22 ديسمبر، 2024 10:18 م

رواية لوليتا.. الهوس بشباب مقبل في مواجهة آخر يهرب

رواية لوليتا.. الهوس بشباب مقبل في مواجهة آخر يهرب

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (لوليتا) للكاتب الروسي “فلاديمير نابوكوف” والتي صدرت في خمسينات القرن الفائت، ترصد مشاعر وأحاسيس رجل يعتبر نفسه منحرفا ومريضا نفسيا، مهووس بحب المراهقات، يقع في غرام فتاة في الثانية عشر من عمرها ويتورط في اغتصابها واحتجازها.

الشخصيات..

همبرت : هو البطل، والاسم اسم مستعار، لرجل مثقف يعمل كاتب وباحث من أصل أوروبي، يعيش في أمريكا، ويعاني من مرض نفسي ويدخل المصحة عدة مرات، لكنه قادر على رصد انفعالاته وأحاسيسه ومشاعره بدقة متناهية.

فاليريا: فتاة فرنسية تزوجها البطل حتى يتخلص من هواجسه وأفكاره نحو المراهقات والتي كانت تؤرقه، تزوجها وهي إلى حد كبير تشبه المراهقات، لكنه سرعان ما مل هذا الزواج وتركته هي لأنها أحبت شخصا آخر.

آنابيل: فتاة مراهقة تقابل معها وهو بعد صغير، وكانت أول فتاة يشعر بها بشكل حميمي ويتقرب منها جنسيا، وإن لم يفلح في عمل اتصال كامل مما جعلها تلازمه طوال حياته كطيف، وكحلم لم يتحقق، لأن الفتاة ماتت بعد تقربه لها بسنتين بمرض ما، وأصبحت هي نموذج المرأة المشتهاة بالنسبة له.

 

شارلوت هيز: سيدة في منتصف العمر، شاءت الظروف أن يتقابل معها ويسكن في منزلها بعد أن اكتشف أن لديها ابنة في الثانية عشر من عمرها، وقد أحبته “شارلوت” وبعثت له برسالة تعترف فيها بحبها، وقد وجد هذا الاعتراف فرصة سانحة له ليتزوج منها ويظل بجوار ابنتها، ولكنها تبعد ابنتها لتتمتع بالزواج منه، وتكتشف أنه يحب ابنتها، وتموت في حادثة سيارة حين كانت ذاهبة لوضع بعض الرسائل في صندوق البريد أمام منزلها.

لوليتا: دولوريس، ابنه “شارلوت”، يقع البطل في غرامها من أول نظرة، ويقرر أن يبقى في المنزل وأن يتزوج أمها، ثم وبعد موتها تتاح له الفرصة كاملة لامتلاكها، “لوليتا” فتاة في الثانية عشرة من عمرها جريئة، مشاغبة، متعجرفة، غير مطيعة، وتستخدم ألفاظا سيئة.

غوستاف: صديق للبطل، يعمل أستاذا، لديه نفس الهوس بالمراهقات، لكنه لا ينكشف.

ريتا: سيدة أمريكية يتعرف عليها البطل بعد هروب “لوليتا”، لكنه لن يحبها أبدا مثل “لوليتا”، ورغم إعجابه بها وبصفاتها الغريبة إلا أنه يهجرها عند أول خطاب يصل إليه من “لوليتا” بعد سنتين من الهروب.

كلير كيلتي: كاتب يغوي “لوليتا” أثناء إقامتها مع “همبرت” ويقنعها بالهروب منه، ويأخذها إلى قصر كبير تكتشف أنه يمارس فيه سلوكيات سيئة، ويحث الجميع على عمل جنس جماعي ويصورهم بكاميرا لعمل أفلام إباحية، وتهرب منه رغم أنها أحبته من قلبها، وينتقم منه “همبرت” في نهاية الرواية ويقتله.

الراوي..

الراوي هو “همبرت” نفسه، يحكي منذ البداية بضمير المتكلم، رغم تدخل راوي عليم في مقدمة الرواية يذكر للقراء أن هذه الرواية هي اعترافات سجين، وأن اسمه مستعار ربما لكي يقنع القراء أن ما يدور في الرواية أحداثا حقيقية حدثت بالفعل.. يحكي “همبرت” عن نفسه بدقة متناهية حتى أنه يمسك بشكل كامل بشغفه بالمراهقات، ويستطيع وصفه بدقة، كما يعرف جيدا سبب هذا الشغف وأصوله، ويعرف أين يكمن خلله النفسي ومرضه، حتى أنه يتلاعب فيما بعد بالأطباء النفسيين داخل المصحات التي دخل فيها بعض الوقت، وهو يركز بشكل أساسي على نفسه ومشاعره وانفعالاته، ولا يهتم بالحكي عن شخصيات أخرى إلا فيما تتقاطع معه، حتى “لوليتا” نفسها، والتي تعتبر بطلة في الرواية، لا نعرف على وجه التحديد بماذا تشعر، أو موقفها من الأحداث إلا من خلال “همبرت”، ومن خلال بعض الجمل القصيرة التي كانت حوارها معه.

