أعاد استقبال سلطان عمان المفاجئ لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في مسقط واستضافة قطر والامارات لفرق رياضية اسرائيلية طرح عدة تساؤلات متكررة حول عملية التطبيع العربي مع الدولة العبرية ؟ وعلة تسارع خطواتها في الأونة الأخيرة وهو ماعبر عنه نتنياهو نفسه بالقول “ان علاقات بلاده مع العالم العربي تمر بفترة مثالية” !
مبدئيا يمكننا القول بأن التصالح مع فاشية دينية عنصرية (اسرائيل) قائمة على كذبة (الصهيونية) هو أمر غير مستحب أخلاقيا أما سياسيا فانه لا ينبغي التهويل من مصطلح التطبيع تحت تأثير ثقافة الشعارات النارية والتي لاتزال جذورها راسخة في المجتمعات العربية والاسلامية متحكمة بوجهة نظره والتي أتخذت من تحرير صلاح الدين الايوبي لمدينة القدس مثالا تاريخيا على صوابية خياراتها السياسية ناسية أو متناسية بأن صلاح الدين ذاته كان قد وقع اتفاق سلام المسمى ب (صلح الرملة) مع ملك انجلترا ريتشارد قلب الأسد قائد الحملة الصليبية الثالثة بعد استعادته القدس وهزيمته في معركة أرسوف وكان من ضمن بنوده بقاء مناطق الساحل من صور الى يافا بما فيها قيسارية وحيفا وأرسوف بالاضافة لامارتي انطاكية وطرابلس تحت سلطة الصليبيين !! وهو يحاكي مافعله الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات الذي صفع اسرائيل في عام 1973 قبل أن يوقع معها اتفاق كامب ديفيد مستعيدا أراضي بلاده المحتلة بموجبها ولعل من سخرية القول بان السادات قد غدا خائنا وعميلا بعيون من يمجدون ببطولة صلاح الدين لغاية يومنا هذا !
ان التعامل السياسي مع الكيان الاسرائيلي ينبغي أن يكون قائما وفقا للثوابت السياسية الممزوجة بمبدأ الواقعية الميدانية والذي أحتاج العرب ل55 عام حتى يكرسوا أولى خطواته على يد العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز مطلق مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002 (دعا فيها فيها لقيام دولة فلسطينية على حدود 67 وانسحاب اسرائيل من هضبة الجولان وعودة اللاجئين تمهيدا لاتفاقية سلام شاملة بين الدول العربية واسرائيل) ولعل هذه المبادرة هي الحل المناسب والوحيد الذي أنتجه العقل السياسي العربي طيلة 70 عام هي عمر الصراع العربي الاسرائيلي كما لايفوتنا القول بأن الاعتراف بالدولة العبرية (باعتباره جوهر عملية التطبيع) لا يعد سابقة استثنائية فقد سبق لدول اسلامية وعربية (كازاخستان وطاجيكستان وتركمانستان وتركيا وايران وموريتانيا ومصر والأردن) الاعتراف بالكيان اليهودي الوحيد في العالم بل ان منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها انضمت لقافلة المعترفين باتفاقية أوسلو !
غير ان تسارع وتيرة التطبيع الخليجي الاسرائيلي مؤخرا لايجري وفقا لما سبق من سياقات وانما يعزى لعوامل عديدة منها تراجع أولوية الملف الفلسطيني اقليميا نتيجة لاندلاع انتفاضات الربيع العربي والتي أزاحت الستار عن عدة مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية ودينية ومذهبية تعصف بالدول والمجتمعات العربية حالت سياسة القبضة الحديدية المنتهجة من الأنظمة الاستبدادية دون بروزها على السطح ! وهو ماتسبب تلقائيا باتجاه مجهود وعقل رجل الشارع العادي نحو حلحلة تلك الأزمات المؤثرة سلبا على نمط حياته وذلك على حساب القضايا الخارجية .
كما غدا الانقسام الفلسطيني عاملا محفزا على تراجع ترتيب ما كان يسمى بقضية العرب المركزية فكيف يتسنى لشعوب عربية عاجزة عن مساعدة ذاتها وايجاد حلول مناسبة لازماتها من تقديم يد العون والمساعدة أو حتى الاهتمام بشعب منقسم على نفسه حزبيا ولغايات سياسية بحتة لا صلة لها بتحرير الأرض المحتلة أو تأسيس الدولة المنتظرة !؟
ولعل العامل الأهم والأخطر لتسارع وتيرة التطبيع هو استغلال التيارات السلفية لحالة الاحتقان الطائفي التي يشهدها الشرق الأوسط بشكل يسلط الضوء على الخصم المذهبي (ايران) بوصفها “عدو الأمة الأول” بديلا عن اسرائيل من خلال ترويج مقولة (الشيعة أخطر على الاسلام من اليهود) وخطورة هذا العامل تكمن في استغلال الامريكيين له بالعمل على تأسيس مايسمى اعلاميا بناتو عربي مضاد لايران يكون ممهدا لتقويض نفوذها بالمنطقة ابتداءا ثم تمرير صفقة القرن كحل نهائي وجذري للقضية انتهاءا دون ضمانات أساسية لتحقيق الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني .
لقد أسهمت الأزمة الخليجية تحديدا في اماطة اللثام عن قنوات التواصل السرية بين بعض الأطراف الخليجية واسرائيل في مرحلة سياسية تتسم بسعي خليجي لزعامة العالم العربي على حساب حواضر العرب الكبرى بغداد و دمشق والقاهرة توجه فيه بوصلة العداء لايران التي تمثل بديهيا الخطر الأكبر على دول الخليج وبالتالي يبدو منطقيا اتخاذها لها عدوا أولا على حساب اسرائيل والتي لا ضرر منها نتيجة لعدم وجود جغرافيا مشتركة بين الطرفين الا ان سحب هذا الرأي على باقي الدول العربية وفي مقدمتها دول الطوق لايصب الا في مصلحة الدولة العبرية ويعد اهدارا لحقوق الدول العربية المحتلة أراضيها من قبل الاسرائيليين .
لقد أضاعت الملكيات العربية فرصة تاريخية لتأسيس دولة فلسطينية عندما رفضت قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947 المتضمن تقسيم فلسطين ثم أستغرقت الأنظمة القومية فترة طويلة قبل أن تستوعب فكرة عدم وجود قدرة عسكرية عربية لرمي اسرائيل في البحر مع هذا الكم الهائل من الدعم الغربي المادي والمعنوي لها قبل أن تسعى الامارات الخليجية اليوم لجر العرب لتطبيع اجباري تنفيذا لرغبة أمريكية (مراعية لمصالحها) بتحجيم ايران ودون أدنى مراعاة لحقوق الشعب الفلسطيني ليصبح جليا استحالة القبول بعالم عربي تكون الريادة فيه لهذه الرؤية الخليجية وهو مايتطلب حدا أدنى من الوعي والتحلي بالمسؤولية عبر انتهاج طريق الواقعية السياسية المحافظة على الثوابت .
ففي ظل المعطيات الراهنة وعلو كعب لغة المصالح المشتركة بتنا بحاجة ضرورية لاعادة تقييم الكثير من أبجديات رؤيتنا السياسية فاذا كانت اسرائيل راغبة فعلا بتطبيع ينهي أزمتها الاخلاقية والمتمثلة بكونها الدولة الوحيدة بالعالم غير المعترف بها من قبل جيرانها (عبر عن حقيقة هذه الأزمة بكاء وزيرة الشباب والرياضة الاسرائيلية اأناء عزف النشيد الوطني ورفع العلم الاسرائيلي في بطولة جراند سلام بأبوظبي) فعليها أن تدرك ان الثمن المقابل هو الحقوق لا وعود كاذبة ولا تحالفات هشة .