خاص: إعداد- سماح عادل
“سعد الدين وهبة” مؤلف مسرحي وسيناريست وكاتب مصري، اسمه “محمد سعد الدين وهبة”، قدم العديد من المسرحيات منها (سكة السلامة)، (السبنسة)، (كفر البطيخ)، (كوبري الناموس)، (الحيطة بتتكلم)، (رأس العش). وقام بكتابة السيناريو والحوار لعدد من الأفلام السينمائية والأعمال التليفزيونية منها: (زقاق المدق)، (أدهم الشرقاوي)، (الحرام)، (مراتي مدير عام)، (الزوجة الثانية)، (أرض النفاق)، (أبي فوق الشجرة)، (أريد حلا)، (آه يا بلد آه)، (السبنسة)، (قصور الرمال)، (بابا زعيم سياسى).
حياته..
ولد “سعد الدين وهبة” في قرية دميرة مركز طلخا محافظة الدقهلية، وتخرج في كلية الشرطة عام 1949، وعمل ضابطا بالشرطة، ثم تخرج في كلية الآداب قسم فلسفة عام 1956 من جامعة الإسكندرية، عمل بعد ذلك صحفيا في جريدة الجمهورية، ثم موظفا في وزارة الثقافة.
صودرت له خلال مشواره المسرحي 3 مسرحيات هي “الأستاذ” و”إسطبل عنتر” و”سبع سواقي” والتي أجازتها الرقابة ورفضها الاتحاد الاشتراكي، ثم كتب مسرحية “يا سلام سلم الحيطة بتتكلم” التي تسببت في اجتماع الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي للمرة الأولى والأخيرة لتناقش نصا مسرحيا وأجيزت هذه المسرحية بعد تعديل 52 مشهدا وحذف مشاهد أخرى، وتم عرض المسرحية في نوفمبر 1970، ومنذ هذه اللحظة اتجه إلى مسرح القطاع الخاص الذي قدم له “سد الحنك” و “سبع ولا ضبع” و”8 ستات”.
مسرحياته والمجتمع..
في مقالة بعنوان (القضية الاجتماعية في المسرح المصري.. سعد الدين وهبة نموذجا) يقول “أحمد صقر”: ” اتخذت القضية الاجتماعية في مسرح كتاب مرحلة الستينات والسبعينات العديد من المحاور التي تصب جميعها في إطار القضية الاجتماعية، فبعضهم ركز على قضية الصراع الطبقي كما عند سعد الدين وهبة في : (المحروسة والسبنسة وكوبرى الناموس وكفر البطيخ وأحذية الدكتور طه حسين)، وعند نعمان عاشور في: (وابور الطحين، والناس اللي تحت، والناس اللي فوق، وغيرها من أعمال كتاب مسرحنا المصري.. سعى سعد الدين وهبة في الكثير من أعماله المسرحية إلى ضرورة الثورة على القيم البالية السلبية، وسعى إلى ضرورة تحقيق قيم إيجابية، قيم تنادى بضرورة التغيير والقضاء على سلبيات الماضي. على أن هذا المنهج قد تحقق – بشكل مباشر – في أعماله الأولى منذ مسرحيته الأولى “المحروسة” وصولاً إلى “سكة السلامة” 1967. يلح سعد الدين وهبة على ضرورة التغيير، إلى أن نصل إلى مسرحيته “أحذية الدكتور طه حسين” تلك المسرحية التي تطرح كثيراً من القيم السلبية التي أصابت مجتمعنا المصري في أعقاب الانفتاح الاقتصادي، إلا أنه لا ينادى بضرورة الثورة بشكل مباشر كما فعل في أعماله السابقة، بل نجده يعرض هذه السلبيات وما وصلنا إليه في حال، دون أن يتحرك، وبشكل واضح، نحو التغيير كما فعل في مسرحياته السابقة. اهتم سعد الدين وهبة من خلال مسرحياته: (كفر البطيخ والمحروسة والسبنسة وسكة السلامة)، برصد أبعاد القضية الاجتماعية التي تمركزت حول محاولة إظهار جوانب الظلم الاجتماعي الواقع على فئات الشعب المصري، سواء الفلاحون أو أبناء المدينة. ومن خلال هذه المسرحيات التي تركز على إبراز القضية الاجتماعية يصور إنسانية الإنسان الضائعة في عوالم النفاق والاستغلال الطبقي ممثلة في: (المحروسة، وكوبري الناموس، وسكة السلامة، وبير السلم)”.
المحروسة..
ويواصل: “فها هو في مسرحيته “المحروسة” يعرض الظلم والفساد الذي استشرى في ريف مصر من خلال عدد من الشخصيات النمطية الجاهزة، حيث تعرض كل شخصية حكايتها الصغيرة فتنمو أبعاد الحكاية إلى أن تكتمل الجزئيات في مشهد واحد كبير يمثل المسرحية ككل، فمنذ بداية المسرحية يعرض المؤلف أطراف قضيته الاجتماعية، وهى الشخصيات الحاكمة المستبدة كل العصور الذي يتلون ويتصرف دون معاناة، ومفتش الصحة المنافق، والخواجة الخبيث، هذا إلى جانب بعض الشخصيات المغلوبة على أمرها، مثل: عبد الحميد وأخوه اللذان يعدان نموذجين للفلاح المصري قبل الثورة، وأم عباس قارئة الفنجان وصانعة الأحجبة وبائعة المناديل، ووكيل النيابة الذي يمثل العدل ومحاولة إنصاف المظلومين ضد الظالمين، وكذا عبده مدرس الإلزامي، إلى جانب غيرهم من الشخصيات. شخصية أخرى من شخصيات المسرحية تعكس لنا جانباً من جوانب القضية الاجتماعية في هذه المسرحية، وأقصد بها زوجة المأمور التي تعيش حياة الدجل والأحجبة والسحر وقراءة الفنجان، وكل ما تفكر فيه هو أنها صاحبة هذه المحروسة، وأن زوجها هو رجل المحروسة الأول، ولابد أن يعلم الجميع ذلك، وأن زوجة وكيل النيابة لابد أن تعلم ذلك، ويدور الصدام بينهما طوال المسرحية من أجل سيطرة كل واحدة منهما على مقاليد الأمور ليجتمع حولها النساء، ويقررن بأنها هي سيدة المحروسة. وهكذا يتضح الظلم الاجتماعي الواقع على الفلاحين من قبل المأمور وزوجته، وبمساعدة العمدة يأخذون رزق الفلاحين من أجل إطعام المأمور وأسرته، وخال زوجته ومعارفه، بل أكثر من ذلك تتباهى زوجة المأمور بمكانة زوجها، وتسعى إلى أن تزوج ابنتها نادية من الضابط سعيد الذي يرفض هذه الزيجة، كما تتباهى بأنها سوف تحتف هذا العام بالمولد النبوي، وتمر التشريفة من أمام منزلها إعلاناً عن مكانتها الاجتماعية التي لا تدانيها مكانة أية امرأة أخرى، خاصة زوجة وكيل النيابة. ويشترك في هذا الظلم الاجتماعي المأمور وزوجته ومعه بعض من أعوانه، وكذلك الخواجة المنافق الخبيث، ومعه الطبيب المنافق الذي ينسحب من الساحة إذا استشعر الخطر، ثم يعو بعد أن تهدأ الأجواء، أما عن العمدة فتتضح ملامح شخصيته وجوانبها، فهو الرجل الذي لا يعرف إلا الظلم والرشوة والفساد، وبعد أن تقع جريمة قتل يكون هو القاتل فيها، يتحايل ليزج بإنسان مظلوم لأنه رفض أن يبيع أرضهن ومن خلال هذا الموقف تتبلور لنا أبعاد هذه الشخصية. يسود الظلم والقهر أجواء المسرحية، فالعمدة والمأمور والمعاون وأعوانهم يظلمون، ووكيل النيابة يحافظ على العدل ويتصدى لظلم المأمور والعمدة الواقع على الفلاحين، والضابط سعيد يقف إلى جوار وكيل النيابة، وتنتهي القضية الاجتماعية هنا بزوال الظلم عن المحروسة، وذلك بعد أن نقلوا المأمور إلى خارجها، إلا أن وكيل النيابة الذي تكاتف عليه الجميع نقل أيضاً، وكذلك الضابط سعيد ينقل إلى نقطة الزاوية داخل المركز. تتبلور جوانب القضية التي تعكس الظلم الاجتماعي الواضح في استغلال السادة لمالكي الأراضي الزراعية من صغار الفلاحين، ومحاولة إجبارهم على التنازل عن أراضيهم بالقوة وألا يزج بهم في السجون، هذا ما فعله بعض الفلاحين الذين رفضوا بيع أراضيهم للشركة.. إن هذه المسرحية وغيرها من أعماله المسرحية التي تصور القضية الاجتماعية، والتي كتبها في مرحلة الستينيات، تجسد لنا مجموعة من النماذج البشرية تتنوع استجابتهم للأحداث المحيطة بهم، وتختلف مواقعهم باختلاف أوضاعهم الطبقية والاجتماعية.. إن مسرحية المحروسة تعد نموذجاً لأعمال سعد الدين وهبة التي كتبها في مرحلة الستينيات، والتي ركزت جميعاً، وبشكل مباشر، على رصد القضية الاجتماعية، وما أصاب مجتمعنا من تغيير، إذ اعتمد على رصد التطورات والتغييرات التي حدثت في المجتمع عقب ثورة 1952 ساعياً من خلال مسرحيات هذه المرحلة إلى رصد الواقع الاجتماعي بصراعاته، ورصد التحولات الاجتماعية على المستويين المادي والقيمي، ويشمل هذا الرصد الريف والمدينة معاً، وطرق حياة الطبقات المختلفة. هذا إلى جانب تركيزه الواضح على رصد الصراع الطبقى بين القديم والجديد محاولاً من خلال كل ذلك أن يحرر الإنسان من الفقر والظلم والاستغلال كل هذا يؤكد، وبشكل مباشر، أن مسرحه في هذه المرحلة لم يكتف قط بالكشف عن مساوئ الواقع الاجتماعي، ولم يحفل بتقديم الحلول، وإنما اكتفى بالتعرية والإدانة، وترك هذه أثره على نهايات المسرحيات، فأضفى عليه جواً من الهدوء النسبي على الرغم من قتامة الواقع”.
أحذية الدكتور طه حسين..
ويضيف تحت عنوان “أحذية الدكتور طه حسين والقضية الاجتماعية في مسرح السبعينات”: “كتب سعد الدين وهبة عدداً من مسرحيات الفصل الواحد في مرحلة السبعينات وبدايات الثمانينيات تمحورت جميعها أو أغلبها على وجه التحديد حول رصد التحولات التي أصابت مجتمعنا المصري موزعة بين مسرحيات تعكس القضية الاجتماعية، وأخرى تعكس القضية السياسية. إلا أن الثيمات الأساسية اجتماعية في تركيباتها الشكلية، بينما تمتد على أبعاد مختلفة من أعماقها أعصاب سياسية قوية، وهذه الواقعية السياسية معالجة علاجاً مسرحياً فنياً مما يذكرنا بمسرح برنارد شو السياسي المناور، والناقد الساخر، والفنان الهادف. نستطيع القول إن مسرحية “أحذية الدكتور طه حسين” التي كتبها سعد الدين وهبة في عام 1977، ورصد من خلالها التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي أصابت بنية المجتمع المصري في مرحلة ما بعد السبعينيات إنما تعد مرآة صادقة بها نجح المؤلف في رصد القضية الاجتماعية التي تراجع فيها الصراع الطبقي المتمثل في الإقطاعي بالمفهوم التقليدي والفلاح، والعامل في المصنع، وطرحت نموذجاً جديداً بين طبقة الانفتاحيين بكل فئاتهم وبين جميع طوائف الشعب بمن فيهم من مثقفين ومفكرين وعمال وزراع. وهنا تتكشف لنا مقدرة سعد الدين وهبة في الاقتراب من قضايا المجتمع المصري ورصدها معتمداً في ذلك على الرأي الذي يقول: إنه لابد على الكاتب المسرحي إن أراد الصدق أن يستوحي مادة مسرحياته ومضمونها الدرامي من ظروف المجتمع الذي يعيش داخله، ويتأثر بأحواله وملابساته أثناء قيامه بعملية الخلق الفني، إذ أن الكاتب هو الضمير الواعي لمجتمعه. ولابد أن يبلور وجدانه، ويضع يده على نقاط الضعف والقوة، ويرى ما لا يراه الشخص العادي. يطرح سعد الدين وهبة في هذه المسرحية “أحذية الدكتور طه حسين” قضية اجتماعية تأخذ أبعاداً جديدة، حيث إنه لا يقدم الصراع الطبقي أو الظلم الاجتماعي المباشر الواقع على الفلاح أو العامل، ولا يسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بشكل مباشر كما هو حال أعماله المسرحية السابقة، بل نجده في هذه المرحلة يعرض لما أصاب المجتمع المصري في مرحلة السبعينات، إن ما أصاب المجتمع المصري من تغيير في قيمه ومبادئه لهو أمر انعكس على طبيعة الأعمال المسرحية التي عرضت لهذا التحول، فجاءت القضية الاجتماعية في هذه المسرحية خير برهان على رصد هذه التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية مما ترتب عليه تراجع طبقة ووصول طبقة جديدة بقيم جديدة إلى أعلى الهرم الاجتماعي “.
وفاته..
رحل “سعد الدين وهبة” يوم 11 نوفمبر عام 1997.
مسرحية المحروسة
مسرحية العمر لحظة