يتسائل كثير من الناس عن سبب بقاء داعش طوال هذه الفترة
رغم تحشيد دول عديدة لمحاربته مع الضجيج الاعلامي والسياسي
حوله باعتباره تنظيما ارهابيا متوحشا يهدد البشرية ، فهل عجزت كل هذه الدول عن تحقيق نصر ناجز عليه ؟
اذا ما استعرضنا الاحداث الجارية منذ ظهور داعش الى يومنا الحاضر فاننا نرى ان سبب المشكلة يكمن في ان الدول المتصدية له لم تتعامل
معه جديا . . بمعنى انها لم تعتبره خصما رئيسا واجب القضاء عليه ومحو جرائمه واثامه . . واليكم بعض الامثلة
في وقت سابق من الشهر الماضي شن تنظيم داعش الارهابي
هجوما عنيفا على قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الامريكية في منطقة شرق الفرات اسفر هذا
الهجوم عن سقوط اكثر من 80 قتيلا من هذه القوات ، واسر العديد منها . ثم جرت بعد ذلك استعدادات لهجوم مضاد في محاولة لاستعادة المواقع السابقة ، وطرد الدواعش منها . وتم الاستعداد هذا بمساعدة قوات النخبة من وحدات حماية الشعب الكردية المنضوية في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)ء
وفي خضم هذه الاستعدادات انتهز الجيش التركي فرصة انشغال قوات سوريا الديمقراطية قسد في صراعها مع داعش فقام بقصف هذه القوات تحت ذريعة منع الانشطة الارهابية . . مما دعا قيادة هذه القوات لوقف استعداداتها لمحاربة داعش . حيث ان تركيا تصنف قوات حماية الشعب الكردية التي تمثل معظم قوات سوريا الديمقراطية كمنظمة ارهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني
ويلاحظ هنا ان تركيا قد استغلت الصدام بين قسد وداعش لفرض هيمنتها وازاحة وحدات حماية الشعب من مواقعها . وقبل ذلك وجدت تركيا الفرصة سانحة لاقتحام الحدود السورية مستخدمة داعش كحجة لهذا الغرض أيضا
وفي العراق توسع النفوذ الايراني فيه الى حد كبير من خلال تواجد قيادات الحرس الثوري وكذلك الميليشيات التابعة له تحت ذريعة محاربة داعش . . مع العلم ان ايران لم تتعرض يوما لاي هجمات من قبل هذا التنظيم . وكما يعلم الجميع فان رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي وهو من اقرب المقربين لايران ، قد سلم الموصل ومناطق كبيرة من العراق الى الدواعش دون قتال ، كما سلمت له معدات عسكرية حديثة ، اضافة الى اموال البنك المركزي ومصرف الرافدين ، في خطة مفضوحة لاحكام السيطرة الايرانية على كامل الاراضي العراقية ، من خلال تواجدها الفعلي مع الميليشيات الموالية لها بحجةمحاربة داعش ومساعدة الحكومة العراقية للتخلص منه . . ورغم ذلك لم يتم التخلص منه ومازال داعش يهدد امن العراق ومستقبله
اما الولايات المتحدة الامريكية المتواجدة في سوريا والعراق ، فانها كلما وجدت نفسها في مأزق او تحت طائلة الضغط من جهة محلية او خارجية ، تكف عن مواجهة داعش وتتركه ليصطدم مع من تراه يمثل تهديدا انيا او مباشرا لها او لمخططاتها في المنطقة
وكذلك النظام السوري الذي وجد من داعش ذريعة لمحاربة التنظيمات المناوئة له بحجة مكافحة الارهاب ، وقد حقق نجاحا في هذا الصدد حيث كفت الاطراف الدولية المعادية له عن السعي لازاحته . . وينطبق هذا على اسرائيل ايضا حيث تعتبره ضمانة اساسية لامنها ، اكثر من اي وقت مضى
وفي مايخص اسرائيل فانها في مواقف عديدة تساعد بعض التنظيمات الارهابية ومنها داعش ايضا لتحقيق مبتغاها في تأجيج الصراع السوري السوري من باب فرق تسد لاضعاف القدرات السورية ، وقد وجدت مرات عديدة تنقل مصابين من منظمات متطرفة الى اسرائيل لمعالجتهم
كما نرى المحور السوري الايراني الروسي غير جاد أيضاً في القضاء على داعش والتنظيمات المتطرفة الاخرى ، بل العكس هو الصحيح ، حيث ان اركان هذا المحور لهم مصلحة في بقاء هذه التنظيمات لاعطاء الشرعية لتواجدهم بحجة مكافحة الارهاب ، كل حسب اجندته . ومما يؤكد ذلك قيامهم بنقل المسلحين المتطرفين من مناطق النزاع الملتهبة الى اماكن امنة في سوريا بواسطة الباصات ، بعملية مفضوحة لاتدعو للدهشة فقط بل والاستنكار ايضا
وفي العراق تسعى الاحزاب الحاكمة في توظيف وجود وتهديد داعش لضمان استمرار ميليشياتها المسلحة في العبث بامن واستقرار البلد ولتعيث فسادا فيه ، وتنفيذ مخططاتها من خلال اعطاءها الغطاء والشرعية تحت ذريعة مكافحة الارهاب ايضا ، تساعدها في ذلك ايران بهدف استمرار نفوذها على الاراضي العراقية . ومازال مسؤوليها يرددون نغمة التواجد الايراني في العراق للقضاء على داعش ، وان لهم الفضل في انقاذ العراق من سيطرة التنظيمات الارهاببة ، وداعش على وجه الخصوص
وهكذا نجد داعش وقد اصبحت شماعة لتنفيذ المشاريع والمخططات الهادفة للسيطرة على الدول العربية وسرقة ثرواتها ، فاصبحت كل من العراق وسوريا على وجه الخصوص مناطق نزاع وصراع مصالح بين الدول الطامعة والمستفيدة من اضطراب الاوضاع فيهما . ويستوي في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وايران واسرائيل . وكذلك اللاعبين المحليين والانظمة الفاسدة واحزابها الطفيلية ، فاصبحنا بين اذرع اخطبوط المصالح والنفوذ ، وهناك من ينحاز الى هذه الجهة او تلك اما تحقيقا لمنافع خاصة ضيقة او عن جهل مفرط . وترانا نخوض مع الخائضين في دوامة لا اول لها ولا آخر . . ومازلنا كذاك حتى نفيق من غفلتنا ، ولايتحقق ذلك الا من خلال التعلم من التجارب المريرة وتحرير العقول من الشعوذة والخرافة والتخلص من هيمنة شيوخ المنهج المتخلف المستند على الدجل والتخدير بزيادة الطقوس الدينية والخرافية على حساب القيم الدينية العليا . والتي مكنت داعش وكل المستفيدين منها من شل قدراتنا ونهب مواردنا