السرد..

يعتمد الحكي على نسبة تشويق عالية، فهو يقدم للقارئ الحكاية في مجملها، والتي تعد حكاية مثيرة لذهن القارئ،  في البداية، ثم يبدأ في التفصيل ويستبق دوما الأحداث ويوهم القارئ أنها قد تحدث لنكتشف أن ما حدث شيء آخر، ويظل يوهم القراء أنه حبس بسبب علاقته ب”لوليتا” لنكتشف في النهاية أنه سجن بسبب قتله العمد للرجل الذي أغواها لتهرب منه وانكشف الأمر بعد ذلك، السرد محكم البناء قد يشوبه بعض التكرار في وصف مبررات “همبرت” في تعلقه بالمرهقات بشكل عام وب”لوليتا” بشكل خاص، وتساؤلات عن سبب كونه مجرما ومختلا رغم أنه في أماكن أخرى بالعالم يسمح بمقاربة المراهقات، الرواية تقع في حوالي 299 صفحة من القطع المتوسط.

هوس محرم..

تتمثل روعة الرواية في كونها أعطت للشخصية الجانحة أو المدانة الفرصة للتعبير عن نفسها، ولم تتناولها من خلال عين راو آخر عليم أو شخصية أخرى، فقد أعطت للبطل “همبرت” كامل الحرية في التعبير عن نفسه، وكان اختيار ضمير المتكلم موفقا ليشعر القارئ بقرب من البطل وربما تعاطف، فهو يحكي عن مشاعره التي تلتهب والتي تملك عليه حياته، وتجعله لا يستطيع التفكير في أي شيء آخر، ورغم أنه يبدو في بعض الأحداث دنيئا وشريرا إلا أن ذلك لا يمنع القارئ من التعاطف معه وربما التماهي في بعض الأحيان، وتفهم مشاعره التي تعتبر في نظر العديد من المجتمعات خطيئة كبيرة.

وتتميز الرواية أيضا بأن الكاتب كان محايدا للنهاية واختفى تماما أمام حضور “همبرت” وجعله يقول كل شيء، فقط ظهر في المقدمة ليقول أن هذه الرواية تقدم رصد للانحرافات النفسية التي ربما ستؤذى الأطفال والمراهقين، في ظل الحرية التي يتمتع بها المجتمع، ويدين “همبرت” باعتباره مهووسا ومريضا، لكنه أيضا يعترف بأنه أحب “لوليتا” حبا عميقا وكن لها مشاعر صادقة، وأيضا رغم ذلك يختفي تماما طوال الرواية ليعطي ل”همبرت” كامل الحرية في تقديم نفسه وتقديم المبررات لما يفعله.

كما لم تقدم الرواية مشاهد صريحة لمقاربة “همبرت” ل”لوليتا” وإنما اعتمدت على إشارات وبعض الجمل الموحية، لكنها رصدت كيف تعتمل المشاعر والدوافع المتناقضة داخل نفس “همبرت” الذي لا يجد مهرب من عشقه للمراهقات، ونفوره من السيدات مكتملات الأنوثة، حتى أنه يتقزز من أنوثتهن وامتلاء أجسامهن، ويعتبرهن غير جذابات، في حين يهيم بالطفلة التي على أعتاب المراهقة، الأقرب إلى الغلام منها إلى الأنثى، والتي لم تكتسب بعض دلال الأنثى وسحرها، ويفسر ذلك وهو واعي تماما بأن السبب علاقة حب وشغف غير مكتملة، كانت أول مقاربة له لفتاة حيث كان يداعب “آنابيل” وهو مراهق مثلها، ويستمتع بإحساس أنه يؤثر بها كما يستمتع باكتشافه لجسدها، لكنه لم يوفق في عمل علاقة كاملة، واختطفها الموت منه لتظل عالقة بخياله طوال العمر كنموذج أمثل للفتاة التي تثيره وتشعل داخله الشغف.

