام،وهذا ليس فيه معنى التفرد بل معنى ‏الرجوع للأفضل أو الذي تسالم على عصمته، فلا ينبغي ترك المعصوم والرجوع إلى من هو أدنى منه ‏في ذلك.‏
ولعلّ هذا الاحتمال أعني وجود المعصوم والرجوع إليه هو أمر إلهي أكثر من كونه شعبياً، فيمكن أن ‏نقول في الاحتمال الأول إنه رجوع الشعب إلى الحكم الإلهي، وهو قد لا يحتاج إلى ديمقراطية مما ‏تعارفنا عليه في هذا الزمن أو إلى انتخابات كما هو المعهود، بل يحتاج إلى مجتمع يتقبل العصمة ‏ويؤمن بها، فلم نرَ أحد المعصومين عليهم السلام، قد فرض عصمته على الآخرين بل يحتاج إلى إيمان ‏حقيقي وكما في الآية الشريفة :لا أكراه في الدين…” بمعنى أن لا إكراه بالإيمان القلبي بالمعصوم، ‏وكما قالت الآية الشريفة “وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم “.‏
‏2. الاحتمال الثاني: نائب المعصوم أو ما يسمى بولاية الفقيه وهي وإن كانت مستوحاة من الرجوع إلى ‏المعصوم عليه السلام أو الأعلم، إلا أنه لا ينبغي إبعاد النظر من أنّ اختيار الأعلم يجب الرجوع فيه ‏إلى (برلمان) علمائي مقبول اجتماعيا فضلا عن قبولهم دينيا و إسلاميا و مذهبيا.‏
فالحاكم الشرعي أو الولي لا يمكنه بأي صورة من الصور فرض سيطرته وبسط يده على مناطق لا ‏ترضاه أو مجتمع أو شعب لا يتقبله، إذاً فهي نظرة تقترب إلى الديمقراطية المتعارفة حاليا بدون نسيان ‏الجهة الإلهية وأوامرها.‏
‏3. الاحتمال الثالث:أن يكون الحاكم أنساناً عادياً،وهذا ما لا يملك وصوله للحكم إلا برأي الشعب عن ‏طريق الديمقراطية المتعارفة، وإن كانت بعض الشعوب قاصرة عن تفهم الديمقراطية،فضلا عن ‏قصورها في إيصال مَن هو أهل للحكم.‏
وهذا الحاكم يجب أن لا يحكم إلا بما هو مرضي إلهياً و شعبياً. فإنه لا يمكن فرض الحكم الإلهي على ‏شعب يرفضه ولا يستسيغه، إلا عبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطرق الأخلاقية أو قل عن ‏طريق التثقيف، وإلا فترك ذلك أفضل من أن يكون استعمال الحكم الإلهي منفّراً للآخرين.‏
ولا يمكنه أيضا أن يتفرد بالحكم وإن اختاره الشعب على نحو الأغلبية التي هي من أوليات الديمقراطية ‏وأسسها، فلو كانت هناك جهات شعبية أخرى لم تختره فلا ينبغي إغفالهم على الإطلاق.‏
واعلموا إن كانت الديمقراطية توصل من هو ليس أهلاً للحكم، فلابد أن يكون منها باب ديمقراطي ‏للخلاص من ذلك الحاكم الذي قد يكون قد خالف أسس الديمقراطية.‏
وبتعبير آخر فإن مصاديق الحكم الإسلامي هي:‏
‏1) الحكم الإلهي المطلق، وهو حكم الإمام المعصوم.‏
‏2) الحكم شبه الإلهي، وهو نائب المعصوم أو الولي العام.‏
‏3) الحكم الدنيوي، وهو الذي يكون في غياب الأول أو غياب الثاني أيضا.‏
ويجب الإجماع على أن الديمقراطية تحتاج في مسيرتها وعملها إلى تهذيب وتشذيب وتثقيف للشعوب، ‏وإلا فقد تنتج أموراً لا يحمد عقباها على الإطلاق، فكما في الآية الشريفة “استخف قومه فأطاعوه…” ‏وغيرها من المفاسد التي قد ألتفت إليها في أمور وما لم يلتفت إليها أحد.‏
