16 نوفمبر، 2024 9:35 ص
Search
Close this search box.

الحوكمة ومستقبل الوطن العربي: الطريق البديل

الحوكمة ومستقبل الوطن العربي: الطريق البديل

إعداد/ أحمد محسن
أصدر مركز كارنيغي للشرق الأوسط ورقة بحثية بعنوان “الحوكمة ومستقبل الوطن العربي” من إعداد سارة يركس وانتصار فقير وذلك كجزء من مشروع أكبر بعنوان “آفاق عربية: مسارات ومخاطر التجديد”، يهدف إلى المساهمة في رسم مسارات جديدة للشرق الأوسط وذلك من خلال تناول 5 مواضيع أساسية وهي الحوكمة، الاقتصاد السياسي، التعليم، اللاجئين، وإدارة الصراعات. يقوم المشروع على فرضية أساسية هي: أنه من المهم العمل بين الدولة والمواطنين على بناء عقد اجتماعي جديد يشتمل على عناصر أساسية: استثمارات جديدة، محاسبة جديدة، مؤسسات جديدة، حوافز جديدة وذلك من أجل مواجهه التحديات الكبيرة في المنطقة.
وسنكتفي في هذا التقرير بمناقشة قضية الحوكمة في الوطن العربي كما تناولتها الورقة.
تبدأ الورقة بالتأكيد على أن الشكل التقليدي للعقد الاجتماعي الذي كان يحكم الوطن العربي سابقا في علاقة الدولة بالمواطن والذي يتضمن أن تقوم الدولة بتوفير التوظيف والخدمات الأساسية مجانا أو بصورة مدعومة للمواطنين (مثل التعليم والصحة والنقل العام.. الخ) في مقابل أن يقدم المواطن الولاء للنظام الحاكم ويحصل على حقوق سياسية وحريات قليلة قد تغير مؤخرا خاصة لدى المواطنين وقبولهم لهذا العقد الاجتماعي. وأن فشل الدولة في تحقيق الكفاءة الحكومية الكافية كان واحداً من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الانتفاضات العربية في 2011، ومع هذا فإنه منذ ذلك الوقت لم يحدث تحسن كبير في الحوكمة فقد ظلت نسبة البطالة مرتفعا وقدرة الحكومات على تقديم الخدمات العامة ضعيفة وشعور المواطنين بالاستياء لازال مرتفعا مما يؤكد ان الحكومات غير قادرة أو غير راغبة في إجراء هذا التحسن في الحوكمة.
وفي سبيل تحقيق هذا التحسن فإن الورقة تقترح الاهتمام بثلاثة مسارات رئيسية هم: مشاركة المواطنين في اتخاذ القرار من خلال توسيع مساحة الحريات المتاحة، وزيادة الكفاءة الحكومية في تقديم الخدمات العامة، ـومكافحة الفساد حيث يمكن من خلال هذه المسارات الثلاث زيادة كفاءة الحوكمة في الوطن العربي.
الحوكمة ومستقبل الوطن العربي
في مسار التمثيل الشعبي والمشاركة والحريات أظهرت الورقة أن هناك حالة عامة من الثقة المخفضة بشده في المؤسسات الحكومية في أغلب الوطن العربي في نفس الوقت انخفاض حاد في الحريات العامة في بلدان الوطن العربي، فطبقا لتقرير فريدوم هاوس فإنه بخلاف خمس دول عربية فإن باقي الدول تصنف على أنها دول “غير حرة”، ونتيجة هذا الوضع فإن المواطنين تفضل الانضمام إلى منظمات المجتمع المدني وليس الأحزاب السياسية أو المنظمات الحكومية عند المشاركة في الشأن العام.
في نفس الوقت، فإن الحكومات لديها حالة من عدم التسامح مع أي تجمعات او احتجاجات عامة، كما أنها تضع وسائل الإعلام دائما تحت المراقبة والهجوم المتواصل. وفي حالة للبحث عن بدائل للتعبير والمشاركة في الشأن العام، فإن معدلات استخدام المواطنين لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل القيام بحملات توعية أو للضغط على الحكومة في تزايد. الأمر الآخر المهم، ان المواطنين بصفة عامة تميل إلى استخدم طرق غير رسمية من اجل تحقيق مطالبها حتى لو كانت هذه السياسات او الحلول مؤقتة، فبدلا من المشاركة السياسية أو الانضمام إلى الأحزاب التي دورها الأساسي العمل على تغيير السياسات الحالية بشكل قانوني ومستديم فإن المواطنين تقوم بالمقاطعة او التظاهر من أجل الضغط لإجراء إصلاحات محلية أو محدودة. وبذلك فإن المواطنين تتحايل على الظروف السياسية والمشاركة السياسية التقليدية من اجل قضاء مصالحهم او تحقيق تحسن في مستوى حياتهم.
