18 نوفمبر، 2024 1:22 ص
Search
Close this search box.

الحضارات صراع ام حوار؟ .. والشيزوفرينيا العربية

الحضارات صراع ام حوار؟ .. والشيزوفرينيا العربية

في البلاد العربية والإسلامية اختصرت القيادة بالقائد الذي هو امتداد لرئيس القبيلة للنظام القبلي عند العربي والذي اصبح ذاتاً قابلة للكثير من الصفات( الاب 0 الرمز 0 الضرورة ) بالتوازي مع النظام القومي الاستبدادي كان يتشكل اسلام  اصولي مغلق على الذات الدينية مع الانغلاق على الذات القومي وبالتوازي مع شعار الكفاح ينهض اسلام جهادي يوحدهما جميعا خطاب شعبوي اسلامي حيث استخدام الشارع الشعبي العامي العفوي كمرجع لصياغة الشعارات الدينية التي تستخدم الشعارات الشعبية مثل شعار الوحدة العربية او الوحدة الاسلامية ومن ثم رفض الاخر دينيا مثل رفض الغرب (الكافر0 الصليبي  او الاستعمار الامبريالي ) وهكذا حيث استفاقت الامه على حطام اوطان   حيث السجون والمعتقلات والمقابر الجماعية والرمز الجهادي المقاوم هو  الاستشهاد اي الانتحار الجماعي في مواجهة مازق المصير ما عدا بعض الفترات من التاريخ العربي  تميزت بالمدنية العقلانية النسبية التي ميزت التاريخ العربي في المرحلة الليبرالية من انظمة دستورية وديمقراطية ولكن سرعان ما تقوضت وتهشمت فتراجعت في كل المجالات فغدا الغرب مصدرا للسلعة وفي نفس الوقت هو هدفا للعداء الوسواسي فقاد ذلك الى قبوله كمنتج للسلعة ورفضه  كمنتج للمعرفة التي انتجت السلعة  ورفضت كل الاشكال المعرفية كالتجريب والعقلانية والنسبية والتنوير والعلوم الانسانية والفلسفية والاجتماعية باعتبارها نتاج فكر معادي بالرغم من قول الكواكبي ( المستبد ويحق ان نقول الكافر هو المعادي لعلوم الحياة وليس الذي يعمل لصالح الحياة ) وقد عبر الفكر النهضوي عن رفضه لروح التراجع لدى العربي الذي يتطلع بإعجاب ورغبة الى كل ما انجز الغرب من لذائذ البدن الحسية ووسائلها وادواتها لكنه يرفض كل ما انتجه الفكر الغربي الذي يمكن تمثله بديكارت وبيكون وسبينوزا وكونت وهيغل ودارون وماركس وفرويد وفولتير وروسو ومونتسكيو الذي يشكل تاريخ العقل التنويري المعاصر والذي استطاع بعض العرب المسلمون ان يستوعبوه مثل رفاعه الطهطاوي وقاسم امين والامام محمد عبده والكواكبي 0
لعل اشد ما يستثير الاسى في النفس في مجال الفكر هو مبدأ التقليد الذي يصفه البعض انه اشد سوءا من الاجرام فالمقلد هو الذي ياخد الأمور فيما هي عليه  دون اعمال فكر 0 وهو تعطيل لملكة العقل والمحاكمة والنقدوتلقي اراء السابقين بدون فحص وتمحيص وهذا النوع الذي لا يضيف على التجربة البشرية (مرذول لا شأن له ) وكانه لا وجود له والاسلام جاء ليطلق الأفكار من سجنها ويحلها من عقالها ويخرجها من ذل الاسر والعبودية  ( فليتفكرون ) وقد ذكر القران المقلدين بأنهم أسوء من المجرم  لانه يقتل روح الابداع بتحريم التفكير والشك والنقد ويحنط المجتمع باعتباره جاهلا في كل الأحوال واعتبار الجهل نعمه واعتبار العقل قاصرا عن الادراك فيجب ترك امور الدنيا  للاعلم باختراع مقولة ( ضرورة رجوع الجاهل الى العالم0  
بعد التجربة المأساوية التي قدمت نفسها بوصفها ممثلة لحركة الواقع بينما كانت هذه الايدلوجيات العربية منفصلة عن  مجتمعاتها فعليا وتمثله هذه القوى القومية / الشعبوية في البعث/ الناصرية وكل ما استطاعت ان تفعله هو تثوير الواقع تعسفيا من خلال نخب عسكرية ريفية عملت على تدمير المجتمع والغاءه من المعادلة السياسية نهائيا واختزال المجتمع بالحزب واختزال الحزب بالقائد من خلال اطلاق فعاليات طقسية اسطورية عمادها الثقافة الشعبية الجماهيرية شعارات / هتافات /استعراضات / مسيرات التي انتجت حزمة من التخيلات التي تتداخل فيها صورة الاب القائد او الرمز  مع الرب0 
