خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة قد تقلب موازين وطبيعة العلاقات “العراقية-الأميركية”، وتعكس مدى التحدي الواضح لـ”واشنطن” والإنحياز التام للجانب الإيراني، أكد رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، أن “العراق” ليس جزءًا من “العقوبات الأميركية” على “إيران”.
وقال، في تصريحات صحافية، إن مهمة القيادة العراقية هي الدفاع عن المصالح الوطنية، وحمايتها لا أن تقف في أي حرب مع أي دولة، مشددًا على أن بلاده لا تقبل أي إملاءات خارجية.
وأضاف: إن “أميركا تريد فرض عقوبات على دولة أو أشخاص، هذا الأمر يخص سياستها، هذه ليست قرارات أممية، المسألة هنا ثنائية، نحن لسنا جزءًا من هذه المنظومة”.
وتابع: “نحن أيضًا لسنا جزءًا من أي عدوان على أي دولة أخرى، هناك مثلاً دول تناصب الغرب أو تناصب الولايات المتحدة العداء… ونحن لا نقف ضد دولة مع دولة أخرى وبصورة عامة، نحن لسنا جزءًا من منظومة أي بلد يستهدف أي طرف”.
وذكر رئيس الوزراء العراقي: “نحن استطعنا إفهام الجانب الأميركي وكل الأطراف، ومنها إيران، نحن ندافع عن ساحة العراق، ونحن لن نُلحق الأذى بأي دولة والدفاع عن مصالحنا الوطنية”.
لا نقبل الإملاءات الأميركية..
وأوضح “عبدالمهدي”: “موقفنا الذي طرحناه على الجانب الأميركي؛ لا تأتون إلينا بأوامر… لديكم خطط وسياسات تناقشونها مع العراق… العراق يتخذ منها موقفًا، أما الإملاءات فنحن لا نقبل بالإملاءات… صحيح أن العراق بالنسبة للولايات المتحدة بلد ضعيف، لكننا استخدمنا تعبيرًا للمرجعية الدينية العليا يقول: «العراق في وضع ضعيف لكنه غير مستسلم»؛ وهذا الذي ينظم موقفنا”.
وأضاف: “استطعنا البقاء على هذه المواقف بسبب هذا الموقف المتوازن؛ بأن لا نكون طرفًا ضد أي دولة، وهو موقف دستوري ونرفض وجود أية قوات أجنبية على أرضنا معادية ضد أي بلد”.
موضحًا: “استطعنا البقاء بعلاقاتنا، رغم الخلاف مع كل من إيران وتركيا وسوريا والأردن والكويت، وكلها بلدان لنا معها وجهات نظر مختلفة، لكن المشتركات أكثر من الاختلافات”.
مطالب بالإستثناء من العقوبات..
وكان “العراق” قد تقدّم، في 5 تشرين ثان/نوفمبر 2018، بطلب للحصول على إستثناء من “العقوبات الأميركية” على “إيران”، والجانب الأميركي أعطاه إعفاء لمدة 45 يومًا لشراء الغاز والطاقة الكهربائية من “طهران”، وهو يشمل أيضًا الأغذية والأدوية والتجارة ما دام الدفع لن يكون بـ”الدولار”.
تهديدات بمواجهة “عواقب وخيمة”..
وتفادى الرئيس العراقي، “برهم صالح”، أثناء زيارته “طهران”، إعلان موقف واضح من “العقوبات الأميركية”، إلا أن السفير الإيراني لدى العراق، “إيرج مسجدي”، أكد على أن “العراق” توعد بمواجهة “عواقب وخيمة”، إذا إستجابت “بغداد” للعقوبات وتخلت عن الواردات الإيرانية.
وهدد السفير “مسجدي”، العراقيين، متوعدًا “بغداد” بمواجهة مشاكل عدة إذا إلتزمت بـ”العقوبات الأميركية” على بلاده.
ولوح السفير بورقة الكهرباء والمواد الغذائية والصناعية، التي يستوردها “العراق” من “إيران”، قائلاً: إن “المشاكل الناجمة عن تلك العقوبات لن تقتصر على إيران وحدها”، وفق صحيفة (السياسة) الكويتية، أمس الأول الاثنين.
