لا مغالاةً فِي القولِ إنَّ أغلبَ البلدان النامية – ومن بينها بلادنا – ما تزال قياداتها الإدارية ملزمة بالتكيف مع ما يظهر من المستجدات والمتغيرات الدولية بالركون إلى البحث عما متاح من الحلول المبتكرة التي بوسع آلياتها المساهمة بشكلٍ فاعل في دفع عجلة التنمية وتدعيم الاقتصاد المحلي، وليس أدل على ذلك من اهتداء الحكومة العراقية في أواخر عام 2014م إلى تشكيل خلية أزمة تتبنى رسم السياسات القادرة على التكييف مع الهبوط المتواصل في أسعار النفط، من خلال إطلاق مبادرة جديدة لتطوير القطاع الخاص في سياق المنهاج الحكومي للإصلاح الاقتصادي.
كان الأمل يحدو الشرائح الاجتماعية في بلادنا – وفي طليعتهم الإدارات العاملة في أروقة القطاع الخاص العراقي – في أن يكون من شأن تلك المبادرة المعاونة في تذليل عقبات انطلاق القطاع الخاص والنهوض به تمهيدًا لتطويره؛ بالنظر لأهمية القطاع الخاص في عملية التنمية، بوصفه جزءً لا يتجزأ من خطة التنمية الشاملة، ومن المعلوم أنَّ مرد ذلك يعود إلى إخفاق الكثير من البرامج الحكومية الخاصة بدعم القطاع الخاص التي جرى اعتمادها في المدة الماضية، حيث لم يكن بوسع أدواتها المعاونة في تعزيز موارد الدخل، فضلًا عن خيبتها أيضًا بالمساهمة في تناسي الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها أهل العراق.
المثير للانتباه أنَّ قانونَ الموازنة العامة لعام ٢٠١٧م الذي أصدرته الحكومة العراقية، الزمت المادة “27” منه الوزارات بشراء احتياجاتها من المنتج المحلي سواء أكان “حكوميًا أم خاصًا”، الأمر الذي حفز الكثير من الصناعيين العراقيين المتخصصين بإنتاج المواد التي اعتادت الوزارات والمحافظات على طلبها، الشروع بإعادة تشغيل معاملهم، فضلًا عن تحديث خطوطها الإنتاجية الذي فرض عليهم شراء أجهزة ومعدات جديدة وتخزين مواد أولية، إلى جانب توظيف أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل والقادرين عليه؛ لأجل تغطية احتياجات الوزارات بمنتجات مصنعة محليًا بجودة عالية عوضًا عن لجوء الوزارات القسري إلى خيار الاستيراد من خارج البلاد.
لا ريب أنَّ تأهيلَ الصناعيين لمعاملهم بعد توقفها سنوات طويلة، والحرص على تحديث معداتها ليست بالمهمة اليسيرة؛ إذ كلفتهم أموالًا طائلة، بالإضافة إلى الكثير من الجهد الذي بذل في هذا المسار، إلا أنَّ الآمل سرعان ما تبدد وخيمت الخيبة المشوبة بالحزن على إدارة القطاع الخاص العراقي، حين أعلن قانون الموازنة العامة لعام ٢٠١8م الذي حمل في ثناياه مفاجأة مخيبة لآمال الصناعيين وجموع العاملين في مصانعهم، تمثلت بالمادة “22” التي نصت على حصر التجهيز بالمؤسسات “الحكومية” فقط، ما أفضى إلى فتح المجال بشكلٍ كامل امام المسؤولين لتجاهل منتجات “القطاع الخاص المحلي”، والتعامل حصريًا مع السلع والبضائع المستوردة!.
اللافت للنظر أنَّ بعضَ المسؤولين عن إعداد الموازنة، أبلغوا إدارات القطاع الخاص التي تورطت في هذه الفعالية: أنَّ كلمةَ ” أو المنتج المحلي ” سقطت سهوًا بخطأ غير مقصود، وأنه سيتم تصحيح ذلك في الموازنة القادمة 2019م، لكن المذهلُ فِي الأمرِ أَنَّ قانونَ الموازنة العامة لعام 2019م، تجاهل أيضًا القطاع الخاص؛ إذ حصرت المادة “25” التجهيز فقط بالمؤسسات الحكومية مرة أخرى!.
من المؤكّـد أنَّ هذا الموضوع سينال عناية السلطتين التشريعية والتنفيذية واهتمامهما؛ لأنَّ كلاهما جادًا في الاهتمام بالإنتاج المحلي “الحكومي والخاص” على قدم المساواة، وأقترح تفضلهما في القيام بتصحيح المادة “25” من قانون الموازنة العامة لعام 2019م؛ بغية إعادة بريق الصناعة المحلية، ووضع عبارة “صنع في العراق” محل التنفيذ الفعلي، والذي من شأنه تدعيم الاقتصاد الوطني.
في أمان الله.