في أرضٍ صحراء مقفرة، ومجتمع قبلي همجي وحشي، يتنفس الجهل والرذيلة، يعبد أصنامًا يصنعها بيده، تحكمه أئمةٌ الشرك والضلال والنفعية، تستعبد قومًا وترفع آخرين على أعتابها ساجدين، وعادات مقيتة يندى من ذكرها الجبين…
في بيئة الظلام الدامس، والجهل المطبق، والعبودية العمياء، والعنف المطلق، وُلد وبعث محمدٌ برسالةٍ:« وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ »،الأنبياء:(107)، لتبدأ صفحة جديدة تطوي اسفارًا من الظلام والكفر والجهل والظلم والضياع…
استطاع النبي الأقدس_صلى الله عليه وآله وسلم- بفكره الوضّاء، وخُلُقه العظيم، وقلبه الرحيم، ونهجه المعتدل الوسطي القويم، أنْ يُنشىء عالمًا جديدًا ومجتمعًا جديدًا وثقافةً جديدةً وحضارةً جديدة ودولةً عادلةً لم يسبق لها نظير…ملأ صداها ما بين الخافقين…
محمدٌ شخصيةٌ جذبت القلوب، وسحرت الأرواح، وأبهرت العقول من مختلف الملل والديانات والميول، انحنى لعظمته القاصي والداني من الفلاسفة و العظماء والمفكرين والحكماء…
يقول كارل ماركس.. فيلسوف ألماني وعالم اجتماع:« إن النبي افتتح برسالته عصرًا للعلم والنور والمعرفة ، حري أن تدون أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة…»، ويقول جورج برنارد شو.. كاتب مسرحي بريطاني :« قرأت حياة رسول الإسلام جيدًا، مرات ومرات لم أجد فيها إلا الخلق كما يجب أن يكون ، وأصبحت أضع محمدًا في مصاف بل على قمم المصاف من الرجال الذين يجب أن يُتبعوا »، ويقول عالم اللاهوت السويسري د.هانز كونج:« محمد نبي حقيقي بمعنى الكلمة ، ولا يمكننا بعد إنكار أن محمدًا هو المرشد القائد إلى طريق النجاة.»، وغيرهم…
البشريةُ اليوم بحاجة إلى محمد وفكر وأخلاق وعدالة واعتدال ووسطية محمد، ورحمة وإنسانية محمد، بحاجة إلى إسلام محمد الذي سرقه المتلبسون بدين محمد، وفي طليعتهم ابن تيمية ومارقة العصر الدواعش، فطرحوا دينًا لا يمثل محمد ولا ينتسب لمحمد ويبرأ منه محمد وآل محمد وصحب محمد، دينٌ ظلاميٌ تكفيريٌ ساديٌ قائمٌ على الشرك والوثنية والرب الشاب الأمرد والبدعة والخرافة والكذب والتدليس والتجهيل والتبرير والطعن والسباب والصاق التهم…
فالحاجةُ إلى دين محمد الإنساني ضرورةٌ ملحةٌ مفتاحها مواجهة الفكر التكفيري التيمي الداعشي المتلبس بدين محمد، وإبراز الدين الإلهي الأخلاقي الإنساني، وهي مسؤولية يتحملها في الدرجة الرئيسة العلماء العاملين ورثة الأنبياء، ومن هنا بادر الأستاذ المحقق الصرخي-ومنذ سنوات- إلى التصدي لهذا الفكر المارق، من خلال المواجهة الفكرية التي خاض غمارها كما هو الحال في البحوث والمحاضرات والمؤلفات التي طرحها في الساحة، ومنها بحث( الدولة.. المارقة… في عصر الظهور … منذ عهد الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- ) وبحث( وقفات مع …. توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري)،
والتي أثبت فيها بالدليل العلمي الشرعي الأخلاقي بطلان المنظومة الفكرية لابن تيمية جملة وتفصيلا، والتي يتغذى عليها الإرهاب الذي تمارسه التنظيمات المتطرفة ومنها داعش الخوارج، ليسجل بهذا الخطوة انتصارًا للنبي الأقدس الذي ذبحه وأساء إليه الفكر التكفيري بسيفه الذي طال البشرية بكل انتماءاتها وتوجهاتها الدينية وغيرها، والانتصار لنبي الرحمة هو انتصار للدين والفكر والعلم والأخلاق والإنسانية، من أجل أن يسود الفكر والعدل والأمن والسلام.
إنَّ احياء ذكرى شهادة صاحب الخلق العظيم يتجسَّد في السير على نهجه السليم.. نهج الفكر والأخلاق والاعتدال والوسطية والتمسك بالقيم والمثل الإنسانية ونبذ كل ما يتنافي مع ذلك.