وأبدى السفير الإيراني إمتعاض بلاده من رفض الرئيس العراقي في زيارته لـ”طهران”، التعاطي مع الضغوط الإيرانية لإبداء موقف من “العقوبات الأميركية” على “إيران”.
إنشاء معرض دائم للبضائع الإيرانية في بغداد..
وفي الوقت ذاته؛ كشف “مسجدي” اتفاقًا إيرانيًا عراقيًا على إنشاء “معرض دائم للبضائع الإيرانية في بغداد”، وقال خبراء اقتصاديين، إنه سيمثل أكبر محطة استخبارات إيرانية في المنطقة، تشرف على عملية الإلتفاف الإيرانية على “العقوبات الأميركية”، كما سيكون فرعًا غير شرعي لـ”البنك المركزي الإيراني” لجمع “الدولارات الأميركية” من السوق العراقية.
قراءات جيوبوليتيكية غير دقيقة..
عن تصريحات “عبدالمهدي”؛ يقول المحلل السياسي، الدكتور “أحمد الأبيض”: “إن قراءة السيد، عادل عبدالمهدي، للجيوبوليتيك غير دقيقة، على الرغم من أنه يملك بُعد نظر سياسي وتنظير، ذلك أنه يعلم أن الأميركان لا يأتون بصيغة إملاءات وإنما بصيغة البحث مع حلفائهم، فهم في فترة من الفترات السابقة كانوا يعتبرون العراق مهيأ أن يكون حليفًا، لكن تغير الحال، خصوصًا في الفترة التي حكم فيها السيد، المالكي، والتي إمتدت ثمانية سنوات، وحاولوا بعد ذلك مد يد العون للسيد، العبادي، كي يكون حليفًا”.
الموقف العراقي يحتاج للدعم الدولي المرتبط بالإدارة الأميركية..
وأضاف “الأبيض” أن: “اليوم إدارة ترامب جادة في موقفها من إيران، على عكس الوضع في إدارة الرئيس، باراك أوباما، لذلك فإن الولايات المتحدة تضع اليوم في أولوياتها الحرب على إيران بعد إنتهاء الحرب ضد (داعش)، فهي لديها حلفاء في المنطقة، متمثلة بدول الخليج، كما أنها تعول على العراق لإسنادها بذلك. لذا فإن تصريح السيد رئيس الوزراء العراقي غير موفق، خصوصًا وأن العراق يحتاج الكثير من الدعم، في ظل وضع اقتصادي مربك، وهو لا يستطيع المضي دون دعم المجتمع الدولي، الذي يرتبط بالإرادة الأميركية، على هذا الأساس يجب أن يكون موقف العراق واضح”.
ليس لديه القدرة على الإبتعاد عن “سياسة المحاور”..
وأكد “الأبيض” على: “عبارة أن العراق يبتعد عن سياسة المحاور، هي عبارة غير مفهومة في السياسة، وليس للعراق القدرة في الإبتعاد عن سياسة المحاور، بل هو يُعد جزءًا من تلك السياسة، ولذلك فإن محاولات الإفلات من المحور الأميركي سوف يجعله في مواجهة الولايات المتحدة، والعكس صحيح، فالأميركان ليس لديهم إملاءات، وإنما لديهم مطالبات، وهم قدروا وضع العراق وسمحوا له بالتعامل مع إيران، ولكن بشرط أن يكون بالدينار العراقي، وعندما يرفض أي مسؤول عراقي المضي في تطبيق العقوبات، عليه أن يجد بديلاً في التعامل مع إيران، فالعراق يحصل على الدولار من خلال المصارف الأميركية عبر بيعه للنفط”.
وأضاف “الأبيض”: “الأميركان لا يريدون للعراق أن يكون في مواجهة مسلحة مع إيران، وإنما الموضوع متعلق بحصار وضرورة تطبيقه، وعندما صرح رئيس الوزراء السابق السيد، العبادي، بإلتزام العراق بالعقوبات الأميركية المفروضة على إيران، أتهم في أنه مع الجانب الأميركي، مع العلم أن العراق ليس له القدرة إلا بتحقيق تلك العقوبات. لذا فإن تصريح السيد، عادل عبدالمهدي، مستعجل وغير مدروس بشكل دقيق. وإن ما دفع السيد، عبدالمهدي، لمثل هذا التصريح هو أن الكتلة البرلمانية التي تدعمه الآن هي حليفة لإيران، وهو لا يريد أن يدخل في مواجهة معهم، خصوصًا وأن حكومته غير مكتملة لحد الآن”.
