تتسارع المطالبة بتشكيل الحكومة والمناكفات على اشدها في الساحة السياسية العراقية في ظل أزمة ما بعد الانتخابات، وتشكيك البعض في شرعيتها، وتصاعد الاتهامات بحدوث عمليات تزوير، بل وصل الأمر من جانب البعض إلى المطالبة بإعادة الانتخابات في وقتها من قبل بعض الاطراف الخاسرة بسبب فقدانها المصداقية ،على كل حال النتائج تم المصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية وبعد ان تضمنت اكثر البرامج الانتخابية للقوى السياسية نصوصاً تدعوا الى الابتعاد عن المحاصصة الطائفية والسياسية كآلية لادارة الدولة والاعتماد على الكفاءات ( التكنوقراط )، وشرط أن يتحمل رئيس الوزراء المكلف كامل المسؤولية عن اداءها وان يتمتع بالشجاعة والقوة والحزم، كما شددت على تطبيق ضوابط صارمة في اختيار الكابينة الوزارية والمناصب العليا والدرجات الخاصة والوكالات ، وتفعيل دور ديوان الرقابة لإنهاء تدقيق الحسابات الختامية للموازنات السابقة والاشراف على القادم منها واعلان النتائج بشفافية عالية، كما قدمت المرجعية مقترحات قوانين الى مجلس النواب المقبل بينها مقترح الغاء الامتيازات لـ ((فئات محددة)) في المنظومة الحكومية ولكن واقع حال التفاهمات الاخيرة تشير الى عكس ما تم المناداة به قبل الانتخابات وحتى بعد الانتخابات لأيام . رغم أنه كان الخطاب السياسي الذي دوخ عقولنا من جانب غالبية القوى السياسية، بما فيها «سائرون» و«الفتح»، هو الابتعاد عن المحاصصة الطائفية، ويجب ان تكون حكومة لكل العراقيين وتستهدف تحقيق التوافق السياسي، وإنقاذ العراق من التحديات القادمة ، وتحارب الفساد وتقوم بالإصلاح الاقتصادي، إلا أنها على أرض الواقع تبتعد كثيراً عن تلك الشعارات، خاصة في ظل التركيبة السياسية التي تتضمنها التشكيل الوزاري للدكتور عادل عبد المهدي ومدى التزام تلك القوى ببرنامج وطني لا يكون تكراراً لنمط التفاعلات السياسية السابقة، التي أدت لعديد من الأزمات والمشكلات التي واجهة العراق ولازالت محتدمة في السر . وشكلت نتائجها مفاجأة وصدمة لبعض الشركاء داخل تلك القوائم والتحالفات وللناخبين وللمتابعين على حد سواء، وبدأ ابناء الشعب يعدها نوع من تخدير للناخبين ولسان حالهم يقول” حذاري …حذاري من جوعي ومن غضبي “*، تمخض عنه نوع من الشراكة والتعديل الصوري عن طريق إشراك جزء من المكون السني والقومية الكوردية من أجل تشكيل حكومة قائمة على التوافقات والمصالح والمغانم في تقاسم السلطة،
فالقوى الشيعية اعادت تجميع نفسها على اساس طائفي، واجتمعت بتسميات الاولى البناء ، والثاني الاصلاح والاعمار ، والقوى السنية حاولت الى الاعلان عن تحالفها في كتلة برلمانية واحدة ولكن لم يتم الاتفاق بسبب الخلافات الحادة التي دفعتهم للتشتت او لزيادة المكاسب وقد انقسموا الى مجموعتين احدهما انضمت الى البناء والفتح والاخرى الى الاصلاح وسائرون للتفاوض مع الكتلة الشيعية الأكبر بشأن تشكيل الحكومة الجديدة والتي لم تعرف من هي تلك الكتلة . وبذلك تأطرت سلوكيات تلك القوى الشيعية والسنية بأطار طائفي ، عدا القوى الكردية التي كانت أكثر صراحة وصدقا حينما وعدت جماهيرها بانها تهدف لتحقيق المصالح القومية لشعب كردستان عبر الحضور بقوة في بغداد! وقد ثبت ان القوى والتحالفات الانتخابية ذاهبة باتجاه المحاصصة الطائفية والحزبية بلباس جديد ، الامر الذي يدلل على انها مكبلة بقيودها ولايمكنها التحرر منها، وبالتالي هي تسير نحو فقدان ناخبيها بسبب الخداع والمراوغة و عدم رضى الشارع العراقي على تحالفات تأخذ طابعا توافقيا ومحاصصيا بالنسبة لتشكيل الحكومة وتوزيع المناصب .
وليس بجديد او غريب على الفاعل الاقليمي الذي لايريد للحكومة الجديدة ان تكسر قيود المحاصصة لتبقى ضعيفة وتحقق مصالحه ، فهو يعمل ويتدخل بما يحقق اهدافه، ولكن لابد من المواجهة بحزم وبارادة وطنية تجسد ثقة الجماهير التي تنتظر بناء الدولة وتجاوز مخلفات الحرب على الارهاب ودعم المؤسسات الامنية والعسكرية في توفير مستلزمات العمل للدوائرالخدمية والاسراع في انجاز مهامها وفي عودة النازحين الى مدنهم بعز وكرامة وتوفير الحماية لمدنهم واعادة بنائها . ونرى ضرورة استغلال المرحلة الحالية للمواجهة الاطراف الاقليمية التي تحاول اللعب على وتر الارهاب للضغط من جديد في العودة الى سنوات القاعدة وداعش والعصابات المجرمة ، وبالعكس من ذلك التقرب الى الدول الصديقة التي وقفت الى جانب الشعب العراقي لرد عدوان الارهاب والدفاع عن المقدسات .
*من قصيدة للشاعر محمود درويش