17 نوفمبر، 2024 8:31 م
Search
Close this search box.

وجه الله طريق الحق في اقامة العدل

وجه الله طريق الحق في اقامة العدل

وردت هذه الكلمات في الدعاء الذي ينتدب به الإمام المهدي-عليه السلام- والذي تستحب قراءته يوم الجمعة. فما معنى وجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء؟ وكيف يكون الإمام وجه الله, والله تعالى يقول {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص : 88].
أولا ما معنى الإله ؟ ليس بالضرورة أن يكون معنى الإله هو الخالق, فالله تعالى يقول {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان : 43] فحين يتخذ الإنسان هواه إله فإنه لا يعتقد أن هوى النفس يكون خالقاً, بل قد يبقى اعتقاده بأن الله هو الخالق, بل أن الوثنيين الذين يعبدون الأصنام كانوا يعتبرونها آلهة تمثل تماثيل لأربابهم من أولياء وقديسين وغيرهم وكانوا يعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى حيث يقول-سبحانه وتعالى- {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر : 3].
فمعنى الإله هو المعبود الذي تُشد الروح وتلجأ إليه في مسيرة حياتها الدنيا وتتجه باتجاهه عقدياً. ويمثل الزمان والمكان الرحلة التي يأله فيها الإنسان إلى ربه قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق : 6]
وهذه الوجهة وهذا الطريق إلى الله-سبحان وتعالى- هو المقصود منه وجه الله تعالى وليس المقصود من الوجه هو جزء من البدن الذي يقع في مقدمة الرأس إن هذا القول لهو قول المجسمة ومنهم التيمية والذين يعتقدون أن الله يُرى يوم القيامة وأن أهل الجنة سيشاهدونه عيانًا فبناءًا على اعتقاد التيمية بقوله تعالى كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ وأن المراد من الوجه الذي هو جزء من البدن سيهلك القدمان والنعلان الذين يعتقد بهما أتباع شخ المارقة حين يعتقدون أن الله شاب أمرد في إذنيه درتان وفي قدميه نعلان فإذا قال التيمية المجسمة أن المقصود من الوجه هو الكل أو غير ذلك من التأويلات فقد أولوا ظاهر الآية وهذا ما نقول به من تأويل اليد واليمن إلى القدرة والقوة. ومن تأويل الوجه
فإذن المراد من الوجه هو شرعة الله, ففي التوحيد عن أهل بين النبوة-صلوات الله عليهم- {بإسناده عن الحارث بن المغيرة النصري عنه-عليه السلام- ولفظه سألت أبا عبد الله-عليه السلام- عن قول الله-عزّ وجلّ-: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ قال: كل شيء هالك إلا من أخذ طريق الحق. }
من هنا يمكن أن يكون هذا الهلاك هو هلاك دنيوي للأمم والقرون الخالية وهو لا يختص بالطالحين أنما يشمل الصالحين أيضا بدليل قوله تعالى {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر : 34] فهنا وصف القرآن الكريم موت يوسف-عليه السلام- بالهلاك. ومن هنا نريد أن نميز الهلاك عن الموت. فكلمة الهلاك تشير إلى جانب الاندثار والإبادة من الموت إي أنها تعني الموت بلحاظ الاندثار والإبادة فتركز على هذا المعنى.
ومن هنا.. إذا كان كل شيء هالك إلا وجه الله أي شرعته , فكيف يمكن أن نصف المهدي بوجه الله والمهدي سيموت لا محالة؟ في الواقع إن وصف المهدي بوجه الله ليس إلا لأنه يمثل طرق الحق الذي هو وجه الله كما في حديث الإمام الصادق-عليه السلام- ولهذا سمي-عليه السلام- بقية الله نظير قوله تعالى {بَقِيَّتُ اللَّهِخَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [هود : 86] أو لأنه-عليه السلام- إنما يعيد العدل والأمان ويشرعنها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فسيبقى حياً فيما سيقدم وإن توفي نفساً وجسداً … لكن قد يقال كيف وصف الله تعالى موت يوسف-عليه السلام- بالهلاك رغم أنه نبي يمثل شرعة السماء ووجه الله تعالى ؟