مخاوف من إنهيار الأسواق المحلية..
ويقول “ضياء حسون”، في مقال على وكالة (سبوتنيك) الروسية؛ أنه مع التعنت الأميركي بعدم إستثناء “العراق” من الإلتزام بهذه العقوبات، وإعطاء “بغداد” مهلة 45 يومًا من أجل إيجاد بدائل عن الواردات الإيرانية من “الغاز والطاقة الكهربائية”، تبرز المخاوف لدى الحكومة العراقية من إنهيار الأسواق المحلية، وحدوث تضخم مالي بسبب قلة السلع.
ويمكن القول؛ أن الحكومات العراقية السابقة كانت كسولة، حيث أنها اعتمدت وبشكل كبير على “إيران” أو حتى على “تركيا”، ولا تريد أن تدخل ميدان الدول الصاعدة، حيث خلقت من العراقيين شعبًا مستهلكًا بإمتياز، وبددت طاقاته البشرية وثرواته النقدية باستيراد غير منضبط، رامية بالمنتج المحلي عرض الحائط، فالمصانع العراقية بدلاً من العمل داخل “العراق” لتشغيل الأيادي العراقية، وجدت من “إيران” و”تركيا” أرضًا خصبة للاستثمار، ليتكدس العراقيون في الوظيفة الحكومية، في بطالة مقنعة، تقترب فيها إنتاجية الموظف من الصفر.
فرصة لإعادة التوازن الاقتصادي..
لذا فإن أمام “العراق” فرصة كبيرة في إعادة توازنه الاقتصادي، والإبتعاد عن شبح “الدولة الريعية” التي تعتمد على تصدير “النفط”، ليس من باب مصائب قوم عند قوم فوائد، وإنما عودة إلى الإستحقاقات الوطنية.
ويبدو أن الشركات العالمية تقرأ الأوضاع السياسية الدولية أكثر من السياسيين أنفسهم، فقبل الحديث عن موضوع إستثناء “العراق” من الإلتزام بالعقوبات تجاه “إيران”، تسابقت كل من شركتي (سيمنس) الألمانية و(جي. أي) الأميركية، من أجل الفوز بعقود “الطاقة الكهربائية”، التي يعاني “العراق” من نقصها ومنذ سنين طويلة، ويعمد إلى استيراد جزءًا منها من “إيران”، وبمبالغ ليست بالقليلة، ناهيك عن شراء “الغاز”، في بلد لا يقل “الغاز” فيه عن “الغاز الإيراني”، وهو موضوع لا يحير كاتب هذا المقال فحسب، وإنما خبراء الاقتصاد المحليين والدوليين. لذا فهناك فرصة كبيرة في أن تقوم هذه الشركات العملاقة في إعادة بناء البنى التحتية، التي سوف تكون عماد الاقتصاد السياسي القادم. أما إذا بقى الاعتماد على “إيران” أو “تركيا”، فالحال يبقى على ما هو عليه في “العراق”، لتكون له مع كل صيف قائظ هبة أناس يبحثون عن نسمة هواء باردة.
مثار جدل وصراع..
فاللعراقيين وطنهم وللإيرانيين وطنهم، فكما حكومة “طهران” حرة في سياستهم، يجب أن تكون الحكومة العراقية هي الأخرى حرة في سياستها، لكن ليس على حساب المواطن العراقي، بل من أجله.
وعلى كل حال؛ تبقى مسألة السياسيين العراقيين وتوجهاتهم نحو طرفي النزاع “الأميركي-الإيراني”، من مع ومن ضد، مثار جدل وصراع، وأعتقد أن الأمور سوف تكون أقوى من هؤلاء السياسيين. فالسيل جارف، ومن يقف بوجه، فسوف يأخذه بعيدًا.