قُتلَ الملك فصيل الثاني بنيران عرفاء وضباط مشاة أغلبهم مطوعين بسطاء أخذتهم حمية لايعرفون كنتها الحقيقية سوى أنهم يدركون أن الانقلاب هو قتل الملك فقط.
ومع موت الملك اختفت تجربة برلمانية جميلة بالرغم من عطرها البريطاني ، ولكنها كانت تُحسب لمصلحة العراق كأول الاحلام والمهام .
وكان سدنة البيت البرلماني العراقي من الوجهاء والعلماء وبينهم من هو الاقطاعي والاكاديمي ، ولكنهم حين يجلسون على ارائك التصويت لايعرفون سوى هم وطن واحلام الناس حتى بمقاساتها القليلة .
أما الملك فيحكى عنه انه يرتجف امام سدنة الجلسة ويقول للخاله الوصي :احسب حسابكَ خالي اليوم ستدوخ رؤوسنا لأن احدى جسور بغداد سيتأخر تنفيذه شهرين.
يضحك الوصي ويقول : سنعتذر منهم .
الملك المغدور هو سليل عائلة حجازية ، أتى رائدها في العراق فيصل الأول من دمشق، وكان قبلها امير دولة الحجاز وسفير لابيه في الثورة ضد العثمانيين ، ثم نفوه ملكا الى دمشق . لكن الفرنسيين لم يعجبهم حماسته فأختاروا له ملك العراق كشيء من الترضية في حسابات سايس ــ بيكو.
واتى وهو غير مكترث للمجهول وعلى حد ما كان يؤمن :إن الشوام صَعبٌ معرفتهم ، اما العراق فلنا معهم نسل الارض والقبيلة والأمتداد الجغرافي.
أسس فيصل الاول دولة فتية ناشئة رغم تكبيلها باتفاقيات جائرة مع الانكليز ، ولكن الملك الحكيم كان يدرك أن المستعمر والانتدابي ( ابو ناجي ) يمكنه ان يُسهمَ في جعل الحداثة الحضارية أساسا لدولة في الاخر ربما ستتحرر من كل تلك الاتفاقيات ، وربما بسبب حلمه هذا يقال انه مات مسموما .
وبعده اتى غازي ، وقصة مقتله بحادثة السيارة وما جرى في اسبابها ودوافعها الخفية يعرفه العراقيون في كتب كثيرة.
وآخر حالم للملكية العراقية كان الطفل فيصل الثاني الذي كان في وصاية خاله والذي تجاوز معه محنة مايس بالنسبة للعائلة الملكية ، وربما الملك الصغير ليس له دخل في تلك العقوبة المفرطة في القساوة ازاء انقلابي مايس ، ولكنه في النهاية دفع ثمنها عندما اسست الكره الخفي بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة الملكية .
لكن فضل الملكية أنها ابقت العسكر في نأي عن السياسة وحماية البرلمان كله كانت سرية مشاة وفصيل انضباطية لم يشاهدهم احد عند الدخول الى بناية المجلس.
اليوم في العهد الجمهورية المجيد تحتاج الى فرقة عسكرية ولواء دبابات و120 كلب بوليسي وفوج من الانكشارية حتى يقبل رئيس الوزراء ليجيء مع كابينة وزارية جديدة او استجواب ومثله رئيس المجلس .
فرق بين ذاك الزمان وهذا الزمان ..
وفي فاصلة الرؤيا عليك أن تعترف أن الملك المغدور بعد كل هذه السنين من فوضى الجمهوريات في الانقلابات والحروب والحصارات والاحتلالات الاطلسية هو الأصلح ليحمل وبفخر مديح الذكريات كلها.