17 نوفمبر، 2024 6:56 م
Search
Close this search box.

الوهم الأكبر

كانت ليلة من ليال شتاء موسكو القارصة في تشرين الثاني من العام ١٩١٥ ، ليلة لا يقتل برودتها الا رشفات من فودكا تشاسكا المحظورة وبعض من حبات الجوز وكانت منضدة المكتب امام السيد سيزونوف خالية تماماً الا من خارطة الشرق الاوسط واقلام التحبير ، الساعة تجاوزت الحادية عشر ورأسه مثقل بالأفكار وهو يستمع الى موسيقى سمفونية كسارة البندق للموسيقار تشايكوفسكي حمل القلم وبيد مرتعشه خط اول خطوطه المتعرجه ليفصل بين بلاد الشام والعراق ! توقف لحظه واعاد التفكير بمهمته السريه ! يا الهي هل انا من سيحدد للناس اوطانهم ؟ هل انا من سيقنعهم بان تلك الخطوط التي رسمتها يدي المرتعشه هي حدود النار التي لايمكن ان تتجاوزها حتى قطعان الماشيه .
اكمل التقطيع الذي استغرق اياماً وليالي ثقيلة ليطوي الخارطه ويرسلها بحقيبة البريد الدبلوماسي السريه الى باريس .
جلس فرانسوا بيكو ومارك سايكس في صالة من صالات الخارجية في كاي دورسي واغلقوا عليهما الباب ليفتحوا حقيبة سوزانوف السريه ، انها الخارطة الموعوده ، فتحوها فوق المنضده ! آه يا الهي ماهذا سيكون لنا الوصاية لسوريا ولبنان ولكم العراق والكويت ! ماهذا الخط المتعرج الذي يفصل الموصل وكردستان الى روسيا ! توقفا برهة واشعلا غليونهما ورشفا من اقداح البراندي ثم استدركا لا داعي للعجلة فالبلاشفة وعدونا بالانسحاب من المعاهدة بعد ان تنجح ثورتهم وستعود الموصل لكم ايها الانگليز .
بعد عام ارسلت الوثيقة للتصديق وانسحب الروس فصودقت من قبل ادوارد غراي وبول كامبون في ١٦من أيار ١٩١٦ وهم في غاية الرعب من تداعيات ثورة الشعب العربي !
هكذا رسموا لنا الوطن قبل قرن مضى وبتسلطهم وخبثهم وغباؤنا وجبننا اصبحت خطوط سيزانوف المتعرجه سياجنا المقدس وتحولت معاركنا داخل ذلك السياج لتقوية بناؤه بدلاً من تدميره ووضعنا داخله اسيجة اخرى لأننا اصبحنا نرى الاوطان اكبر من عنصريتنا وطائفيتنا !
اوطانكم واعلامكم رسمت لكم وما تزال ترسم وتعدل لكم الحدود لأنكم فقدتم الأهلية لترسموا وطن الى حين !

أحدث المقالات