وحين يلتقي ب”لوليتا” مصادفة يكتشف أنها نسخة من “آنابيل”، ويتحرر من شغفه بها ليبدأ شغف جديد أكثر قوة نحو “لوليتا”، ولا يستطيع منع نفسه من الاقتراب منها وملامستها، وهو ينتوي ألا يقضى على براءتها أو يفسد طفولتها بشغفه الجنسي المحموم، لكن الظروف هي ما توصله إلى طريق آخر، بعد أن يتزوج من أمها الأنانية غير الحنونة، التي تصر على إبعاد ابنتها لتتمتع بزواجها من “همبرت”، مما يفسد خططه، ثم تكتشف ولعه بابنتها وتموت بصدفة بحتة، فيصبح في إمكانه امتلاك “لوليتا” والهرب بها بعيدا عن الأعين المترصدة، وصدفة أخرى تجعله يغرق تماما في اللذة معها، حين يكتشف أنها تعرفت على الجنس من مراهق هو ابن السيدة التي تدير المخيم، التي ذهبت إليه قبل زواجه من أمها، ولا يجد ما يصده نحو الاتصال الكامل ب”لوليتا” والتمتع بها إلى أقصى درجة، دون الانتباه لمشاعرها هي وكيف تشعر نحوه، وهل أحبته بالفعل أم رضخت له مجبرة، ويظل ينهل من اللذة بوجودها مقتنعا أنه لن يضرها وأنه بمثابة أب لها، يربيها ويرعى مصلحتها، راصدا الدول والمناطق التي تسمح للرجل الناضج بمقاربة طفلة على أعتاب الشباب، وكأن حدوث ذلك في مناطق في العالم، وخاصة الشرق، يعني أنه أمر ممكن حدوثه وينفي أنه جرم وفعل مؤذي إنسانيا.

المتأمل جيدا في تصريحات “همبرت” داخل الرواية يستنتج أن انجذابه الشديد ل”لوليتا” هو بسبب علاقة حب غير مكتملة، لكن أيضا انجذاب لبداية الشباب الذي يلوح داخل الفتاة الصغيرة، فهي تنتقل من طور الطفولة لطور الشباب، وهي في سن ما بين 12 إلى 14 وربما 16، هي تكون النموذج الأمثل الذي يحبه “همبرت” لأنها تعكس تغييرات هائلة تحدث لها، متمثلة في بداية حلول الشباب عليها، وكأنها تعكس براءة وبكارة الشباب الذي لم يتشكل بعد لتتضح معالمه تماما في صورة أنثى كاملة، وكأنه باقترابه منها يغازل الشباب فيها الذي يظهر بخجل ودون اكتمال، والذي يعكس شغفه هو الذاهب إلى الشيخوخة وتمسكه المرضي بشباب يهم بالرحيل منه.

أمريكا في الخمسينات..

تتميز الرواية أيضا بأنها ترصد أمريكا في الخمسينات، ووجه نظر الأشخاص المنحدرين من أصل أوروبي بها، فهي بالنسبة لهم مجتمع جامح يوفر حرية كبيرة ستؤدي في النهاية إلى كارثة، فهذا المجتمع الذي يوفر حرية تمارس الفتيات الصغيرات به السحاق، وأيضا يتم انتهاكهن جنسيا وبسهولة على يد شباب من أعمارهن، أو رجال كبار مهووسين بالجنس، مع “المراهقات المسعورات” على حد وصف البطل، الذي كان يرى أن هناك فتيات يمتلئن بالشبق حتى أنهن يجذبن الرجال المهوسين جذبا شديدا، وأنه يعرف هؤلاء المسعورات الممتلئات بالشبق بمجرد النظرة الأولى لهن، وأنه لا يمتلك مقاومتهن فهن يشعلن داخله إحساسا محموما لا ينطفئ.

كما ترصد الرواية اختلاف حال الأطفال في أمريكا، فهم يميلون إلى المقاومة والتمرد على الكبار، وإلى القيام بأشياء لن تسمح بها أبدا مجتمعات أوروبا المحافظة، ومنها التعرف المبكر على الجنس وربما الزواج في سن صغيرة، فمجتمع مثل “أمريكا” يعتبر مجتمع متفكك بالنسبة للمنحدرين من أصول أوروبية في ذلك الوقت.

الرواية..

(لوليتا) رواية للكاتب الروسي “فلاديمير نابوكوف”، باللغة الإنجليزية، في البداية، روعت الرواية بعض أصدقاء الكاتب الذين نصحوه بعدم نشرها، إضافة إلى أن خمسة ناشرين أميركيين رفضوا نشرها خوفاً من أن تتم محاكمتهم بتهمة الفحشاء، لكنه تمكن أخيراً من نشر الرواية للمرة الأولى في فرنسا عام 1955 عن دار أولمبيا، التي سبق لها أن نشرت الكثير من المواد الإباحية، بعد ثلاث سنوات نشرت (لوليتا) في أمريكا وحققت نجاحاً باهراً، و تحولت إلى كتاب الجيب الأكثر شهرة عند الأميركيين، وقد ترجمها لاحقاً مؤلفها إلى اللغة الروسية.

