الفساد ظاهرة عالمية قديمة النشأة وينتشر في معظم دول العالم ولكن بنسب تتفاوت وتختلف حسب قوة الدولة وثقافة شعبها ولايوجد معيار حقيقي يقيس حجم الفساد بشكل دقيق وانما يتم ذلك بصورة تقريبية.
معظم أعمال الفساد تتم بشكل سري خوفاً من القانون ومن الفضيحة الاجتماعية, وللفساد أنواع كثيرة وعديدة ولعل من أخطرها وأشدها هو (فساد القمة) أي فساد الأوساط الرسمية العليا لأنه يستغل السلطة والنفوذ والحصانة الحكومية التي يمتلكها أصحابه لممارسة أعمالهم المشبوهة في كسب المال الحرام, ويتنامى هذا النوع الخطير من الفساد كلما قلت وضعفت سلطة الدولة وهيبتها وكلما وهن قضاؤها وتم تسييسه من قبل الجهات السياسية فيفقد استقلاليته ويصبح عاجزاً عن محاسبة فاسدي القمة حتى لو توفرت له كل الأدلة القانونية والجنائية لتورطهم وهنا يصل حال البلد أن يكون الفساد أقوى من القانون والقضاء.
هناك مثل انكليزي رائع يقول ((ان عملية مكافحة الفساد مثل تنظيف السلم تبدأ من الأعلى نزولاً للأسفل)) وهنا تكمن خطورة هذا النوع من الفساد لأن أبطاله هم يقفون في أعلى السلّم فكيف يتسنى تنظيفه والنزول للأسفل الا بإزاحتهم بقوة وبطش لكي تتم عملية التنظيف بشكل سليم.
فساد القمة له نتائج خطيرة جداً لأنه يساعد ويمهّد في انتشار كل أنواع الفساد الأخرى في الحلقات الوسطى والدنيا لأنه من المعلوم أن الفساد بشكل عامل تكون طبيعة العمل فيه على شكل شبكات كبيرة متشابكة ومافيات متصلة الواحدة بالأخرى, فالفاسد الكبير الذي يقف في هرم الشبكة يحتاج الكثير من الفاسدين في الحلقات التي تليه لتنفيذ مخططاته الواسعة, وبالتالي فان ديمومة هذا الفساد وانعدام الوسائل الكفيلة بمكافحته سيؤدي الى انتشار الفساد في جميع المجتمع ويصبح ثقافة عامة للجميع ويصبح الانسان النزيه والنظيف هو الحالة الشاذة في المجتمع وهذا هو الخطر الأكبر وبداية انهيار المجتمع.
نصيحتي لحكومتنا الجديدة والى السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أن تكون عملية القضاء على الفساد من أهم أولويات حكومته وأن يضع هذا المثل الانكليزي كقاعدة شروع ودستورعمل له اذا ما أراد لحكومته النجاح وأن يرسم خارطة طريق صحيحة ودقيقة لمكافحة الفساد في البلد والذي انتشر بشكل مخيف وأن تكون البداية من فاسدي القمة وهم معروفون للجميع وأصبحوا يمارسون عملهم في العلن ويشترون المناصب ويزورون الانتخابات ويتحكمون بمقدرات البلد دون خوف ولاوجل وأدلة تورطهم متوفرة وموجودة لدى القضاء وهيئة النزاهة وفي البرلمان وكل مايحتاجه هو النيّة الحقيقية والبدء بالخطوة الأولى لأنها الأصعب وبعدها ستكون الخطوات أسهل وأسرع وعليه تقوية القضاء وحمايته من كل التأثيرات والتدخلات السياسية التي أفقدته حياديته وكذلك تفعيل مؤسسات النزاهة والرقابة في جميع المؤسسات وحماية الاعلام ومنظمات المجتمع المدني لجعلها تأخذ دورها الحقيقي في كشف عمليات الفساد أمام الرأي العام والقضاء, وكل هذه الأدوات ستمكن الحكومة ورئيسها بالضرب من حديد على رؤوس الفاسدين وخاصة الكبار منهم لأن كل رأس كبير يهوي ستسقط بعده مئات من الرؤوس الفاسدة المتشابكة معه وسيكون للحكومة هيبتها وسلطتها التي تفرض على الجميع وبعدها يكون التفرغ لعمليات البناء واعادة الاعمار في مختلف القطاعات وسيحصد المواطن العراقي المثخن بالجراح والمعاناة ثمرة هذا العمل من تحسن في الخدمات الأساسية ومن تحسن في ظروفه المعاشية (أللهمّ اني بلغت أللهمّ فاشهد).