منذ الرابع والعشرين من ايلول 1999 (يوم مغادرتي للعراق) لم ار جنازة محمولة على سيارة تكسي او سيارة خاصة في الشارع .. لا في عمان الاردن ولا في الامارات ولا في لندن او امريكا .. وبالتالي لم اسلم على اي جنازة منذ ذلك الوقت
**
بالامس عدت من المستشفى الخاص بالامراض السرطانية في العين وكانت امامي لافتات لطريق صحراوي يفضي الى مكان او منتجع يحمل اسم (باب الشمس) .. التفت نحو ابنتي وقررنا الذهاب لرؤية المكان .. رأينا اسطبلات خيول كثيرة وعزب هجن (الاماكن التي يحتفظون بها بهجن السباقات) على الطريق.. وفي احدى المنعطفات ومغيب الشمس يفرش جناحه في الفضاء .. نسيت المكان وخلتني في احدى طرق العراق .. وتخيلت اني سأرى احدى جنائز شهداء يوم اول امس .. باتجاه النجف او باتجاه القلب او باي اتجاه كان في العراق .. كان عبق الصحراء المحيطة يوغل في نسياني للمكان وانتقالي تماما الى العراق ..
**
احدى الصديقات تصر في كلامها معي على ان العراقيين على شاكلتين .. شاكلة اجتثت جذورها من العراق عندما غادرت المكان وصارت من منتجات البلد المضيف الجديد .. فحتى الاولاد والاحفاد باتوا من جنسيات المكان الجديد تماما في اللغة والعادات .. ونوع اخر لم يتمكن من اقتلاع جذور القلب من عراق ما بات هو نفسه العراق ذاك ابدا .. الا ان الذاكرة تعيشك يوميا في المكان وتلح عليك رائحة الالفة القديمة .. انت تعلم بان وطنك بات حقل الغام للموت وان الداخل اليه مفقود والخارج مولود .. انت تعلم بان مجرد رجوعك قد يعني قرار اعدامك لانك لا زلت مطلوب لدى التحالف البعثي – القاعدي الجديد الذي يسد عين الشمس في العراق اليوم .. انت تعلم .. كل هذا .. ومع ذلك فالقلب لا يزال في العراق بكل الوانه البهيجة والسوداء معا ..
**
ونعود الى سيرة الجنائز ويطالعنا اتهام رئيس مؤتمر صحوة العراق أحمد أبو ريشة، الحكومة العراقية بالوقوف وراء التفجيرات التي طالت العاصمة بغداد، وأكد أن لها أهدافاً سياسية ويراد منه اثارة الفتنة الطائفية، مشيراً إلى أن متظاهري الانبار فتحوا مركز تبرع للدم في الرمادي والفلوجة لضحايا التفجيرات.
ممتاز فتح المركز ونتمنى ان صح الامر ان تكثر مثل هذه المبادرات في كل انحاء العراق ..
اما اتهام الحكومة بالتفجيرات فمردود على قائله ..
المتهم .. بكسر الهاء .. اي احمد ابو ريشة يعرف افضل من غيره بصمات اصابع القاعدة عندما تدوس على مشهد ما .. وهذا ما تعلمته الصحوات وغيرها من الامريكان عندما كانوا في ظهرانينا .. التفجيرات (السينكرنايزد) اي المؤقتة بدقة الواحدة وراء الاخرى في اكثر من مكان هي من الامور التي يصعب تنفيذها الا على القاعدة لانها لعبتهم الاجرامية التي يتقنوها .. وابو ريشة وغيره يعلم بان تحالف القاععدة مع البعثيين قد اخرج لنا بعبع جديد باموال وامكانيات جديدة تعيش على دماء الخلافات الجديدة والمظاهرات .. وتشجع المتظاهرين على رفع المزيد من الشعارات الطائفية المخيفة وتوزهم ايضا على المضي نحو بغداد لاشعال نار فتنة تشبه النار التي كانت موقدة ابان اعوام ال 2005-2007 ..
صدق ابو ريشة عندما قال بان “التفجيرات التي حدثت في العاصمة بغداد يراد منها العودة الى الفتنة الطائفية والعودة الى المربع الاول، ولكننا منتبهون لهذا الموضوع ولن نسمح للطائفيين بأن يشقوا صفوفنا” فهل كان يقصد بالطائفيين القاعدة ام الحكومة ؟؟
القصد كان الحكومة لان الاتهام صريح وواضح .. الا ان السهم ضرب بالاتجاه الخطأ هذه المرة ..
**
لست من الذين يدافعون عن الحكومة او الكتل السياسية العراقية ولست معنية بسياساتهم الا فيما يتعلق الامر بسوء الادارة والرشاوى والسرقات .. ولكن ان نتهم الحكومة بما لم تفعل فهذا كثير في عراق سيتحول فيه ماء النهر الى دم ان لم نحاول ان نرأب هذا الصدع الحاصل وبسرعة..
**
وصدقت بصمة الاصبع .. فها هو تنظيم دولة العراق الإسلامية يعلن عن مسؤوليته فيما يخص التفجيرات التي شهدتها بغداد يوم الأحد وراح ضحيتها ثمانية وعشرون شخصا.وقال التنظيم الذي يعتبر جزءا من تنظيم القاعدة “إن تلك العمليات هي انتقام للإضطهاد الذي يعاني منه سنة العراق في ظل الحكم الحالي ذي الأغلبية الشيعية.”
كذبوا والله .. فهو انتقام من العراقي اي كان ولا دخل لشيعي او سني في الموضوع .. فالقاعدة وكل اذنابها لا مذهب لهم..
**
ويستمر منبع الدم يفور في بلدي والناس في همهم غارقين ..
ترى هل سيأتي زمان على بلدي .. لن يكون فيه بشر حاضر ليسلم على جنازة تمر ما بين القلب وشرايينه؟؟؟
عجبي