لامدينة كبغداد | مثل تركي قديم
لم يكن ألاحتفال ألاستعراضي الذي جرى لآفتتاح مهرجان ” بغداد عاصمة الثقافة العربية ” مطمئنا للعقل الثقافي العراقي الذي ينظر للآمور بعيدا عن عناوين السلطة التي لم تحصل على شروط المثقف بتعريف الفارابي ” المثقف هو الذي يعرف كل شيئ عن شيئ , ويعرف شيئا عن كل شيئ ” .
والعقل الثقافي العراقي لايطمئن ولايمكن أن يطمئن وهو لايزال يرى وزارة الثقافة العراقية مهمشة تغزوها المحاصصة وتسكنها غربة الحرف والكلمة ويتسيد عليها من هو ليس من سدنة الحرف والكلمة في صومعة المعرفة , ودعوة منح وزارة الثقافة فهما سياديا وأن جاءت متأخرة عن دعواتنا المبكرة لآعطاء الثقافة عنوانا سياديا حتى يتمكن الكتاب والمفكرون العراقيون أن يكون حضورهم تأسيسيا منتجا تحتضنه الدولة لاكما حدث مع مؤتمر نخبة المفكرين العراقيين الذي عقد في بغداد عام 2009 ولم تستطع الحكومة ومؤسسات الدولة أن تتحسس أهمية المؤتمرات الفكرية فظلت مشغولة بمحدوديتها وبسلطتها التي لاتعرف هموم الثقافة وفرحها حتى جاء موعد أستحقاق بغداد لتكون عاصمة الثقافة العربية وهو موعد ملتبس بالواقع الثقافي العربي المثقل بتراكمات ألآراء التي لم تكن ولادتها شرعية من خصوصيات الحاجة ألاجتماعية للعقل العربي الذي يحمل أرثا ويحاصره واقعا يسرق الغرباء تطلعاته عبر مكيدة تجعل من بابل متهمة ومن بغداد محطمة ومن يأجوج ومأجوج عدوا أفتراضيا يتحمل العراق أعبائه؟
أن العقل الثقافي العراقي لاتغريه المهرجانات المعلبة والمركبة بالخطأ الذي ينسى أن بغداد مدينة ليست طائفية التأسيس من خلال ثلاثة شخصيات ” أبو جعفر المنصور الباحث عن السلطة , وعلي بن يقطين الباحث عن فكرة ألاصطفاء التي تختزن ثراء معرفيا تجتمع فيه نهايات العالم مع بداياته البكر المولودة بعناية السماء , والراهب الباحث عن الروح القدس”
ولذلك ظلت بغداد مدينة السلطة المسكونة في البحث عن الفكرة التي تعيد التوازن للسلطة ولمفهوم الروح القدس .
والذين يريدون ألاحتفال ببغداد كعاصمة للثقافة العربية عليهم أن يحققوا المفهوم الثقافي لبغداد أولا , فهذا الذي نراه من هوس الترشيح للآنتخابات في مجالس المحافظات لايعبر عن فضاء ثقافي يطمئن له العقل الثقافي العراقي المهمش والمقصى سهوا أو تعمدا
وهذه الفضائيات المحتشدة بتنافر يضع قدم بعضها في بغداد وعقلها في الغربة , مما لايجعلها أضافة ثقافية بمقدار مايجعلها تخريبا ثقافيا يصادر تطلعات المهرجان ومن يريد نجاحه ؟
وهذه الصحف التي أستثمرت فرصة الحرية في بغداد ولم تعطيها حقها , وكانت عينا للمتربصين ببغداد ولم تكن صوتا لمعرفة أنسانية بهوية عراقية ؟
وهذا الذي نراه من تظاهرات أحتجاجية محدودة في مناطق معينة دخلت شهرها الرابع لاتعطي لبغداد هويتها الثقافية كمدينة حاضنة لبيت الحكمة في الرصافة وكرسي الكلام واللسانيات والفقه في الكرخ , بغداد التي أحتضنت ألامام أبا حنيفة النعمان تلميذا للآمام جعفر بن محمد الصادق هي مدينة غير طائفية وأن أراد البعض أن يعطيها هذه الصفة خطأ .
وبغداد التي تعاني من وحشة ألانقطاع العربي لايفت في عضدها عدم الوفاء البعيد , ولكن يؤلمها عقوق ألابناء ؟
وبغداد يكتب عنها اليوم الغرباء , وينظر لها ألاعداء والخصوم , فمايكل نايتس يكتب عن عتمة ” بغداد , وسوزان كرايتر تكتب عن عدم أستقرار العراق , وهاموس مالكا يطمح الى مسح العراق من الخريطة وشيخ المستشرقين ” برنار لويس ” يكتب عن ألاستراتيجيات الغربية في المنطقة , والجنرال داني روتشيلد من المخابرات الصهيونية يكتب عن تطوير العلاقة مع الكانتونات العراقية لاسيما الكردية ,وأغلب كتابنا يلوكون التشهير والتسقيط ويتنابزون بألالقاب , ونحن في مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية نرقص على أنغام موسيقى بلاطات المنصور ونستحضر ذكريات سومر وبابل وأشور وأكد التي لم تكن بغداد حاضرة في ذاكرتها , مثلما لم تكن تلك المدن التي أصبحت أطلالا حاضرة في وجدان العراقي المعاصر الذي ولدت لديه أفكار لاتنتمي لحقبة ألاقوام الذين تعاقبوا على تاريخ العراق وكانوا نسيا منسيا ألا ماترويه الكتب التي لم ينصف الكثير منها علاقة ألارض بالسماء ولا علاقة الناس بخالق الناس .
وأحتفالية بغداد عاصمة الثقافة العربية يواجهها السؤال الثقافي الذي لايمكن ألغاء حضوره , كم كان هذا ألاحتفال قريبا من ثقافة السماء؟
وكم كان ترجمة حقيقية لتطلعات العراقيين الذين تتوجه جموعهم المليونية صوب الذين ترجموا نداء السماء ولهذا ظل نداء الجمعة وصلاتها شاهدا على عمق الصلة الروحية التي ظلت مصدا منيعا ضد ألارهاب وأمراضه الثقافية التي تنتشر في المحيط العربي كما ينتشر الطاعون الذي لم يقهر الحياة .
تذكرني أفتتاحية مهرجان بغداد عاصمة للثقافة العربية في تناقضاتها الثقافية التي جعلت من نبيل العربي متحدثا بأسم الثقافة العربية وهو من جعل الجامعة العربية تنسى ثقافتها فتتحول بوصلة الجهاد والنضال من العمل على أسترجاع القدس الى العمل على ضياع أقدم عاصمة في الدنيا ” دمشق ” والعمل على تفتيت المنطقة العربية التي جاء عرابها ” أوباما ” ليعقد صلحا بين أوردغان ونتناياهو وهو أختراق يسجل في خاصرة الثقافة العربية وألاسلامية في زمن الترهل العربي الذي يتعملق فيه ألاقزام , وتحضر فيه النذور سليلة الثقافة الجاهلية وبخور ألاعراب ؟
هذه ألافتتاحية ذكرتني بأفتتاحية المؤتمر الوطني العام في بغداد عام 2004 والذي صعد على منصته عسكري أمريكي ليلقي النظرة على الترتيبات التي تريدها أدارة ألاحتلال ولآثبات صورة ذلك الحضور مصورا كأرشيف لاتمحوه ألاعذار والتبريرات للذين ظلوا يطفون على سطح الحدث كما يطفو براز الضفادع في البرك ألاسنة ؟
ومثلما كانت صور المرأة في أفتتاحية المؤتمر الوطني العام لاتمثل واقع المرأة العراقية وتطلعاتها القيادية مثل المفكرة القائدة النسوية ” أمنة حيدر الصدر بنت الهدى ” , كذلك كانت فعاليات مهرجان بغداد عاصمة للثقافة العربية لاتمثل حقيقة الثقافة العراقية وتطلعاتها التي يعرفها سدنة الثقافة الذين يملكون حضورا خارج دعوات من نظموا المهرجان من الذين قدموا خلطة لاتناسب معدة الثقافة العراقية بأستثناء نشوة الحدث التي لاتؤسس لعمل حضاري مالم تتظافر معها مناجم الثقافة التي تتخذ من السماء قبلة لتمحو الزائف منها والذي تحول الى صنمية بعناوين جديدة وبضمانات مالية لم تحمي من جمع المال تاريخيا وظل مثلا للخيبة ذلك هو قارون الذي طغى ” فخسفنا به وبداره ألارض ” وذلك مصير محتوم نريد ثقافة بغداد تبتعد عنه لتحظى ببركة السماء ولا يتم ذلك ألا بعد أن تعرف بغداد كيف تحتفل بمهرجانها الثقافي ؟
مثلما نريد للتظاهرات ألاحتجاجية أن تحافظ على هيبة الوطن من خلال الوفاء لبغداد التي لم تكن يوما طائفية , وذلك لايتم ألا بمراجعة الثقافة العراقية التي تنتمي مرجعيا لثقافة السماء .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]