في هذا السياق، فإن الورقة توصى المواطنين والأحزاب السياسية للعمل معاً من أجل تحسين تقديم الخدمات على المستوى المحلي، وفي نفس الوقت بناء قاعدة من الدعم الشعبي والشبكات المحلية التي تؤيد هذه الأحزاب، كما تدعو المجتمع المدني والأحزاب من أجل التواصل والعمل معا لتحسين الحوكمة على المستوى المحلي، وأيضا من أجل إيصال أصوات المواطنين إلى المنتديات والحوارات العامة التي تقوم بها الحكومات كبديل عن المسارات الرسمية والقانونية لسماع آراء المواطنين ومشاركتهم في وضع السياسات العامة. وأن يكون للمجتمع الدولي دور من أجل تعظيم دور المجتمع المدني والإعلام في الكشف عن الفساد وفي منع الاعتداءات الحقوقية الممنهجة التي تتم ضد المواطنين.
أما في مسار زيادة الكفاءة الحكومية في توصيل الخدمات العامة للمواطنين فإن الورقة تبدأ بالتأكيد على أنه لا يمكن الحديث عن زيادة في كفاءة تقديم الخدمات العامة بدون الحديث عن زيادة المحاسبة/ الرقابة، وهي القضية التي تتجاهلها الحكومات الحالية. ففي حين أن لدى دول الخليج من القدرات والإمكانيات المادية التي تؤهلها لتقديم مستويات مرتفعة من الخدمات العامة إلا أنه بسبب غياب أليات المراقبة والمحاسبة الشعبية فإنها تعاني من مشاكل متعددة.
وقد حاولت هذه الدول البحث عن وسائل وطرق غير مباشرة تقوم بالمراقبة على تقديم الخدمات العامة دون أن تؤثر على طبيعة النظام السياسي في تلك الدول القائم على ضعف المشاركة الشعبية في الحكم واتخاذ القرارات وذلك من خلال وضع سياسة تتيح للمواطنين تقييم الخدمات الحكومية، وقد حققت هذه السياسة نجاحات في قطر والإمارات لكنها لم تحقق نفس النجاح في المملكة السعودية وفي الكويت.
أما في مصر، فقد كانت السياسة التي اتبعتها الحكومة هي التقليل من توقعات المواطنين لمستوى الخدمات التي يمكن أن تقدمها الحكومة وذلك بالحديث على أنه أثناء التهديدات الأمنية التي تعاني مها مصر وبحثها عن الاستقرار فلا ينبغي الحديث عن مستوى الخدمات العامة أو مشاكلها، كرس من ذلك الإدراك لدى المواطنين أن الحكومة قامت بتبني عدد من سياسات رفع الدعم عن السلع والخدمات العامة وتقليل فرص التوظيف الحكومي.
بصفة عامة، فإن الحكومات العربية في مواجهه مشكل ضعف تقديم الخدمات العامة تبنت عدد من الإجراءات منها:
1ـ سياسات اللامركزية كوسيلة لتسريع النمو وتحسين الأداء. لكن المشكلة الرئيسية التي تواجه تنفيذ هذه السياسة بفاعلية هي عدم وجود الإرادة السياسية الحقيقية من أجل التنازل عن بعض الصلاحيات والسلطات للسلطة المحلية من أجل أن يكون لديها القدرة أكبر على التعامل مع المشاكل المحلية بالإضافة على إعطاءهم المصادر المالية الازمة.
2ـ الاعتماد على الحكومات الإلكترونية من أجل محاربة الفساد وتقليل الإجراءات البيروقراطية.
عموما، فإن هذه السياسات التي تتخذها الحكومات في غياب المساءلة/ والمحاسبة تصبح سياسات مؤقتة ويوصي التقرير بأن سياسات اللامركزية قد تكون سياسات جيدة على المستوى المحلي، كما أنه يوصى بالاهتمام بقضايا مثل الرعاية الصحية والتعليم كنقطة بداية من أجل رفع الكفاءة المحلية وتلبية مطالب المواطنين.
