اطلعت على مقالة جميلة ورشيقة جدا في جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا )( الصحيفة الادبية ) الروسية الاسبوعية (بتاريخ 11-17 / 7 / 2018 ), وقد جاءت المقالة تحت عنوان – أدب أذربيجان المعاصر , والتي أعدّها مركز أذربيجان للترجمة . تتحدث المقالة ( والتي شغلت صفحتين باكملهما في ذلك العدد من الصحيفة ) عن الكاتب الاذربيجاني المعاصر ألتشين , الذي تحتفل اذربيجان الان بمناسبة عيد ميلاده الخامس والسبعين . وألتشين يحمل لقب ( كاتب الشعب) في اذربيجان , و هولقب تمنحه الدولة لبعض كبار الادباء والكتّاب تقديرا لهم وتثمينا لدورهم في المجتمع , وألتشين بروفيسور جامعة باكو الحكومية ايضا, اذ انه يحمل شهادة دكتوراه في علوم الادب ( وهي أعلى شهادة علمية , و التي يسمونها عندنا – ما بعد الدكتوراه ) , اي انه كاتب وباحث أكاديمي في نفس الوقت , والذي تميّز طوال مسيرة حياته الفكرية – منذ شبابه – بمواقفه المستقلّة وغير الخاضعة للجمود العقائدي . بدأ ألتشين طريقه الابداعي عندما كان يافعا , ويعد اليوم واحدا من أشهر الكتّاب والباحثين في أذربيجان , وتم ترجمة نتاجاته الى 20 لغة اجنبية , وبلغ عدد نسخ كتبه بمختلف اللغات حوالي خمسة ملايين نسخة . يقدم مركز أذربيجان للترجمة في المقالة المذكورة مقاطع من كتابه الموسوم – ( العصر والكلمة ) , و يسميها الكاتب نفسه – ( ميني مقالة) , يطرح فيها ملاحظات وأفكار حول الادب الروسي والعالمي , وقد اخترنا بعض هذه الملاحظات ( رغم ان كل تلك الملاحظات مهمة وذكيّة ) وترجمنا خلاصتها وفكرتها الاساسية ليس الا , كي نقدمها للقارئ العربي , لاننا وجدنا في ثناياها آراء رشيقة ومبتكرة وأصيلة فعلا حول هؤلاء الادباء , ونعتقد انها تستحق الترجمة لاغناء المكتبة النقدية العربية حول الادب الروسي.
همنغواي وبوشكين
===========
يقول الباحث انه تذكر ( ابنة الضابط حسب ترجمة الدروبي, او ابنة الآمر حسب ترجمة غائب طعمه فرمان ) لبوشكين , عندما بدأ يقرأ (وداعا للسلاح ) لهمنغواي , ويسمي ذلك ( احساس غير متوقع ) , وتكرر الامر نفسه عندما بدأ يقرأ ( الشيخ والبحر ) ايضا , ولم يجد الباحث سبب ذلك الاحساس , اذ لا توجد روابط محددة بين تلك النتاجات , بل انه لم يكن يعرف حتى اذا كان همنغواي قد اطلع على نتاجات بوشكين ام لا , و لم يجد الجواب المحدد على اسئلته تلك , ولكنه عندما قرأ مقابلة مع ابن همنغواي بمناسبة مرور قرن على ميلاد والده , اكتشف , ان همنغواي كان طوال حياته معجبا ببوشكين , وان هناك تمثال نصفي صغير لبوشكين على طاولة همنغواي في بيته بكوبا .
الذنب امام دستويفسكي
=============
يقول الباحث انه يقرأ نتاجات دستويفسكي من بداياتها الى نهاياتها مرتين , ولكنه يقرأ ( الاخوة كارامازوف ) و ( المقامر ) ثلاث مرات , وذلك لانه ( بعقله ) يقر ويعترف , ان دستويفسكي كاتب عظيم , ولكن ( بقلبه ) لا يستطيع ان يحبه , ولهذا , يشعر الباحث بالذنب امام دستويفسكي .
لماذا احب تولستوي ؟
=============
يقول الباحث انه يحلم ان يؤلف كتابا يوما ما بعنوان – لماذا احب تولستوي ؟ , ويضيف , ان هناك العديد من الكتب حول تولستوي , ولكنه مقتنع تماما , ان كتابه سيختلف عن بقية الكتب عن هذا الكاتب الكبير, لانه لا أحد يمكن ان يكتب عنه ذلك الشئ الذي يراه هو شخصيا فيه , او يحسّه هو شخصيا تجاه ابداعه . ويختتم الباحث هذه الملاحظة قائلا – ان عبقرية تولستوي تكمن , في ان كل (قارئ – مفكر) ينظر اليها بمنظاره الخاص , وانه لا يمكن ان يكون الموقف بشكل آخر بتاتا.
موباسان وتورغينيف
=============
يشير الباحث , ان موباسان كان يعتبر نفسه تلميذا لتورغينيف , ولكن الباحث يرى , ان تورغينيف لم يكن روسيّا بحتا مثلما كان موباسان فرنسيّا بحتا , ويضرب مثلا ببطل رواية ( رودين ) لتورغينيف , ويقارنه بابطال قصص موباسان , ويصل الى استنتاج مفاده , ان ابطال موباسان يجسّدون الانسان الفرنسي , بينما بعض ابطال تورغينيف لا يجسّدون دائما الانسان الروسي.
تشيخوف وأستروفسكي
=============
يقول الباحث , ان مسرحيات استروفسكي مثل حجر كبير و ثقيل يسحبك نحو القعر ويهددك بالغرق , اما مسرحيات تشيخوف , فانها مثل طوق النجاة الذي يمسك بك ويبقيك على سطح الماء ولا يجعلك تغرق , على الرغم من ان مسرح تشيخوف بالاساس يعكس الحياة المملة والكئيبة , التي تخنق الروح الانسانية , ويختتم ملاحظته الطريفة هذه بالقول , ان تشيخوف هو لحد الان لغز فني – جمالي لم نكتشفه بعد.
==============================================
هذا غيض من فيض كما يقولون , اذ هناك ملاحظات ذكية ورشيقة اخرى تتناول ادباء روس آخرين مثل غوغول و شولوخوف وبولغاكوف وغوركي وتسفيتايفا و.. و.. و.. , واتمنى ان تسمح ظروفي بالعودة الى افكار هذا الباحث الانيق .