لربما يكون الحديث عن هلاك يوسف-عليه السلام- ليس بلحاظ كونه نبي مرسل بل بلحاظ حكمه وملكه واندثارهما أثراً وعلاقة مع بني إسرائيل وخصوصًا أن الآية الكريمة جاءت في سياق آيات تتحدث عن مؤمن آل فرعون والفرعون والمسرفين فكأنها تشير إلى الأيام التي خلت والقرون التي ذهبت واندثر فيها ملك يوسف-عليه السلام- وتغيرت أحوال بني إسرائيل وأصبحوا تحت حكم فروعن طغى عليهم في زمن موسى-عليه السلام-؟
ومن هنا تختلف شريعة الإسلام من حيث أنها باقية لا تتغير حيث لا نبوة بعد نبوه خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله عليه وآله ـ
ومن خلال حديث الإمام-عليه السلام- القائل أن وجه الله هو طريق الحق ومن خلال ما تقدم لابد أن نعرف أن طريق الحق إنما هو على أفواه بني البشر فمن كتب وألف وناقش وحاضر وجادل بالتي هي أحسن ونقل عنه فقد وضع نفسه موضع طريق الحق وأخذ سمة وجه الله-سبحانه وتعالى-. فلا سبيل للهلاك إليه وإن أدركه الموت فهو باق ببقاء ما كتب وألف. ولهذا ترى الأئمة والعلماء والصحابة أحياء بيننا بما كتبوا وألفوا.
وهذه سنة تاريخية فرغم أن السطوة والسلطة بيد الحكام والطواغيت على مر الزمان ولشد ما استخدموها في قمع البشر إلا أن العالم بأسره تشكل على أساس الديانات التي كان أهلها مستضعفين في الأرض.. [المجادلة : 21]
وقد يطرح أحد سؤالاً يقول فيه أليس بعض من أنتسب إلى الدين عبر التاريخ زيف وحرف ووضع نفسه في موضع ليس له فكيف يخلد مع باطله ودجله؟
وجوابه أن هذا هو قانون الحياة الدنيا, أفلم يكن خوار العجل من أثر الرسول؟ فمن الطبيعي أن من وضع نفسه موضع رسالة السماء سيجد أكثر من خوار العجل ليلقيه, وستسعى نفسه لكمالها, وأن غلب عليها مكر الشيطان فلضعف أبن آدم وليس خطْئاً في قانون الحياة الدنيا. وسيبقى ويخلد بقدر ما انتسب للسماء وجرى ذكر منهجه بين أهل الأرض قولا وعملا.
ومن هنا تكمن خطورة من يتصدى للفتوى والدين والتشريع وسرد الآراء فكل السياسات وكل الوجوه وكل الأجيال هالكة إلا من فرض نفسه مشرعنًا عن الباري وحل محل وجه الله وطريق الحق..
ولهذا ركزت الأحاديث على ظهور البدع والفتن وأن العالم الساكت عنها عليه لعنة الله وكما ورد ( إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه وإلا عليه لعنة الله).. لأن المسألة أكبر من زمان حدوث البدعة بل أنها تنمو عبر الأجيال حتى تأخذ شكلاً مذهبياً فرقياً لا مرد له بعد ذلك.
وعلى هذا.. ينبغي أن لا يأتي أحد ويقول أن هذا العالم أو تلك الفرقة أو هذه الدعوة لا تستحق الرد فهذا كلام العاجزين يمررونه على الجهال فالقضية ليست قضية آنية بل هي قضية بقاء وتنامي الدعوة للأجيال اللاحقة.
وفي الواقع إن الله تعالى يتحدث في كتابه عن هلاك الأمم والعقوبات لسوء أفعالها وحين يتحدث عن الاختلاف العلمي والعقدي يقول الله يحكم بينهم يوم القيامة {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة : 113]
فكأنه سبحانه قد أكرم طريق العلم والدليل والنقاش وأجل العقوبة على المعاندين فيه ليوم القيامة.
بعد هذا أقول لنتصور قضية الحق والتي أخذت طريق العلم والدليل مسلكا أخلاقياً لها كيف ستنمو وتكون مستند وأساس لأن هذا قانون لا يمكن لأكبر قوة لبني البشر تغييره بل على العكس تماماً إن المجتمعات كلما واجهت نكبات وصدمات دفعتاه باتجاه التكامل وهذا التكامل موجود في قضايا الحق نظريًا كالعلاج كلما مرضت المجتمعات أحست بحاجتها إليه
ولذا بالقطع والقين إننا نعتقد أن قضية المحقق الأستاذ استطاعت أن تنتشل الإسلام المعتدل من بين مخالب الطائفية في مواقف وبيانات ومؤلفات ومحاضرات تحليل موضوعي في العقائد والتاريخ وبينت قيم التسامح فيه فلابد من أن تنمو وتبقى وتسود ضمن قانون التكامل في مسرية الإنسانية فيما ستسحق آلة الزمن كل تلك القوى حاولت أن تخضع منهج الدين الحنيف لرغباتها {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}

أحدث المقالات