ولكن لوجود كمٍّ هائل من الحجج والأدلة بحسب اعتقاد المؤمنين بالدين، يجدون أنفسهم مُلزَمين بالإيمان برسلهم (إيمان المسلمين بمحمد، والمسيحيين بعيسى، واليهود بموسى، والصابئة بيحيى) وبكتبهم المقدسة. أما عدم التناقض الذي ادعيته بين قبول الإيمان الظني من جهة، وذلك حسب قول القرآن: «وَاستَعينوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ، وَإِنَّها لَكَبيرَةٌ إِلّا عَلَى الخاشِعينَ، الَّذينَ يَظُنّونَ أَنَّهُم مُّلاقو رَبِّهم وَأَنَّهُم إِلَيهِ راجِعونَ»، ورفض الظن من جهة أخرى بناءً على قوله: «إِنَّ الظَّنَّ لا يُغني عَنِ الحقِّ شَيئًا»، ففي الثانية يكون الظن مرفوضا في وقوف الإنسان أمام حقيقتين؛ أمام حقيقة ظنية، وأخرى يقينية، التي عُبِّر عنها بلفظ «الحق» في هذه الآية، أن يرجح الظني على اليقيني، وهذه قاعدة ليست فقط قرآنية، بل عقلائية بل عقلية ومنطقية. هذا الفهم مع فرض إلهية القرآن ولو احتمالا، أما مع القطع ببشرية القرآن أو ترجيح ذلك بدرجة يُعتدّ بها، فهنا لا يمكن أن ندعي أن المؤلف البشري قد عنى فعلا ما ذهبت إليه، وإنه حتما لم يقع في ثمة تناقض، فإذا كان الوقوع في التناقض محالا على الله، فهو ممكن الحدوث مع الإنسان.
وهذا يفسر معنى قولي آنذاك [قبل إحدى عشرة سنة] أني «أشهد ألا إله إلا الله شهادة قطعية»، بينما «أشهد أن محمدا رسول الله شهادة ظنية». وإيمان العقلاء من المؤمنين هو في الغالب إيمان ظني، إلا ما يَصلون فيه إلى قناعة واضحة بأنه من ضرورات العقل، وهذا الاعتبار نسبي ومتفاوت. والإيمان القطعي هو في الغالب إيمان التعصب والتطرف والاتباع الأعمى، ولذا فهؤلاء ولكونهم ينأون عن المنهج العقلي والعقلائي، تجدهم يعيشون عقدة مستأصلة محتقنة بالكراهة تجاه من لا يؤمن بكل تفاصيل ما يؤمنون به. بينما إمام الشيعة جعفر بن محمد الصادق لم يكن يملك عقدة تجاه محاوريه من الزنادقة، أي الملحدين، أو المنكرين للدين على أي نحو، حسب بعض الروايات على فرض صدقها، فإن التاريخ، لاسيما التاريخ الديني، أصبح جله عندي مشكوكا بصحته.
ولكن ما معنى قولي آنذاك أني «أشهد ألا إله إلا الله بلا شرط، وأشهد أن محمدا رسول الله بشرط لا». هذا ما سأحاول تبيينه هنا.
كوني «أشهد ألا إله إلا الله بلا شرط»، له علاقة بكون هذا القِسم من الإيمان، هو إيمان يقيني قطعي، على أقل تقدير بالنسبة لي، ولمن يرى مثلي أنه يمثل ضرورة عقلية، أي من ضرورات العقل الفلسفي أو العقل النظري، لا العقل الأخلاقي أو العقل العملي، وما يُؤمَن به بمستوى اليقين، لا يكون إيمانا مشروطا بأي حال من الأحوال. أما كوني «أشهد – إذا ما شهدت – أن محمدا رسول الله بشرط لا»، فله معنيان، الأول هو كونه إيمانا ظنيا، فهو بالتالي ليس إيمانا غير مشروط كالأول، بل مشروط، أما لماذا مشروط بنفي أشياء معبَّرا عنها بـ «لا»، وذلك بقول «بشرط لا»، فهذا ما سأبينه بإذن الله عز وجل وتسديده.