ثم إن أردنا الكلام على صعيد السؤال وتخصيصه بالوضع العراقي دون غيره فيمكن أن أجيبك بعدة ‏أجوبة، منها:‏
أولاً: إن العراق قد عانى كثيرا من الدكتاتوريات السابقة، فلابد أن نراعي الجهة الشعبية بخصوص ‏ذلك، فنجعل من أنفسنا حماة للطريقة الديمقراطية.‏
ثانياً: إن الديمقراطية إذا وقعت بأيدي الماكرين وبإشرافهم فيغيروا أبعادها عن أسس الإسلام وهي ‏زيادة للفجوة، وإذا انحرفنا كإسلاميين في ذلك يكون حماية له بمعنى أن يريد استعمال الديمقراطية ‏لنفسه.‏
ثالثاً: إن عدم وجود المعصوم الظاهر وعدم وجود من هو متصد للولاية العامة ومتصف ببسط اليد، ‏جعلنا نذهب إلى الخيار الثالث وهو دعم الديمقراطية لإيصال المخلصين إلى سدة الحكم.‏
رابعاً: إننا ظننا أن الديمقراطية تخلصنا من التفرد، ولعل هذا لم يحدث وخصوصا بعد أن نعلم أنّ ‏الديمقراطية توصل من هو أكثر أصواتاً ولا تتكلم عن صاحب القرار الحقيقي. وصاحب القرار ‏الحقيقي مع وصول الحاكم غير المعصوم ديمقراطياً له عدة مستويات.‏
المستوى الأول: الحاكم الديمقراطي الذي ترعرع في بيئة ديمقراطية إسلامية حقيقية، وهذا سوف ‏يجعل من القرار غير تفردي بل سوف تشارك فيه عدة جهات:‏
الجهة الأولى: الجهه الدينية خصوصا مع كونه إسلامياً.‏
الجهة الثانية: أن يشرك معه الجهات السياسية التي ترضى مشاركته في القرار لكي يكون قراره شاملا ‏من ناحية الشعب وخصوصا مع الجهات التي تملك القاعدة الشعبية.‏
الجهة الثالثة: إشراك الشعب، إن لم يكن بطريقة مباشرة فيكون عن طريق البرلمان، لا أن يسعى ‏لتهميشه.‏
الجهة الرابعة: الجهة الاستشارية الحقيقية لا الرمزية… وغيرها.‏
المستوى الثاني: الحاكم الديمقراطي الذي يريد الديمقراطية ولا يعرفها بمعناها الحقيقي لكونه لم ‏يتعايش معها، فهذا قد يصلح من هذه الناحية وقد يفسد أو قل يخطئ، ومثل هذا يمكن أن يدعم لكي ‏يتطور من الناحية الديمقراطية، فإن وجد فيه نفس التطور فيكون الاستمرار في دعمه وإعانته ‏ضرورياً، وإلا فالترك أفضل.‏
المستوى الثالث: وهو الذي لا يفقه من الديمقراطية إلا كونها طريقة لإيصاله لسدة الحكم وللكرسي، ‏فهذا لا يرجى منه إلا حماية نفسه وكرسيه وحكم الشهوي ليس إلا.‏
إن وقوع الديمقراطية بيد من هو ليس أهلا لذلك، سيجعل مصيرها كوقوع “الحرية” بيد من ليس أهلاً ‏لها، وقد تفتح أبواب كل شيء وتجعله في خانة الحرية وتجعل من الشعب منحلاً لا يفكر في لقمة ‏عيشه أو كيفية حكمه.‏
وأكثر ما نخشاه هو أن تكون الديمقراطية باباً لحماية الدكتاتورية، وهذا طغيان للديمقراطية، وتكون ‏الفائدة الوحيدة منها “دمقرطة الدكتاتورية” و”دكترة الديمقراطية”.‏
عن المدى

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة