بين فترة وأخرى تطالعنا بعض الصحف والفضائيات العراقية بعناوين ومانشيتات مثيرة ، تشير الى ( انقلابات ) مزعومة قد تحدث في العراق، وتبدأ بنسج روايات عن ( المؤامرة ) وفصولها بطرق درامية وكأنها تحدث فعلا أو انها في طريقها لأن تحدث ، وان هناك مخططين وممولين ومساندين لهذا (الانقلاب ) ، يتلقون دعما من دول اقليمية، وتبدأ الماكنة الامنية بتشديد إجراءاتها الامنية ورفعها الى الدرجة القصوى، وتبدأ حملات الاعتقال على الإبرياء ، الذين لاحول لهم ولا قوة ، والشارع العراقي يقع ضحية كل تلك الاجراءات، وتتسبب بمعاناته وتعريض حياته الى المتاعب والمخاطر، ثم يتبين بعدها انه ليست هناك اية ( مؤامرة) وان البلد يعيش في أزمات سياسية ، سببها اطراف العملية السياسية أنفسهم، وانها لاتعدو ان تكون ( معركة بين الحبايب )!
وتكاد لاتمر بضعة أشهر حتى تتكرر أساليب ( الإثارة ) بطرق وأساليب أخرى، بل وربما مشابهة لما جرى الاعلان في عناوين الصحف وبعض الفضائيات التي تجد في ( الاثارة الصحفية ) فرصتها للانتشار والحصول على ( السبق الصحفي والاعلامي ) حتى وان كان بالطرق الرخيصة، فالمهم لدى بعض مطلقي ( بالونات الرعب ) ان تثير انتباه الحكومة وغالبية بسيطة من الشعب العراقي من ان هناك مخاوف من ( تداعيات خطيرة ) على الوضع الداخلي، ولكن ما يحدث يختلف تماما عما يتم طرحه من مخاوف، وتبقى الوسيلة المتعارف عليها وهي ( السيارات الملغومة والتفجيرات ) الاسلوب المعتاد الذي يحدث في كل مرة ، ويروح ضحيتها العشرات من العراقيين، ضحايا لنزوات عدوانية طائشة، ربما تخدم السلطة في نهاية المطاف، حتى وان عرضت سلطتها الى الخطر، وأظهرت ضعفها امام الرأي العام، لكنها هي المستفيدة منها في نهاية المطاف.
المشكلة ان من يردد بالونات الاثارة ، يريد ان يلفت الانظار اليه، ويريد من السلطة ان تقترب منه ، لغاية في نفس يعقوب، او يظهر بدور الحريص عليها، وربما في جانب آخر يريد ارعابها واظهار ان هناك خطرا محدقا يتهددها، واذا بالازمة وقد أثيرت في مانشيتات الصحف وبالونات الفضائيات المثيرة، واذا بهذه ( الزوبعة ) وقد فرغت من مضامينها، ويكتشف المواطن العراقي ان كل تلك الالاعيب هي ( عمليات خداع وتضليل ) تستهدفه هو وليس الجهات الحكومية ، مايعرض حياة آلاف العراقيين لان يتم التضييق عليهم عندما يتم اتخاذ اجراءات غيرمسبوقة في الشارع العراقي ، يكون المواطن البسيط للاسف أكثر المتضررين من ويلاتها وثقلها المدمر، بعد ان يفقد الكثيرون أعصابهم نتيجة المضايقات وربما حملات الدهم التي تعقبها في احياء بغداد ومحيطها.
وآخر هذه ( التقليعات ) ماتم إثارته إعلاميا عن مخطط لاستهداف رئاسة الوزراء عبر الدخول الى مقراته والسيطرة على مؤسسات هناك قريبة منه، في اثارة رخيصة لايمكن حتى لطفل ان يصدقها، وربما يأخذ الطرف المستهدف الاشاعة، وهو مكتب رئيس الوزراء ، على محمل الجد، وربما هي بهدف استنزافه بالاجراءات الامنية التي تعقب هذا الترويج الرخيص للدعاية، لجعله في حالة قلق مستمرعلى مستقبله، وان التهديد يتعرض له بين اونة واخرى، ولهذا سيبقى في حالة خوف دائم على المستقبل.
وهناك من ( الاثارات الصحفية ) من يستهدف جماعات سياسية معينة بهدف توجيه الحملات ضدها ولخلق المزيد من العداوات ونقاط التأزم بين اطراف العملية السياسية ، أو لاستهداف طرف سياسي بعينه وصب جام غضب السلطة عليه، وهو لايعرف حتى من روج لهذه الاثارة او رددها، واذا به هو المتضرر مما حاول البعض اثارته ضده من ترويجات بهدف الاساءة الى العلاقات بين الجهات السياسية سواء المتحالفة او التي توجد لها صراعات مع الاطراف الحاكمة، وهذا ماحدث مرات عديدة ، وحدثت ( أزمات ) بين أطراف العملية السياسية ، لأن ( جهة ) ما أرادت أن تأزم الوضع من جهة أخرى ، لديها معها توجهت مضادة ، او تختلف في رؤيتها ازاء ما يجب اتباعه مع العراقيين من أساليب تعامل، ويكون المواطن العراقي في نهاية المطاف هو الضحية والشعب العراقي هو الخاسر مما يتم اثارته من ترويجات دعائية رخيصة.
إن الوضع العراقي تتحكم فيه الولايات المتحدة ، وهي صاحبة الأمر والنهي، ولن يمر أي ( إنقلاب ) أو مجرد ( محاولة ) للتفكير بتسلم السلطة ، الا من من خلال ( البوابة الاميركية ) وعبر قنواتها، وكيف يكون بمقدور أي ( متآمر ) أو ( طامح ) الى السلطة ، أن يدخل او يفكر بمجرد ان ( يقلب موازين القوى ) لصالحه، دون ان يكون للاميركان وجهة نظر معه او ضده..أما ما يجري من ( بالونات إثارة ) فهي تدخل في دائرة ( الإثارة الرخيصة ) ليس إلا، ومن قبيل ( تضليل ) الرأي العام أحيانا ، وتوجيه أنظاره نحو قضية ما ، وأبعاده عن التفكير بوضع آخر أو حدث لافت كان محل اهتمامه، ولن يكون هناك أي ( متغير ) لمسار سياسي الا عبر بواباته ( المعلنة ) وعبر الاميركان، ومن خلال المنابر الديمقراطية نفسها، وليس عبر أي طريق آخر، كما يتم الترويج له عبر الصحافة والمنابر الاعلامية.