من الملاحظات التي يمكن أن يؤشرها أي متابع للشأن العراقي دون عناء في التفكير وجود أيادي خفية بنفوذ واضح تعمل على خلق تيارات متناحرة داخل البلد فتبدأ في إيجاد صراع قد يكون قوي جدا بين أتباعها وهو أيضا جزء من سياسة خلق الأزمات في بلادنا وهو جزء من نشاط أجهزة المخابرات الأجنبية التي تنشط في العراق والتي قد تنسق عملها فتتعاون أو قد تختلف حسب مصالحها لغرض شد انتباه المواطن عن مجريات أحداث بالتأكيد هي أهم بكثير من التناحر وليس حصرا وإنما مثال بسيط لتوضيح الفكرة فالسعي إلى اغتيال ناشط أو ناشطة مدنية على الفيس أو شخصية اجتماعية أو اختطاف طفل ليس بالحدث الجلل ولكن هناك من يطبل لجعلها قضية تحظى بحديث الساعة والرأي العام ولا نقلل من أهمية حياة أي مواطن ولا أهمية الفعل الذي يستهدف جانب مهم من مفاصل الدولة ويصيبها في سيادتها ويخل في الحفاظ على القانون وهيبته ويشير إلى وجود سلطة قد تكون أقوى من سلطة الدولة فامن المواطن من أهم واجبات الحكومة حسب دستور البلاد أو كما حصل في الأيام الأخيرة في ظاهرة موت وربما لا نقول القتل بمواد سامة لعشرات المئات من الأطنان من الأسماك في مناطق جنوب بغداد وانتقال الظاهرة إلى مناطق أخرى كالديوانية والكوت والناصرية على الرغم من إنها قد لا تقع على مجرى نفس النهر ومعلوم أهمية هذا الحدث وتأثيره على اقتصاد البلد الذي يعاني كثيرا من سوء الإدارة السياسية وضعف كفاءة العاملين عليه وانعدام التخطيط في الإنفاق من جانب المواطن والحكومة فثروات البلد لا نهاية لها وأمواله كثيرة جدا يمكنها أن تجعل الجميع يعيش في مصاف مواطني البلدان المنعمة من دول الجوار أو غيرها لكن سوء التخطيط وعمليات النهب المنظمة جعلته يعاني في إيجاد لقمة العيش التي تغنيه عن الاستجداء وقد تناولتها وسائل الإعلام بكثير من الاهتمام رغم أهميتها وكأنها مشكلة المشاكل التي ستضيع مستقبل العراق وأهملت كثير من مشاكل المواطن الذي يعاني من إهمال التعليم والصحة والخدمات البلدية والبطالة ومعاناة الشباب من الأمي إلى خريج الجامعة وحتى حملة الشهادات العليا التي تعتبر أم المشاكل والسبب الرئيسي في انتشار كثير من الآفات الاجتماعية الخطيرة في عموم العراق ومدن البلد في أكثر من ثلثه تعاني من التهديم والخراب وجثث تحت الأنقاض ومئات الآلاف لا زالوا يسكنون الخيام ومعسكرات اللجوء ومثلهم في خارج البلاد يتسولون في بلدان العالم.
وعودة على ذي بدء ولكي لا نذهب بعيدا عن صلب موضوعنا فان أجهزة المخابرات العاملة بقوة مع الأسف في البلاد تعمل على إثارة الفتن فتستثمر كل حدث أو ظاهرة ممكن أن تشد انتباه المواطن إلى أشياء لا أهمية لها بالقياس إلى الأهم في تحديد مستقبل البلد فبعد الحملة الإعلامية الكبيرة التي عشناها أثناء الدعاية الانتخابية في سعي الجميع إلى تجاوز النهج الطائفي والعرقي الذي سارت عليه القوى السياسية في تشكيل حكومات الدورات الانتخابية الثلاث الماضية وتخلي الجميع عن أسلوب التمسك بكراسي الحكم والصيحات التي رافقت تلك الحملة في الابتعاد عن انتخاب الفاسدين والمجرب لا يجرب وما رافقها من أحلام وردية عشناها في تلك الفترة جاءت نتائج الانتخابات لتجعلنا نعيش صدمة تزوير نتائج الانتخابات على لسان أعلى مستويات الحكومة وصدرت تصريحات من الدكتور حيدر ألعبادي وأطراف مجلس وزراءه بل وقد صدرت تشريعات من البرلمان في الوقت الضائع تؤكد وجود عمليات تزوير كبيرة وسرقة أصوات من ذهب إلى الانتخابات بنية صادقة أملا في الإصلاح والتغير وتشكل مجلس مفوضية من قضاة لهذا الغرض ولكن النتائج جاءت على غير ما توقع الجميع وكانت بالشكل المعروف الذي نحن عليه اليوم وفي داخل البرلمان الجديد علت الأصوات في عمليات شراء أصوات أعضاء البرلمان أنفسهم فما بالك بما سيحصل بعد ذلك .
باستثناء بعض الكتل السياسية والله اعلم بالمقاصد من وراء إجراءاتها فان الجميع تمسك ودون حياء بالنهج القديم وتوزيع المقاعد الوزارية حسب الاستحقاق الانتخابي فمن يملك عددا اكبر من مقاعد البرلمان يحق له المطالبة بعدد اكبر من الحقائب الوزارية ومناصب الحكومة وأصبحنا نسير على عرف لم يتطرق إليه الدستور ولكن الجميع يعترفون به فمن المستحيل أن يكون رئيس الجمهورية من غير الكرد ونفس الشيء لا يمكن جعل رئيس البرلمان إلا سنيا ولا بد أن يكون رئيس الحكومة شيعيا وانفلت المنصب هذه المرة بأعجوبة من حزب الدعوة وسلم إلى السيد عادل عبد المهدي على أساس انه شخصية مستقلة في تجاوز لكل انتماءاته السياسية السابقة وعشنا مرة أخرى في حلم جميل بأنه سيختار الأكفأ والأصلح دون ضغوط من الكتل السياسية ولكن المفاجئة كانت اكبر في ساعة إعلان الكابينة الوزارية والتصويت على حقائبها ولكي تمشي الأمور وفق ما اقره وأوجبه الدستور تم التصويت على أكثر من نصف الحقائب الوزارية وها نحن نعيش مشكلة ربما يتم سحب الثقة عن بعضها بينما يستمر الصراع بأشده على الحقائب التي يفترض أن تكون ثمانية الباقية دون حياء من أبناء هذا الشعب الذي أعياه تعب انتظار تشكيل الحكومة منذ قرابة الستة أشهر في ظاهرة لا توجد في أي دولة أخرى في العالم .
حين نقول إن هذا بتأثير قوى خارجية من خلال أجهزة مخابراتها العاملة في العراق فهذا دليله القذر فما تبرير أن تباع المناصب الوزارية لمن يدفع أكثر فكيف استطاع هذا الشخص أو ذاك من جمع مبالغ تصل إلى ملايين الدولارات والشعب يعاني من الجوع وهل سيسعى إلى استردادها حين استيزاره ولماذا تصر كتلته على تعينه وأين مقاييس الوطنية في هذا وهكذا دواليك يتم يعلو الصياح في موضوع ليتم تمرير آخر اخطر منه ولن تتغير الضحية في كل الأحوال وهو الشعب العراقي الصابر.