المراقب للمشهد السياسي العراقي، وخصوصا بعد عام 2003 يلحظ إن العراق، لا يملك سياسة خارجية لها هوية واضحة، ولإسباب عدة، ضعف صانع القرار السياسي العراقي، وشدة التقاطعات الإقليمية والدولية، التي ألقت بظلالها على العملية السياسية العراقية، وفوبيا المكونات المصطنع، الذي جاء تطبيقا” لسياسة كوندليزا رايس، للفوضى الخلاقة، فغابت وحدة القرار السياسي، حتى اصبح العراق مسرحا”، لتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، فغدى العراق يتأثر سلبا”، بهشاشة سياسته الخارجية، والتي ( السياسة الخارجية) من المفترض أن تكون جدار الصد للأزمات الدولية، خصوصا في المجال الأمني والإقتصادي وحتى الثقافي.
لهنري كيسنجر قول رائع:( إن القيمة الحقيقية لرجل الدولة إنه عندما يقرر يجنب الدولة أن يضعها في مقام يضطرها لإعطاء تنازلات)، عليه وبعد الإنتصار الكبير الذي حققه العراق، على المجاميع الإرهابية لا سيما دولة الخرافة (داعش
)، وبروز سياسة المحاور في المنطقة، المحور الإمريكي وحلفائه دول الخليج العربي وبعض الدول العربية، ومحور الممناعة أو المقاومة الذي تقوده إيران، والذي يمتد من إيران عبر العراق مرورا” بسوريا ولبنان، فالعراق أمام هذا الصراع، لا يمتلك سياسة واضحة، فالتمحور مع هذا الصراع كلف العراق كثيرا”، لذلك هذا الضعف وهذه الضبابية أوقعت العراق في مشاكل جمة، والسبب في ذلك الإنقسام السياسي للكتل السياسية العراقية، وبعدها عن المصالح الوطنية، وتركيزها على ترسيخ سلطتها الحزبية.
فالعراق اليوم بأمس الحاجة لوحدة القرار السياسي، كما وإن صانع القرار عليه أن يكثف الحورات والجهد الدبلوماسي، مع الأطراف الإقليمية والدولية المتقاطعة في المنطقة، فالعراق جهة ليست طرف في هذه النزاعات، كما وإن مهمة حكومة عادل عبد المهدي، في هذه المرحلة، إن تجعل من العراق ساحة لتلاقي المصالح، من خلال تقريب وجهات النظر للأطراف المتنازعة، فالعراق بمختلف مكوناته، عانى من الدور السلبي للتواجد الإمريكي في العراق، وكذلك تخلي الدول العربية عنه، نتيجة نظامه السياسي الديمقراطي، الذي يختلف عن شاكلة الأنظمة السياسية، في عموم المنطقة ، مع العلم إن تغيير النظام في العراق، جاء عبر البوابة الأمريكية، حتى من دون موافقة جمعية الأمم المتحدة.
طوال السنوات العشر الماضية أو أكثر بقليل، عوقب العراق من بعض دول الخليج، وبمساعدة بعض قادة الدول العربية، حينما إعتبرت العراق حديقة خلفية لإيران، متناسين إن العراق كان يحتضر، ويعاني من هجمات المجاميع الإرهابية، تلك المجاميع التي كانت تمول وتجهز بأحدث تقنيات الحرب والقتال، من تلك الدول الخليجية ومئات الإنتحارين الذين كانوا يرسلون للعراق بعلم وتوجيه مخابرات تلك الدول، أمام هذا التحدي الكبير، ومع التخلي العربي عن التواجد، في المساحة السياسية والأمنية العراقية، كانت الحكومات العراقية السابقة، غير مخيرة بالتوجه إلى إيران، من أجل التشبث وإبقاء العراق على قيد الحياة، فأستثمرت أيران هذا التخلي العربي، بالصورة المثلى ليتحول العراق جدار الصد الأول لها، ولتنقل المعركة من إرضها إلى أرض العراق وسوريا.
فإيران كانت أكثر الدول داعمة للعراق، من خلال الإعتراف بالنظام السياسي الجديد، وتبادل السفراء، ثم إستقبال العراقيين حتى بدون تأشيرة الدخول(الفيزا) للدخول لأراضيها، وتبادل الخبرات الأمنية والعسكرية، وتجهيز العراق بمختلف الأسلحة، وحجم التبادل التجاري الكبير الذي يصل لقرابة عشرة مليارات دولار، ومئات الزمالات الدراسية للطلبة العراقيين، كل ذلك ترك إنطباع إيجابي لدى الشارع العراقي، حتى صار الإعتقاد إن إيران هي المنقذ، لذلك دور الحكومة العراقية الجديدة، أن تبين هذه الحقائق للحكومات الخليجية والعربية، على العرب أن يواجهوا التدخل الإيراني، من خلال توطيد العلاقات مع العراق وشعبه، ونشر مبادئ السلام، وفتح أفاق تعاون حقيقية، في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والإقتصادية والثقافية، ورفع مستوى التعاون الدبلوماسي، فالعراق لم يكسره الإرهاب رغم المليارات الطائلة التي مولته.
في ذلك كله نعول أولا” على مدى قدرة حكومة السيد عبد المهدي، في الإنطلاق من نقاط القوة الكثيرة التي يملكها العراق، ومدى تفهم الدول الخليجية والعربية ومحيطنا الإقليمي والمجتمع الدولي، للمتغيرات الأمنية والسياسية في المنطقة، نحو صناعة سياسة خارجية متزنة ومتوازنة، فالعراق ببعده الجيو سياسي والجيوإستراتيجي، بالإضافة لحجم الموارد الإقتصادية، والثروات الطبيعية التي يمتلكها، وكونه من أكبر الأسواق الناشئة في مجالات عدة، يشكل أهمية كبرى للمنطقة والشرق الأوسط بعمومه، من ذلك لا بد من علاقات دولية ذات بعد أفقي متوازي، وأن لا نقبل بعلاقات فوقية تنظر للعراق، على إنه بلد ضعيف، يكفينا إننا البلد الوحيد الذي كسر شوكة الإرهاب العالمي، لدولة الخرافة(داعش)، فدفعنا لم يكن عن العراق وحده، بل عن كل العالم، لأن الإرهاب يهدد الأمن والسلم الدوليين، على إن الإرهاب لا زال يشكل تهديد دوليا”.