18 ديسمبر، 2024 11:20 م

تركيا: ماذا بعد الاعتراف السعودي؟

تركيا: ماذا بعد الاعتراف السعودي؟

بالرغم من أن عملية الاعتداء على الصحفيين، وتصفية المعارضين ليست بالأمر الجديد أو الطارئ على السلوك السياسي للعديد من الأنظمة السياسية وخصوصا في عالمنا العربي، وبالرغم من وجود الكثير من حالات الاختفاء ألقسري للأشخاص إلا أن قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي شكلت نقطة تحول في العديد من الملفات الشائكة والمعقدة في منطقة الخليج عموما، ودول مجلس التعاون الخليجي على نحو الخصوص، لاسيما وان الطريقة التي تمت فيها تصفية هذا الرجل كانت قاسية ومرعبة وتتنافى مع ابسط حقوق الإنسان إذ نادرا ما يتم تقطيع جثة الضحية والتمثيل بها وفقدان أثرها.
كما جاءت قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في وقت تعصف بمنطقة الخليج مجموعة من الأزمات والصراعات والضغوطات التي لايمكن التنبؤ بنتائجها بسهولة، فالملف النووي الإيراني عاد مرة أخرى إلى واجهة الأحداث بعد إعلان الرئيس الأمريكي انسحابه من الاتفاق الذي ابرمه سلفه السابق اوباما في ضمن مجموعة ( 5 + 1 ) والذي أردفه بحزمة من العقوبات الاقتصادية ضد إيران، إضافة إلى الحرب التي تقودها السعودية والإمارات ضد اليمن والاثار الانسانية الكارثية التي بدات تهدد المجتمع اليمني من جهة، والانتهاكات الخطيرة التي تقوم بها الماكنة العسكرية لقوات التحالف السعودي ضد أطفال ونساء اليمن من جهة أخرى. وياتي الحصار السعودي المدعوم من قبل دول مجلس التعاون ( باستثناء سلطنة عمان ) ضد قطر ليشكل هو الاخر ازمة جديدة تضاف الى ازمات وصراعات المنطقة، وهي الازمة التي بدات تاخذ اتجاه اعادة رسم التحالفات في المنطقة بعد دعوة قطر الى انشاء تحالف خماسي يضم قطر والعراق وايران وتركيا وسوريا، واخيرا المفاجئة التي فجرتها سلطنة عمان عندما استقبل سلطانها رئيس وزراء العدو الصهيوني نتنياغو.
في ضمن هذه الأجواء يأتي تعامل تركيا مع جريمة القتل بطريقة براغماتية من خلال اطلاعها للولايات المتحدة الامريكية على الادلة التي تمتلكها، اضافة الى اطلاعها للعديد من دول الغرب ذات التاثير الدولي وخصوصا المانيا التي بادرت منذ اللحظات الاولى الى الاعلان عن مطالبتها بالكشف عن حيثيات الجريمة وضرورة معاقبة من يقف وراءها، فضلا عن اتخاذ ألمانيا والعديد من الدول الاوربية مواقف سياسية تتعلق بمجالات التعاون العسكري مع السعودية. وربما ياتي اعلان السعودية عن استغناءها عن الدعم اللوجستي الامريكي المتمثل بطائرات التزود بالوقود ليكشف عن قرار أمريكي بإيقاف الدعم لقوات التحالف السعودي في حربها على اليمن بعد منح الولايات المتحدة الامريكية أطراف الصراع شهرا واحدا لإيقافه، ويأتي هذا الأسلوب التركي في عرض الأدلة في سياق الإصرار التركي والمدعوم من جريدة الواشنطن بوست على ضرورة المحافظة على حيوية القضية واستمرارها وزيادة تفاعلاتها على جميع المستويات، إضافة إلى غرض آخر ربما يتعلق بالإطاحة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان
ان تمسك تركيا بضرورة اعتراف المملكة العربية السعودية بتحديد الشخص المسؤول، وصاحب القرار في هذه العملية بالرغم من جميع الدلائل والاشارات التي اعلنتها ومازالت الصحف التركية تشير الى انه معلوم لديها، وهذا ما يفسر الرفض التركي للبيان الاخير الذي اعلنه الادعاء السعودي والذي اتهم فيه 11 شخصا بالمشاركة في الجريمة، ومطالبتها بانزال عقوبة الاعدام في خمسة منهم ممن باشر عملية القتل، ولم تكتفي تركيا برفض البيان بل إنها اعلنت ان لديها ادلة اخرى لم يتم الاعلان عنها وعرضت مجموعة من الصور التي يظهر فيها بعض اعضاء فريق الاغتيال وهم يقطعون جثة الصحافي جمال خاشقجي في إشارة إلى حقيقة التهديد ال1ي استبطنه التعليق التركي على البيان السعودي خصوصا وان البيان يحمل في طياته اتهاما لتركيا بعدم التعاون وحجب الأدلة.
نعم يمكن للمتابع للموقف التركي أن يثير جملة من التساؤلات التي ربما ستضع تركيا في موقف حرج أذا ما استمرت بالتعامل مع هذه القضية بهذا المنهج، ولعل من ابرز الاسئلة التي تثار عن كيفية حصول الادعاء التركي على صور عملية تنفيذ الجريمة خصوصا مع الاعتراف بان كاميرات القنصلية كانت متوقفة عن العمل خلال فترة تنفيذ الجريمة؟ فالصور يظهر إنها ماخوذة من كاميرا موضوعة في سقف الغرفة فهل ان هذه الكاميرا وضعها القنصل في محاولة منه لامتلاك ادلة يدافع بها عن نفسه كما اثير في بداية الازمة، ام انها موضوعة من قبل احد اعضاء الفريق لتوثيق عملية الاغتيال ــــ كما هو المتعارف لدى فرق الاغتيال المخابراتية ـــــ وتسليمه إلى الشخص المسؤول لتاكيد انجاز المهمة، ام ان السلطات التركية هي من تقف وراء هذه الكاميرا وفي حال ثبوت هذا الامر فان تهمة التجسس على البعثات الدبلوماسية ربما تكون في انتظار السلطات التركية والتي ربما تجعل الاتراك يتنازلون عن بعض اسئلتهم وخصوصا ما يتعلق بتحديد من يقف وراء هذا الفريق، خصوصا بعد الاستعدادات الجارية لإغلاق ملف اليمن، وإعادة الوئام الخليجي مع قطر.