حققت رواية (لوليتا) مكانة كلاسيكية وأصبحت إحدى أفضل وأشهر الأمثلة المثيرة للجدل في أدب القرن العشرين، دخل الاسم الثقافة الشعبية لوصف الفتاة التي تنضج جنسياً قبل الأوان، أنتج “ستانلي كوبريك” الرواية كفيلم سينمائي عام 1962، ثم أنتجها “أدريان لين” مرة أخرى سينمائياً عام 1997. كما عرضت أكثر من مرة على خشبة المسرح، وأنتج عنها أوبراتين وعرضي باليه وعرض موسيقي فاشل على مسرح برودواي.

أدرجت رواية (لوليتا) في قائمة تايمز لأفضل 100 رواية باللغة الإنجليزية من 1023 حتى 2005. وقد احتلت المرتبة الرابعة في قائمة المكتبة الحديثة لعام 1998 لأفضل 100 رواية في القرن العشرين. كما أدرجت في قائمة أفضل 100 كتاب في كل العصور.

الكاتب..

“فلاديمير نابوكوف”‏ كاتب روسي أمريكي، أعماله الأولية كتبت باللغة الروسية، وبعدما اشتهر عالمياً أصبح يكتب رواياته بالإنجليزية. عرفت أعماله بكونها معقدة، حيث أن حبكة القصص والكلمات المستخدمة فيها كثيرة التعقيد.

ولد “فلاديمير نابوكوف” في 1899، في “سان بطرسبورج” لعائلة ارستقراطية، فأبوه أحد كبار رجال القانون الروس في عصره، وجده وزير سابق من العهد القيصري، وقد تلقى “نابوكوف” مع إخوته تعليما ثلاثي اللغات بالروسية والإنجليزية والفرنسية.

ومع قيام ثورة أكتوبر 1917، التحق “نابوكوف” للدراسة بكلية “تيرنتي” في جامعة كامبريدج حيث درس العلوم واللغات والأدب الوسيط، وتفرغ للأدب سنة 1922 بعد ما اغتال عملاء سوفييت والده، فترجم إلى الروسية عدداً من الروايات الأوروبية.

ظهرت أولى رواياته عام 1925 تحت عنوان “ماشينكا”، وفي سنة 1926ظهرت مسرحيته المعادية للسوفييت “رجل سوفييتي” واتبعها بروايته “الملك ــ السيدة ــ الخادم” سنة 1931، وكانت هذه الفترة أخصب فترات عطاء “نابوكوف” الإبداعي حيث نشر عمله “الغلطة” 1932، ثم عاد سنة 1934 ونشر أعمالا ملفتة للانتباه مثل “سباق مجنون” و”دعوة للعذاب” وفي هذه الأخيرة عداء شديد للحكم التوليتاري السوفييتي، إلا أنه كتب سنة 1938 لأول مرة رواية باللغة الإنجليزية هي “سيرة سباستيان نايت الحقيقية”.

سنة 1939 غادر إلى أمريكا للعمل بجامعة “استاندفورد”، ثم درس الأدب الروسي بجامعات بوسطن وهارفارد، كما نشر سنة 1944 دراسة معمقة عن “جوجول”، ولما حصل على الجنسية الأمريكية سنة 1945، ثم تعيينه في جامعة “كورنيل” التي نشر منها عمله “الثلمة” وبدأ في كتابة سيرته الذاتية التي ظهرت سنة 1951 بعنوان “من الشاطئ الآخر”.

سنة 1955 نشر روايته “لوليتا” التي منعت أول الأمر في أمريكا، وهذا ما حدا ب”نابوكوف” إلى نشر رواية “ابنين” سنة 1957. وفي سنة 1958 أصبحت رواية “لوليتا” كتاب الجيب في أمريكا، وباع حقوق تحويلها إلى فيلم بمبلغ 150 ألف دولار، وقد تفرغ في هوليوود سنة 1960 لكتابة سيناريو لهذا الفيلم، إلا أنه سافر لأوروبا 1962 حيث كتب “النار الخافت”، وفي سنة 1969 كتب أطول رواياته “آدا”.وتوفي “فلاديمير نابوكوف” 1977.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة