لست ابالغ ان قلت ان الكتاب من افضل الكتب التي اطلعت عليها في غزارة مادته العلمية و التتبع التاريخي للمفهوم الذي عالجه.
لقد تتبع الكاتب الايراني شهريار زرشناس بحرفية و جهد مضنٍ الليبرالية في مهد تاريخها و في الافكار الاولى التي انبثقت لتتطور و تتكامل و تقدم الليبرالية كمفهوم يقدم نموذجاً اجتماعياً يسعى ليحرر الانسان و ينميه و يخلصه من الاغلال و الظلم و الفساد.
يشن زرشناس هجوما لاذعاً و نقداً متواصلاً خلال صفحات الكتاب على منتج الليبرالية و يصمها بأنها تستند الى ثنائية النفعية و اللذة اي ان مبدأها الاساس هو تحقيق المنفعة و اللذة للانسان و هو ما ينقص مضمونها القيمي و يعرضه لنقد شديد.
الغريب ان الكاتب يحاول ان يجد جذوراً مشتركة لليبرالية مع الماسونية و القبلانية (اتجاه تصوفي وفلسفي يهودي ظهر في القرن الثاني عشر في اسبانيا) و لا يتوقف عند ذلك بل يصف منظري الليبرالية و واضعي اسسها كجون لوك و فولتير و غيره بأنهم ماسونيون!!
و لا يني في معرض نقده لليبرالية عن توجيه النقد لكل المفاهيم المرتبطة و المتشعبة عن الليبرالية و حتى على النظريات التي شكلت ارهاصات لظهور الليبرالية كنظرية حقوق الانسان و الفردانية و المجتمع المدني و الديمقراطية و نظرية الفصل بين السلطات و نظرية العقد الاجتماعي و هكذا.
و الحق انني لاحظت بحسب تتبعي وجود نقد غير موضوعي لكثير من تلك المفاهيم فمثلا ينقد موضوع التسامح بأنه كان محاولة لادخال بعض القيم و المعتقدات الشركية و تقبلها ضمن فضاء التسامح و كذلك يعد التسامح محاولة للقضاء على مفهوم الايمان و تمييعه.
يؤكد كذلك على دور اليهود في انتاج مفهوم الليبرالية و بلورته و لذلك كان هناك ترويج للتسامح و القبول بالتعددية لأجل ايجاد فضاء يستطيع معه اليهود العمل بحرية فيشير الى دور القبلانية و الاوليغارشية (جماعة يهودية اتخذت من امستردام مقرا لها تضم تجارا كبارا و تحالفت مع البروتستانت) و هو امر غريب و غير موضوعي باعتقادي و يتنافى مع القراءة غير المتحيزة للتاريخ.
لم يكن نصيب الانسانوية و الفردانية بأقل من الليبرالية خلال طيات الكتاب كون المفهومين يمثلان احد اهم اسس الليبرالية اذ ينقدهما بشدة و يؤكد ان منطلق الانسانوية و الفردانية هو المنفعة و تكريسها و هو ما يتيحه كنز المال و تنميته و كذلك التحلل الجنسي او الشهوة.
لا يني زرشناس عن التعبير عن النفس بالامارة فهو ينطلق من منطلقات اخلاقية و اصطلاحات تشبعت بها بيئته الايرانية.
بقي ان اشير الى ان الكتاب جدير بالقراءة فهو يقرأ الليبرالية من منطلقات انسانية و قيمية متسالم عليها و يوضح مساوئها و ينظّر الى سقوطها لأنها افقدت الانسان المعنى و صنعت له اغتراباً مؤلماً و رهيباً حين وضعته في لجة الحرية و الفردانية التي تعزله عن مجتمعه و ذويه لتحيله كائناً نفعياً توجهه منفعته و يتحكم به رنين النقود .
لا يفوتني ان اقدم الشكر للمترجم حسن الصراف و للمركز الاسلامي للدراسات الاسلامية لترجمة و طباعة و نشر هذا الكتاب .