أيضا، التركيز على سياسات التمييز الإيجابي ضد الفئات المهمشة والقاطنين في المناطق الريفية والتي عانت من إهمال حكومي لفترات طويلة. أما بالنسبة للمنظمات والهيئات الدولية المهتمة بالتنمية فإنها توصيهم بالتركيز على تمويل المشاريع في المستوى المحلي لتجنب البيروقراطية وعدم الكفاءة الحكومية. الغريب، أن التقرير لم يوصي بمطالبة الأنظمة بالتركيز على تشجيع المسألة والمحاسبة بصفتها الطريقة الرئيسية لرفع مستوى الخدمات العامة!
أخيراً، ففي مسار محاسبة الفساد فإن التقرير يؤكد أن مكافحة الفساد لا تحتاج فقط إلى تشريعات قانونية في صورة قوانين أو حلول تكنولوجية مثل الحكومة الإلكترونية بل تحتاج قبل هذا إلى تغيير الثقافة السياسية التي تسهل عمل أليات ووسائل الفساد داخل البلدان المختلفة. ففي كثير من البلدان العربية، فإن المستفيد الأهم من بقاء الحالة على ماهي عليه دون تغيير هي النخب السياسية الحاكمة المستفيدة من الوضع القائم.
لكن التقرير أشار أنه في نفس الوقت فإن استمرار هذه الأوضاع الحالية سيؤدي إلى مشاكل عديدة منها أن الفساد مكلف فهو يؤثر على النمو الاقتصادي الذي تطمح هذه الدول لتحقيقه لأنه يزيد من تكلفه الاستثمار داخل هذه الدول بالمقارنة بالدول الأخرى التي توجد بها معدلات فساد أقل/ كما ان الدول لا يكون لديها قدرة على الاستفادة الأمثل لمواردها.
الأمر الآخر، أن الفساد يُمثل تهديداً أمنياً لهذه الدول من خلال آليات الفساد المتعددة حيث يمكن حدوث اختراقات أمنية خطيرة داخل منظومات العمل الحكومي المختلفة، فعلى سبيل المثال فإن انتشار الفساد على الجمارك وعلى النقاط الحدودية يُسهل من دخول البضائع والمواد غير القانونية والخطيرة داخل البلاد، وأخيراً فإن الفساد يُقلل من قدرات الحكومية على مواجهه التحديات والمشاكل المختلفة.
ويوصى التقرير من أجل مكافحة الفساد بوضع إطار قانوني قوي يشمل حرية الوصول إلى المعلومات، ومحاكم قوية ومتخصصة في القضايا والمواضيع المتعلقة بالفساد.
ويُوصى التقرير أيضا بإنشاء سلطة مستقلة وطنية لمحاربة الفساد كما حدث في تونس يكون لديها من الإمكانيات المادية والموارد البشرية ما يؤهلها لتحقيق أهدافها. ويؤكد أيضا على أهمية تحويل عمل الحكومة إلى الحكومة الإلكترونية لأنه هذا يقلل من فرص الفساد، ودور وسائل الإعلام في مراقبة وفضح القضايا المتعلقة بالفساد.
وينتهي التقرير إلى أن مواجهه هذه التحديات تستدعي عقد اجتماعي جديد في الوطن العربي ينقل المنطقة إلى نظام سياسي أكثر انفتاحا لاقتصاد أكثر تنافسية تأخذ فيه الدول أدوار أكثر استراتيجية وتنظيمية من أجل سياسات تنموية أكثر استيعابية لفئات المجتمع المختلفة، وتُعيد توزيع الثروة بين فئات الشعب المختلفة.
لكن التقرير يقول إنه في كثير من الدول العربية يبدو ذلك مطلب بعيد المنال، ويضيف أنه لن يكون هناك إصلاح سريع لأي من هذه المشاكل الثلاثة التي ذكرها، لكن الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية يمكن أن تعمل معا من أجل إيجاد خطوات تدريجية لتحسين الحوكمة وتقديم خدمات وسلع جيدة والقضاء على الفساد في المنطقة. وبغض النظر عما يحمله المستقبل للمنطقة فإن هذه الخطوات مهمة من أجل تجنيب المنطقة نتائج سيئة.

المستقبل البديل للمنطقة العربية
لا يمكن تصور مستقبل بديل للمنطقة العربية دون أن يكون الإصلاح في مجال الحوكمة والسياسات العامة مرتبط بشكل وثيق أو تابع لإصلاح سياسي عميق وشامل يؤسس لعقد اجتماعي جديد في المنطقة وإلا فإن محاولات الإصلاح ضمن المنظومة السياسية الحالية لن يكون لها نصيب كبير من النجاح.
الفكرة الرئيسية التي يبنى عليها المقال هو أنه بسبب فشل الثورات العربية محليا في تحقيق أهدافها وتغيراتها السياسية التي كانت تسعى لها في 2011 ومع كون الديموقراطية عالميا ليست في أفضل أحوالها فإن هذا السياق يدفع المواطنين في الوطن العربي إلى التركيز أكثر على المتطلبات والاحتياجات الأساسية للحياة ومحاولة تحسينها كهدف أساسي لهم خلال تلك المرحلة بديلا عن المطالبة بالإصلاح السياسي والديموقراطية التي كانت هي المطالب الأساسية خلال الربيع العربي. وفي حين أن الورقة تؤكد في أكثر من مكان بأنه لا يُمكن حل مشاكل المنطقة بدون عقد اجتماعي جديد لنظم سياسية عربية أكثر انفتاحا سياسياً وأكثر تنافسية اقتصادياً مبني على أشكال جديدة للاستثمار تهتم بالاستثمار في المكون البشري العربي من خلال تحسين التعليم والصحة، وأشكال جديدة من المحاسبة للنخب السياسية الحاكمة، ومؤسسات جديدة تبني القدرة وتزيد من الفاعلية الشفافية، وسياسات تحفيزية جديدة تغير من سلوك النظم السياسية لتدعم الإبداع والمبادرة بدلا من المحسوبية والصلات الشخصية فإنها في توصياتها تميل إلى الإصلاح الجزئي المبني على العقد الاجتماعي الحالي بدون تغيير بدعوى أن إنشاء عقد اجتماعي جديد هو أمر بعيد المنال في الوقت الحالي.
يبدو هذا غريبا، ففكرة محاولة إجراء إصلاحات جزئية تدريجية في النظم السياسية العربية دون إجراء إصلاحات سياسية مصاحبة فشلت تاريخيا في تحقيق أهدافها، سواء من خلال إجراء إصلاحات اقتصادية فقط دون أن يصاحبها إصلاحات سياسية كما حدث في العشر سنوات الأخيرة في حكم مبارك، أو محاولة تحسين تقديم الخدمات العامة للمواطنين دون وجود أي برنامج لكونهم جزء من الحكم والإدارة أو في فتح المجال السياسي كما في دول الخليج.
قد أثبتت التجارب أن هذا يؤدي إلى إضرابات واحتجاجات شعبية كما حدث في مصر وتونس، أو إلى وجود حالة من ضعف كفاءة جهاز الدولة في تقديم الخدمات العامة حتى لو كانت له موارد مالية كبيرة، كما في حالة المملكة العربية السعودية. وفي الحالتين فإن سياسة وضع سياسات وبرامج لتحسين الحوكمة داخل إطار إصلاح سياسي محدود، وليس إصلاح سياسي شامل وكبير، قد أثبتت تاريخيا عدم قدرتها على الاستدامة وتحقيق أهدافها.
أما من الناحية العملية وفي الظرف التاريخي الحالي، فإن التقرير يؤكد على أن ما قامت به الحكومات حاليا من إجراءات في مواجه حالة عدم الرضا عن أداء الحكومات التي أدت إلى الانتفاضات العربية في 2011 لا تزال غير كافية، وأنه في أحيان كثيرة فإن الأداء العام للحكومة لم يتحسن منذ ذلك الوقت بل قد ساءت بعض المؤشرات، مما يؤكد أنه حتى المسارات الحالية لا تبدو مستديمة وصالحة للبقاء في المستقبل حتى لو أدخلنا عليها بعض التعديلات.
وحتى في الدول الخليجية التي لم تعاني من ثورات الربيع العربي بشكل مباشر مثل الكويت والبحرين والمملكة السعودية فإنه لاتزال لديها مشاكل كبيرة في مستوى الخدمات العامة المقدمة، وذلك بسبب غياب المساءلة والمحاسبة داخل المنظومة الحاكمة، كما أنها تعاني من معدلات مرتفعة من الفساد رغم وفرة الموارد.
