خاص: قراءة – سماح عادل
رواية “جئت متأخرا” للكاتب العراقي “علي الحديثي”، رواية تتناول الصراع الوجودي الذي يعاني منه بطل يصر على العيش داخل ذاته وتناقضاتها دون أن يعبا بالحاضر من حوله.
الشخصيات..
صفاء: البطل، يبدأ الحكي منذ أن كان طفلا حتى يصبح رجلا في الثلاثين، يعاني من أزمة وجودية تتعلق بإحساسه بالضياع.
رزاق: أخو “صفاء” الكبير، وكان يعتبره قدوة له، توفى في شبابه مما خلف أثرا عميقا وجرحا لدى البطل.
وهاد: أخت “صفاء” الكبيرة، كانت تعمل معلمة، وكان يعتبرها مثل أمه.
أنسام: زوجة “صفاء”، تزوجها دون حب، لكنه مع ذلك يكن لها تقديرا ما، يظل صامتا معها لأنه لا يستطيع البوح بصراعاته النفسية لها.
الراوي..
الراوي هو البطل، يحكي عن نفسه، عن صراعاته النفسية وإحساسه الوجودي بالضياع، ولا يهتم بالحكي عن الشخصيات الأخرى سوى في تقاطعات بسيطة معه، فالحكي يتركز بشكل كبير على البطل.
السرد..
الرواية محكمة ورغم قصرها فهي تقدم صورة عن البطل وأزمته الوجودية، الرواية تقع في حوالي ١٢٩ صفحة من القطع المتوسط.
خصام الذات..
البطل “صفاء” يعاني من إحساس طاغ بأنه لا يجد ذاته، بأنه في خصام طويل معها، يبدأ حكيه منذ طفولته، وتتبين أزمته الأولى في الخجل الشديد وعلاقات الحب غير المكتملة بسبب عجزه عن البوح بمشاعره لمن يحبها، فهو يحب من طرف واحد أو يتعذب بمشاعره تجاه فتاة ما، لكنه أبدا لا يبوح لها، أحب “مها” جارته و”مديحة” التي تعمل بالمشفى التي كان يعمل فيها بعد دراسته في مدرسة المعلمين، ورغم ذلك تزوج دون حب، لأنه يؤمن أن الزواج يفسد الحب وكان معاديا له لكنه رغم ذلك تزوج.
وتخبطه لا يتمثل فقط في خوض علاقات حب مبتسرة، وإنما أيضا في اقترابه من الدين وتوغله في حالة أقرب إلى التشدد الديني، فيواظب على الصلاة ويذهب إلى المسجد ويتطور الأمر لديه إلى التمسك بطقوس دينية مجهدة له، حتى أنه يمتنع عن السماع للموسيقى والأغاني والنظر إلى النساء، ثم وبعد سنوات يبتعد عن ذلك ليتعمق في الفلسفة ويتقرب منها أكثر، وهو في ارتباطه بالدين أو الفلسفة لا يعلم لما يفعل ذلك، ولا يشعر أنه متحكم في حياته وإنما كأنه مساق بيد خارجة عنه تحركه كيفما تشاء، يعاني من عزلة المثقف الذي يتخذ من الكتب عالما له ويبتعد عن العالم الحقيقي الذي يعيش فيه، وينعزل عن الناس والاختلاط بهم.
وهو في عزلته هذه يعاني من عذاب الصراع النفسي والإحساس بالضياع، وعلى خلفية انفعالاته وأحاسيسه نتعرف كقراء على الأحداث الخارجية، فهو أثناء دراسته يحاول الهروب من الحرب الإيرانية العراقية الطويلة، وبعد تخرجه وعمله كمدرس في إحدى المدارس يمر عليه الحصار كما يمر على الآخرون ويعاني منه كما يعاني الناس.
ربما يكون الهروب من جحيم الواقع والانعزال داخل ذاته هو طريقته للهروب وطريقته أيضا في تعذيب نفسه، ويظل “صفاء” يتقلب في مشاعر حب لا تكتمل، فيحب زميلته في المدرسة “أنهار”، يحبها على طريقته، طريقة الحب العذري التي نادى بها أفلاطون والذي يتأثر به كثيرا، لكن “أنهار” تكره حبه العذري ذاك وتصفه بالغباء وتهجره، ويردد الراوي كلام “أنهار” في الرواية يقول: “الحب الذي تبحث عنه لم ٌيعد له بل لا وجود له أصلا الحب العذري خدعة تارٌيخٌية. أفلاطون من أغبياء التارٌيخ، خلق فًي عقله وهما، مات هو وبقًى من بعده ٌمجد وهمه لا أدري! ربما كل شًيء له مساس بالتارٌيخ لٌيس سوى كذبة ٌلعب على حبالها الماكرون، وٌصدقها الأغبياء، التارٌيخ جدار هش ٌيتكأ علٌيه الضعفاء عندما ٌيفقدون حاضرهم”.
ثم يلتحق بالجامعة ويتعرف على طالبة تصغره بسنوات كثيرة ويحبها أيضا، كل ذلك وهو لم يتخلص من خصامه لذاته ولا من عزلته ولا من عجزه عن البوح، لكن وفي النهاية يستطيع البوح من خلال”فيس بوك” وكأنه الحل المثالي الذي استطاع من خلاله البوح، فهو يبوح من خلال الكتابة، ينطلق أكثر ويستطيع التعبير عن نفسه ومشاعره، لكن للأسف يصبح ذلك متأخرا، لأنه عندما يتخلص من عجزه يقع في حب امرأة متزوجة. وتنتهي الرواية على ذلك، لكن الكاتب يصر على بث الأمل في غلاف الرواية، حيث يكتب عبارات تحفيزية تشجع على عدم ترك الأحلام وعدم التأخر عن تحقيقها.
الرواية تعبر عن محنة وجودية يعيشها مثقف منعزل، أجبره الحاضر القاسي على الانعزال، وهو عاجز عن مواجهة الواقع وعاجز عن التمتع بالحب وخوض تجربة مكتملة فيه، ورغم ذلك يظل يتنقل بين الفتيات ذهنيا وروحيا، يشعر بحبه لهن ولا يجرؤ على الاقتراب منهن، وحين يقترب يكون حلمه قد رحل بعيدا دون أن يتحقق.
الكاتب..
“على الحديثي” روائي عراقي، بكالوريوس لغة عربية.. والآن يعمل مدرسا للغة العربية، وعضو اتحاد الأدباء والكُتّاب العراقيين، وعضو نقابة الصحفيين، بدأ كتابة القصة القصيرة منذ عام 1995، نشر العديد من القصص في الصحف المحلية والعربية.
– صدر له:
1- المعبث ………………. مجموعة قصصية/ 2013
2- ذكريات معتقة باليوريا….. رواية / 2015
3- جئتُ متأخرا…………. رواية / 2016
4- ارفعوا صوت التلفاز….. رواية/ 2017
5- ذكرأة ………….. رواية ستصدر خلال أيام