في خضم هذا الموج المتلاطم من النقاشات حول مسألة الثقافة العربية وتكونها ، تتكون لدى العربي صورته الخاصة عن ذاته وعن الآخر ، أي عن العالم الذي أصبح الغرب محوره ومركزه 0 بل تتكون صورته عن ذاته عبر مقارنة صورته مع الغرب ومن خلالها 0 فيرى نفسه صغيرا وهامشيا ولا عقلانيا ولا معنى لوجوده من جهة 0 وعظيما وفذا ووريث حضارات وأمجادا لا تبلى من جهة أخرى ، ويرى الغرب في الوقت ذاته خطرا جاثما مدمرا  فهو المستعمر ، المسيطر ، المهيمن ، والمتجبر ولا يعمل إلا للإطباق على الشعوب الضعيفة ونهبها وتدميرها 0 ويراه من جهة أخرى مقرا لكل الحسنات والقيم والفضائل والإبداعات وهو يشكل في الوقت ذاته المورد الأول للعلم والتقنية والحضارة 0 ومركز التسلية والمتعه وموطن التقدم والمثل الإنسانية والقيم الفنية الجمالية 0 فكيف ندركه ونستوعبه ؟ كيف نحققه في الذهن ونصوغ صورة مقبولة أي منسجمة وصحيحة منه ؟ هل هو الشر أم الخير ؟ هل نقبله كنموذج ومثال يحتذى به أو نرفضه، أو نقبله ونرفضه معا ، في الواقع لم يستطع الوعي العربي قبوله كما هو و لم يستطع أن يرفضه كما هو ولم يستطع أن يحوله حتى يتمكن من قبول أو رفض ما شاء منه 0 بقي العالم الغربي كما هو منذ أكثر من قرن رمزا للسيطرة الغربية وبقيت هذه السيطرة ساحرة ومرعبة قاتلة ومخلصة حامية وفاتحة ، وبقى العربي خائفا ومسحورا معا ، كما أخفق في إيجاد الموازنة بين طموحاته وواقعه الفعلي حتى يحدد مكانة معقولة له في العالم ويتصالح مع التاريخ والعالم ، وهكذا بين الخضوع الكامل والاحتجاج الشامل مازال العربي يعيش بين تجريح الذات ، وتعظيمها ، وإنكار الآخر والتعامل معه ، لا قدرة له على رفضه ولا رغبة له في التمثل به ، هكذا أصبح العالم العربي أمام إحراج لا مخرج منه ، فأما الحفاظ على الذات مع التخلي عن الحضارة والفاعلية أو الانخراط في الحضارة والدخول في العالمية والتاريخ والتخلي عن الذات هذا الإحراج في الواقع يشق وعي العربي ويهزه في أعماق أعماقه ، والشقاء الذي يخلقه هذا الإحراج في وعي العربي أكثر تدميرا لروح الإبداع وأكثر تمزيقا للحمة الاجتماعية من كل ما تشهده الساحة الفكرية والسياسية من صراعات ومعارك بين التيارات المختلفة بل أن هذه التيارات لا تقوم في الواقع وليس لها وظيفة أخرى سوى إعادة إنتاج هذا الوعي الممزق بين الذات الضئيلة وبين الوهم الكبير الفارغ مما يؤدي إلى تعمق الشعور بالفصام والشيزوفرينيا ولا ندري كم من الوقت يحتاج العربي للشفاء من هذا الداء 0 وفي خضم هذا الموج المتلاطم ، ربما ينفع أن نتمثل  قول مفكر اسلامي هو الدكتور محمد خاتمي في كلمة القاها في الأمم المتحدة 0
( علينا أن نعي الآخر ، وإلا فهل يسعنا أن نخوض الحوار مع الآخر ونعترف بوجوده دون نكون قد عرفناه ووعيناه أن حضارة الغرب اليوم هو حضارة مهيمنة ومعروفة ولا شك أنها حققت مكاسب عظيمة للإنسانية ، رغم أن ما وصلنا من حضارة الغرب لم يكن معطياته الإيجابية بل استعماره وهيمنته إذ راح الغرب ينظر إلى بلداننا بوصفها سوقا ومنطقة للنفوذ وجهة تابعة غير أنه لا يمكن اختزال حضارة الغرب في ذلك0 أن حضارة الغرب اليوم على أي حال هي المهيمنة ونحن نتعامل معها بنحو وآخر فالوعي بالحضارة التي نعتزم خوض الحوار معها هو الشق الآخر لحوار الحضارات ومن المؤسف أننا لم ننظر إلى المدنية  الغربية سوى بعين الولهان المولع بها مرة ومن زاوية التنفر والكراهية مرة أخرى هو المشكل المعوق الاكبر للمعرفة الموضوعية ولا يعني عدم استسلامنا لسلطة الاخر أن نتجنب معرفته واستثمار محاسنه وإيجابياته ، إن شرط المعرفة هذه أن نتجنب الولع والوله إلى جانب التجرد عن الحقد والضغينة وقد استعمل الغرب خنادق كل من المولعين والكارهين له كذلك فأن الحوار يتحقق حين يتكافأ أطرافه ولاشك أن رجال السياسة ليسوا إبطال هذا الحوار بل ذلك دور سيلعبه العلماء والفلاسفة والمفكرون والفنانون وأرجو ان  ندخل عالما جديدا من خلال هذه الآفاق عالما نواصل فيه الحديث والاتصالات ويتعلم بعضنا من بعض فيما تتأسس علاقتنا في ضوء هذا المنطق لا منطق قوة السلاح )
المصادر :-
محمد عبده 0 إمام الحداثة والدستور 0 د 0 عبد الرزاق عيد 0
إغتيال العقل د0 برهان غليون 0
مشروع الحضارات خطاب الدكتور محمد ختامي 0
رئيس الجمهورية الإيرانية السابق في الأمم المتحدة

أحدث المقالات