الأهم، أن صيغة الفساد في هذه البلدان تأخذ شكلاً مختلفاً، حيث لا يحصل كل السكان على نفس القدر من الخدمات والسلع بسبب التمييز، وفي نفس الوقت فإن فئات محددة تحصل على نصيب أكبر من الثروة والموارد رغم عدم تمتعها بالجدارة أو الكفاءة. وهو ما يؤكد أنه من الناحية العملية فإن الأشكال الحالية للحكومة داخل الدول العربية لا تتمته بالاستدامة او القدرة على النجاح.
لقد أشارت الورقة إلى أن العقد الاجتماعي القديم بين الدولة والمواطن يتغير في المنطقة بالفعل خاصة في نظر المواطنين، وهو ما يدعم الحاجة إلى عقد اجتماعي الجديد، لكن هذا في رأيي يُعزز من فتح نقاش حول ماهي شروط هذا العقد الجديد وماهي ومستلزماته وما هى طبيعته بحيث تكون إجابة هذا السؤال سابقة عن إجابة شكل كيف يمكن تعزيز كفاءة الأجهزة الحكومية وقدرتها على تلبية مطالب المواطنين.
وفي هذا السياق، فإن وضع التنمية في قلب أي عملية إصلاح سياسي في المنطقة يصبح مطلباً أساسياً، والتأكيد على أن هذه التنمية ليست على حساب الفقراء أو المناطق الريفية أو المهمشين في المجتمع، تصبح شرطاً رئيسياً لاستدامه هذا العقد، وهو ما يعني أن ملمح رئيسي في هذا العقد الجديد هو قدرة المواطنين على المشاركة بشكل كبير وفاعل في عملية صنع السياسات العامة للدولة.
ولقد توصلت الورقة بالفعل إلى هذه الاستنتاجات من خلال تأكيدها على أنه لا يمكن تصور رفع كفاءة الأجهزة الحكومية من غير وجود محاسبة ومساءلة للقائمين على وضع السياسات العامة وتقديمها، وتأكيدها على تغيير الثقافة السياسة الحاكمة في الدولة المرتبطة بالنخب الحاكمة الحالية والتي هي البيئة التي يعمل بها الفساد لكنها لم تشر بشمل واضح إلى أن هذه الإصلاحات المطلوبة يجب أن تتم من خلال تأسيس عقد اجتماعي جديد في المنطقة وليس ضمن العقد الاجتماعي الحالي.
وبذلك فإن المسار الأفضل ليس إجراء تحسينات في الحوكمة داخل المنظومة السياسية الحالية على أمل القيام بإصلاحات سياسية واسعه مستقبلا تؤسس لعقد اجتماعي جديد ولكن العمل على توسيع مجال السياسة والحريات العامة في المجتمع والضغط على الأنظمة الاستبدادية الحاكمة من أجل إجراء إصلاحات سياسية عميقة وشاملة ضمن إطار بناء عقد اجتماعي جديد بينها وبين المواطنين وفي نفس الوقت القيام بإصلاحات وسياسات تساعد على رفع كفاءة الأجهزة الحكومية وقدرتها على تقديم الخدمات العامة ومكافحة الفساد. فارتفاع قدرة الدول العربية على تقديم الخدمات العامة للمواطنين ورفع كفاءة الأجهزة الحكومية ومحاربة الفساد وتقليل معدلات البطالة مرتبط بإجرائها إصلاحات سياسية واسعه وجذرية من خلال عقد اجتماعي جديد.
أخيرا، طبقا للمعطيات الحالية فقد تستمر الحكومات العربية بالعمل من خلال العقد الاجتماعي الحالي وبمستويات أداء أقل من المتوسطة لكن هذا لا يعني أن هذا هو المسار الصحيح أو أنه قابل للاستمرار، بل يعني في الحقيقة أن المنطقة ستظل طوال الوقت في خوف من انتفاضات شعبية متجددة ودائمة تأخذ أشكال مختلفة تؤكد على أن هذا الشكل الحالي من الحوكمة غير قابل للاستمرار وتؤكد على أنه لا إصلاح في السياسات العامة للدول العربية دون ان يترافق ذلك مع إصلاح سياسي واسع يؤسس لعقد اجتماعي جديد، وان أي محاولة لتجنب سؤال شكل العلاقة الجديدة بين الدولة والمواطن وطبيعتها وشروطها وتجاوزها لمحاولات إجراء إصلاحات جزئية داخل المنظومة الحالية فسيكون مصيرها كمصير المحاولات الشبيه التي سبقت الانتفاضات العربية أو المحاولات الحالية التي لا تبشر بالنجاح ( *).
المصدر: المعهد المصري للدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة