منذ أكثر من ثمانون عام لم يشهد العراق تساقط الامطار بهذا الشكل , مدن كانت تتوقع الجفاف وحر الصيف في هذا العام , تعيش قساوة العيش جراء السياسات الدكتاتورية بتجفيف الأهوار وتغيير مسار جغرافية الأرض العراقية وطبيعتها, أكبر كارثة بيئية ارتكبت بحق الانسان والطبيعة تلك التي خلفها نظام البعث المقبور تجاه اهالي الأهوار والمحافظات الجنوبية , بتغير مسار الأنهار وتحويل مياه دجلة والفرات الى شط العرب والخليج , يشبع منه الحيتان ويحرم العراقي من وسائل العيش , مدن أصبحت أطلال دارسة فقدت نعمة الطبيعة والطيور المهاجرة والأسماك والمواشي والزراعة , ومع تغيير تلك البيئة تحول طقس العراق الى حار ملتهب صيفاً جاف غير ممطر شتاءً ويتطاير الغبار صيف شتاء .
أهوار وقرى وقصبات كانت مأوى للمقاومين لبطش النظام , منذ عشرة سنوات وبعد الصبر والويلات والحرمان من تلك السياسات انتظرت طويلاً أن تعود لها الحياة ولكنها بقيت صحراء قاحلة , أصيبت بالتعرية وهجرة ساكنيها للبحث عن العمل وعيش لأطفالهم , بلد ألتهمته حيتان ومافيات الفساد لم يلتفت فيه من كان يتغذى على قوت الجنوب , وأرض كانت ساحات حرب السياسات الهمجية العبثية , أصيب معظم ساكينيها بالأمراض الخطيرة نتيجة المخلفات وطاردتهم الألغام في بلد فيه الغام اكثر من ساكنيه ( 30 مليون لغم ) وفي ميسان وحدها 5 ملايين , تقتل وتقطّع الأطفال والمواشي والرحل لكسب الرزق , كانوا ينتظرون هذا العام موجة من الجفاف والقحط وضاقت بهم السبل للحياة , بعد ان تركت الانهار كما هي منذ أن تغيرت مجاريها .
هطول امطار هذا العام لم يرصد كما تصاب الدول بالزلازل والفيضانات , تتعاضد الجهود المحلية والحكومية والدولية , مناظر مؤلمة لأطفال العراق ونساءه وشيوخه وهم يركضون خلف مساعدات الهلال الاحمر والقوى العسكرية , حفاة وتقاسيم وجوههم تشكي الضيم والخذلان من القريب والبعيد , للحصول على خيمة او وجبة غذاء , رسمت على جباهمم خارطة وطن اصبحوا فيه غرباء وتحركه أكف الغرباء ويفتك فيهم من يشاء , مدن فقيرة محرومة دون خط الفقر يقارب في تلك المحافظات 50% معظمهم من هذه المناطق , لا يملكون سوى بيوت من الطين وبعض المواشي وارض يزرعوها يعتاشون عليها من موسم لأخر , خطط حكومية بعيدة عن الواقعية ومسؤولين إبتعدوا عن واقع مدن أوصلت معظمهم الى سدة الحكم , ولم يأسسوا لها مدرسة متطورة او مركز صحي او طرق مواصلات , نكران كبير للجميل وإبتعاد عن ستراتيجية ادارة الموارد البشرية والطبيعية في تلك المناطق جعل منها مدن منكوبة جراء امطار يوم واحد واجراءات حكومية كانت متاخرة لم تتبع التحذيرات الجوية لأخذ التدابير , سقطت البيوت وزحفت الالغام وماتت المواشي والزراعة , مواطنون يلتحفون السماء وضاقت بهم الأرض , بين فقدان ممتلكاتهم وسقوط بيوتهم وأمراض اطفالهم وتشردهم , إنشغلوا بأنفسهم وإنشغل الساسة بالسجالات والمقايضات والمساومات , وما تم رصده لهم من تعويضات لا يداوي جرحاً لهم في غلاء معيشة وعودة لفقراء الى مادون الصفر بتعويض من 2-4 مليون دينار عراقي لا تكفي لشراء كرفان واحد لعوائل كبيرة والأخطر في ذلك بعضهم من أقترض للزراعة 30 مليون دينار ذهبت مع السيول , نعمة من السماء تحولت الى كارثة إنسانية وبيئية كبيرة , بحاجة الى تكاتف الجهود الحكومية ومنظمات المجتمع ورجال الدين وأصحاب رؤوس الاموال الميسورين , بحاجة ان نسمع لصوت من الشمال والوسط والغربية والجنوب يجتمع بصوت واحد لمساعدة المناطق المنكوبة , غضب الطبيعة نعمة من السماء لأزالة شر او نشر خير لتكن باب لوحدة العراقيين .