شهدت الديمقراطية كمنهج ونظام حكم يقوم على صناديق الأنتخاب وفصل السلطات الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية أضافة الى الأعلام الحر ، أنحرافا صارخا في مبادئ الديمقراطية كما برز في تجارب الحكومات العربية وتحديدا في الأنظمة التي تتحول من الحكم الشمولي الى النمط الديمقراطي وما حصل من تغيير وتحول سياسي بتأثير ماسمي بالربيع العربي او تجربة التحول التي عاشها العراق بعد سقوط الحكم الدكتاتوري وأنكشاف الأحتلال الأميركي عن حكم يقوم على الأنتخاب والنظام البرلماني بصفته شكل آخر للديمقراطية .
شواخص الأنحراف تتمثل في هيمنة أحزاب الأسلام السياسي على آفاق المسرح بعد فوزها بالأنتخابات ، فتقوم بأنتاج أستحكامات جديدة تحافظ على الشكل الخارجي للديمقراطية في صورة انتخابات حرة وديمقراطية بعد أن تبسط هيمنتها على السلطة التنفيذية وتتحكم بتشريعات القوانين الدستورية والأنتخابية بما يديم بقائها وتتيح لها فرصة التغيير في الدستور ايضا وفق أشتهاءات وضرورات البقاء في السلطة ، وفي ضوء هاتين القوتين تفرد جناحها على السلطة القضائية في مسلسل احتوائها تدريجيا على وفق مسارها وطموحاتها وبما يجعل الفعل الأجرائي للسلطة التنفيذية قادرا على تقويض دور الأعلام ووضعه بقالب ينزع الدسم عن سلطته الرقابية والنقدية ويسهم بتقوية آليات أتساع وجودها (اي السلطة ) وهيمنتها على مفاصل البلاد كافة .
أحزاب الأسلام السياسي تدخل الأنتخابات وهي مطمئنة لتفوقها ونجاحها بفعل انعدام البنية التحتية للأحزاب والقوى الليبرالية والمدنية واليسارية جراء انعدام الحريات وتزايد ممنوعات الأنظمة السابقة الساقطة و حداثة الثقافة الديمقراطية لدى الأغلبية العظمى لابناء الريف والقرى وضواحي المدن التي تشكل غالبية سكانية في عموم الدول العربية والميل التلقائي لدى هذه الجماهير في اختيار رجل الدين او الحزب الذي يحظى بشعارات وتأييد المرجعيات الدينية وزعماء الطوائف والعشائرالذين يلتحقون بالتأييد للطائفة والمذهب في أطار التعصب بالأنتماء ، واذا كانت واحدة من مبادئ الديمقراطية تظهر بعدم مصادرة التعبير الحر عن الدين او المذهب والفكر والأيديولوجيا وفق الحريات والقواعد التي يكفلها الدستور ، فأن جوهر النظام الديمقراطي لايأتي في تمثيل و حفظ حقوق الأكثرية وحسب وأنما في مراعاة وحماية حقوق الأقليات او الأحزاب المعارضة التي صارت تصادرفي ضوء تشريعات تتوقف بالدعم والهيمنة والتمدد لمصلحة أحزاب الأسلام السياسي الحاكمة والمهيمنة دون ان تترك اية مساحات للاحزاب الصغيرة او ذات التمثيل المحدود ، وهو مايظهر جليا في التجربة ( الديمقراطية ) العراقية وتحديدا في تشريع القوانين وأهمها قانون الأنتخابات الذي أعطى استمرارية الهيمنة والأستحواذ على السلطة لأحزاب الأسلام السياسي الحاكمة حاليا ، وهو مابدا يتجلى ايضا في التجربة التونسية والمصرية التي تهيمن على برلماناتها أحزاب اسلامية تتظاهر في الشكل الديمقراطي وتمارس في عمق التجربة أجراءات وتشريعات وتغييرات دستورية وسلطوية ذات توجهات تضعها على سكة الأنظمة الدكتاتورية والشمولية وهو مايجعلنا نجترح لها مصطلح الأنظمة الدكتوقراطية اي الأنظمة الدكتاتورية الواصلة والمهيمنة على الحكم بواحدة من وسائل الديمقراطية .
في رأي للكاتب والمحلل السياسي الأميركي توماس فريدمان يقول ؛ ان وحدة قياس الأنظمة الديمقراطية الحديثة لايتمثل في تمثيلها للأغلبية وحسب بل في قدرتها على تحقيق الانجازات للأقليات والمعارضة على حد سواء مع الأغلبية وهذا الأمر يعطي لها شرعية الوجود والتمثيل الديمقراطي ..!، وفي مراجعة لديمقراطيات الأنظمة العربية الحديثة التي تهيمن عليها سلطة أحزاب الأسلام السياسي نجد التجربة العراقية وفي ضوء تقارير وبيانات منظمة الشفافية العالمية ، أنموذجا صارخا للفساد المالي والأداري والسياسي والأعلامي على النطاق العالمي ،و في سلبية بالغة الأثر وهي تعكس نمط الهيمنة السياسية لأحزاب الأسلام السياسي التي تغانمت بالمناصب والأموال وتحاصصت بالحكم والأمتيازات والتشريعات في ظل مصادرة حقوق الأقليات السياسية والأثينية وأوضاع معيشية وأمنية وخدمية وأجتماعية تشهد هبوطا كارثيا بات يوسع من شق الفراق بين السلطة والناس من جهة ، ورفض الجماهير العريضة لسلوكيات هذه الأحزاب التي أعادة ذاكرة الشعب الى تلمس الفوارق بين النظام الدكتاتوري والنظام الديمقراطي لأحزاب الأسلام السياسي وهي تعطي البرهان التجريبي للحكمة القائلة ( اذا دخلت أحزاب الأسلام السياسي في معترك الحكم ، تُفسد الأسلامي وتفسد السياسي ) وهو مانخشى ان يتكرس في حصاد الربيع العربي للأنظمة الجديدة وهي تقوم على ترويض الجماهير طائفيا ومذهبيا والهيمنة عليها في سياقات علائقية لاتبتعد عن جوهر الحكم او النظام الدكتاتوري .
[email protected]