خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعدما فعلته بـ”فرنسا”، تتعرض “إيران” لتهمة جديدة من نفس النوع، ولكن هذه المرة من “الدنمارك”، حيث أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الدنماركية، “آن مولر إيغي”، صباح الثلاثاء 30 تشرين أول/أكتوبر 2018، أن السلطات الدنماركية تشتبه بتخطيط جهاز استخبارات إيراني لتنفيذ هجوم على أحد الأفراد في “الدنمارك”.
وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الدنماركية أن الهجوم كان يستهدف زعيم فرع “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز”، والتي تطالب باستقلال “إقليم خوزستان” عن “إيران”، وتصنفها “طهران” كـ”حركة إرهابية”.
استدعاء السفير الدنماركي بطهران..
فور الإعلان عن الحادث؛ قال وزير الخارجية الدنماركي، “أندرس سامويلسين”، في تغريدة على حسابه الخاص على (تويتر)، إن بلاده “سترد على إيران”.
وفي مؤتمر صحافي عقد من أجل الحادث، قال وزير الخارجية الدنماركي: “قررت استدعاء سفير الدنمارك لدى طهران لإجراء مشاورات. الدنمارك لا تقبل بأي حال من الأحوال أن يخطط أشخاص على علاقة مع الاستخبارات الإيرانية لإرتكاب إعتداءات ضد آخرين في الدنمارك”.
مضيفًا أن بلاده ستضغط لفرض عقوبات جديدة من جانب “الاتحاد الأوروبي” على “إيران”، بسبب محاولات المخابرات الإيرانية شن الهجوم ببلاده.
وأبدى “سامويلسين” قناعته بأن “الحكومة الإيرانية وراء محاولة الهجوم في الدنمارك”.
وفي الوقت ذاته استدعت “كوبنهاغن” السفير الإيراني لديها، “مرتضى مراديان” على خلفية هذه القضية، وفقًا لبيان صادر عن “سامويلسين”.
القبض على ثلاثة إيرانيين..
وفي نفس المؤتمر؛ قال رئيس الاستخبارات الدنماركية، “فين بورش أندرسن”، أنه في عملية استخباراتية إيرانية هدفت في نظرنا إلى التحضير لإعتداء في “الدنمارك”، وتم القبض على ثلاثة إيرانيين، يشتبه بإنتمائهم إلى حركة “النضال العربي لتحرير الأحواز”.
واعتقل نرويجي من أصل إيراني، في 21 تشرين أول/أكتوبر 2018، في “السويد”، وفق الاستخبارات السويدية، وتم توقيفه بعد الإشتباه بأنه أعد الهجوم، وتجسس لحساب “إيران”.
ونهاية أيلول/سبتمبر الماضي، اتهمت “إيران”، الدنمارك وهولندا وبريطانيا؛ “باستضافة عدد من أفراد المجموعة الإرهابية” التي تُحملها “طهران” مسؤولية إعتداء الأهواز.
وفي 22 أيلول/سبتمبر 2018، قتل 24 شخصًا بأيدي مجموعة مسلحة من خمسة أشخاص، أطلقت النار على عرض عسكري في “الأهواز”، عاصمة محافظة “خوزستان” الإيرانية ذات الغالبية العربية، وتبنى تنظيم (داعش) الإعتداء، وكذلك مجموعة عربية انفصالية.
ويأتي ما أعلنه رئيس الاستخبارات الدنماركية؛ بعد أسابيع من تكهنات تداولتها وسائل الإعلام إثر شلل جزئي شهدته “الدنمارك” في 28 أيلول/سبتمبر الماضي.
وأغلقت، في اليوم المذكور، الجسور بين مختلف الجزر في البلاد ومع “السويد” لبضع ساعات، بسبب قيام مئات الشرطيين والجنود بمطاردة مشتبه به، وأقر رئيس الاستخبارات، الثلاثاء، بأن الهدف مما حصل كان الحول دون تنفيذ الإعتداء الإيراني.
إيران تنفي صلتها بالعملية..
بدوره؛ نفى المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، “بهرام قاسمي”، بشدة أي صلة لـ”طهران” بالعملية الفاشلة التي استهدفت معارضًا في “الدنمارك”، مؤكدًا أن هذه المزاعم تأتي في سياق النيل من العلاقات الجيدة بين “إيران” و”أوروبا”.
وأفادت وكالة (مهر) للأنباء، أن “قاسمي” وصف هذه المزاعم بأنها استمرار لمؤامرات الأعداء ودسائسهم الهادفة للنيل من العلاقات الجيدة والمتنامية بين “إيران” و”أوروبا” في الظروف الحساسة الأخيرة.
نهج إيراني لاستهداف “الثوار الأحواز”..
من جانبه؛ قال الدكتور “عارف الكعبي”، رئيس اللجنة التنفيذية لإعادة شرعية دولة الأحواز العربية، إن محاولة اغتيال رئيس “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” في الدنمارك، “حبيب جبر”، تشكل نهجًا للنظام الإيراني في استهداف الثوار والنشطاء الأحواز، وهي تعمل دائمًا على اغتيال الأصوات الأحوازية من أجل إنهاء القضية.
وقال “الكعبي” إن عملية الاغتيال الفاشلة لناشط أحوازي في “الدنمارك”، والتي تأتي بعد أشهر قليلة، حيث حاولت استخبارات النظام الإيراني استهداف المؤتمر السنوي لـ”مجاهدي خلق”، في تموز/يوليو الماضي، وهو ما يشير إلى نهج النظام الإيراني في اغتيال كل الأصوات الداعية إلى الحرية.
مضيفًا إن “إيران” تعمل بشكل دائم وممنهج على اغتيال المعارضين الأحوازيين، من أجل قتل “القضية الأحوازية” ودفنها، فقد اغتالوا الناشط، “أحمد مولى”، أمام “محكمة العدل الدولية” في مدينة “لاهاي”، في تشرين ثان/نوفمبر الماضي.
وأضاف الناشط الأحوازي، أننا نؤكد أن الأحوازيين يستمرون في نضالهم من أجل الحصول على حريتهم وتأسيس دولتهم.
وطالب “الكعبي”، الدول الأوروبية، والمجتمع الدولي بـ”التدخل لوقف التهديد الإيراني بقتل النشطاء الأحوازيين خارج الأحواز”، مضيفًا أن هناك مخططًا موجودًا لتصفية كل الناشطين الأحواز.
عرض القضية على القضاء الدنماركي..
وفي اتصال أجرته (العربية. نت) بالمتحدث باسم “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” في الدنمارك، “يعقوب حر التستري”، الذي كشف بعض حيثيات هذا الحدث.
أكد “التستري” أن ما أحبطه الأمن الدنماركي كان محاولة لاستهداف رئيس “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” في الدنمارك، “حبيب جبر”.
وعند سؤاله: هل تعتبر هذه الخطة تكملة للخطة التي أدت إلى اغتيال “أحمد مولى”، (الذي كان أحد زعماء “حركة النضال” أيضًا)، العام الماضي في “هولندا” ؟.. رد “التستري”: “إيران لم تتوقف يومًا عن مؤامراتها ضد شعبنا العربي الأحوازي ونشطائه، وهذا سيستمر، خصوصًا أن قضيتنا ونضال شعبنا تصاعد الآن بشكل كبير. لكن بكل تأكيد هذا لن يثني حركة النضال وبقية تنظيماتنا من المضي قدمًا لرفع الظلم والإضطهاد عن شعبنا وحقه في تقرير مصيره”.
وكشف “التستري” أن الحركة تعاقدت مع مكتب محاماة دنماركي “ليتم تجهيز ملف قانوني بناء على المعلومات المؤكدة المتوفرة عن دور النظام الإيراني في هذا الهجوم الفاشل لعرضه على القضاء الدنماركي”.
حث الدول الأوروبية لأخذ موقف مشترك..
وعند سؤاله عن الإجراءات المتوقع أن تتخذها “الدنمارك” في هذه القضية؛ قال “التستري”: “الدنمارك أعلنت رسميًا أنها ستتحرك لحث دول الاتحاد الأوروبي لأخذ موقف مشترك ضد النظام الإيراني لدوره المباشر في هذه العملية التي تم إحباطها. كما وجّه رئيس جهاز الأمن الدنماركي تحذيرًا شديد اللهجة للمخابرات الإيرانية من مغبة تكرار أي محاولة من هذا النوع”.
وأنهى المتحدث باسم “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” حديثه قائلاً: “العملية الفاشلة التي تم الكشف عنها هي نهج إيراني ثابت تجاه مطالب شعبنا الأحوازي العادلة، ومطالب الشعوب غير الفارسية الأخرى، وتبين مرة أخرى أن الدولة الإيرانية لا تملك حلولاً أخرى غير ممارسة الإرهاب ضد المطالب العادلة”.
الحركة: نشأتها وأهدافها..
تجدر الإشارة إلى أن “الحركة العربية لتحرير الأحواز”؛ حركة انفصالية يقودها “محمد حسين” من “أوروبا”، تم إنشاؤها في عام 1980، بعد أشهر من اندلاع الحرب بين “العراق” و”إيران”.
وتفيد تقارير عدة بأنها حركة مسلحة، وتؤكد في بياناتها على سعيها لتحرير “الأحواز العربية” من القبضة الإيرانية.
وتخضع “منطقة الأحواز” للسيطرة الإيرانية منذ عام 1925، عندما اتفقت “بريطانيا” مع الشاه الإيراني، “رضا بهلوي”، على إقصاء أمير الأحواز وضم المنطقة إلى “إيران”.
ومنذ ذلك الحين؛ اندلعت في “الأحواز” عشرات الثورات التي كان مصيرها الفشل، فيما أطلقت حركات معارضة تطالب بالانفصال يتمسك بعضها بحقها في الدفاع اللاسلمي.
وتبنت إحدى الحركات المسلحة النشطة في الإقليم، الذي تسكنه غالبية عربية، هجومًا في 22 أيلول/سبتمبر 2018، أسفر عن مقتل 29 شخصًا وإصابة 60 آخرين معظمهم من “الحرس الثوري”.
قرار أوروبي بمحاصرة سلوك إيران العدواني..
حول دلالات الخطوة الدنماركية؛ يقول المتخصص في الشأن الإيراني، “د. محمد أبو النور”، في مقال على موقع (العين) الإخباري، أن تلك الخطوة الدنماركية، إلى جانب خطوات أخرى مماثلة سابقة، إتخذتها الحكومة الفرنسية، في بداية الشهر الراهن، وخطوة ثالثة إتخذتها الحكومة الألمانية العام الماضي، تعني أن “أوروبا” إتخذت قرارًا ـ بما يشبه الإجماع ـ بمحاصرة سلوك “إيران” العداوني والتخريبي على أراضيها، مع الإشارة إلى عدة نقاط ضوء كاشفة في هذا السياق، موضحًا أن الأزمة سيترتب عليها عدد من الإجراءات العقابية الأوروبية، وليس مستبعدًا أن تنضم “أوروبا” في هذا الظرف إلى اللاعب الأميركي في سياساته العقابية ضد السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال قرار استدعاء سفير الدنمارك لدى “طهران”.
نقاط محاصرة سلوك إيران..
أولاً: إن العامل السياسي تضافر مع العامل الأمني؛ وشكلا نموذجًا لنبذ سلوك “إيران” في “أوروبا”، إذ لا يتم عادة الكشف عن العمليات الإرهابية التي تدار بواسطة أجهزة المخابرات الإيرانية في حينها، لكن أن تذهب “أوروبا” إلى الإعلان عن تلك العمليات، بعد أيام أو أسابيع قليلة من إحباطها، فهذا يصب في زاوية تحليلية مفادها أن “بروكسل”، (باعتبارها عاصمة الاتحاد الأوروبي)، تريد حرمان “إيران” من استخدام مظلتها السياسية في مواجهتها مع الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، أمام الرأي العام الداخلي، على الأقل في المديين القريب والمتوسط.
ثانيًا: كشفت اللهجة الدنماركية، الحادة والحاسمة، عن حالة من الغضب العارم إزاء سلوك “إيران” على أراضيها؛ لذلك تحدث عن الأزمة أرفع المسؤولين في الدولة بمن فيهم رئيس الوزراء، “لارس لوكه راسموسن”، ووزير الخارجية، “أنديرس سامويلسين”.
ثالثًا: يتضح من صيغة البيان الرسمي للخارجية؛ وحديث الوزير في المؤتمر الصحافي، أن “كوبنهاغن” حصلت على دعم أمني وسياسي من العواصم الأوروبية المركزية، ومن ذلك رئيس الوزراء ضمّن في تغريدة له من خلال حسابه الرسمي على موقع التدوينات المصغرة، (تويتر)، دعمًا صريحًا حصل عليه من حكومة “المملكة المتحدة” ورئيسة وزرائها، “تريزا ماي”.
رابعًا: إن الأزمة سيترتب عليها عدد من الإجراءات العقابية الأوروبية، وليس مستبعدًا أن تنضم “أوروبا” في هذا الظرف إلى اللاعب الأميركي في سياساته العقابية ضد السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال قرار استدعاء سفير الدنمارك لدى “طهران”، خطوة مبدئية في سيرورة التصعيد ضد “إيران”.
تستهدف “كش” اللاعب الإيراني في القارة..
وحول تداعيات ما بعد النقلة الدنماركية، قال “أبوالنور”؛ أنه عملاً بقاعدة “أن علاقات التحالف أكثر تعقيدًا من علاقات العداء”، ونظرًا إلى حالة التحالف الظرفي الراهن بين “طهران” و”بروكسل”، فإن التعاطي بين الطرفين يشبه إلى حد كبير لعبة الشطرنج التي إبتكرها “الفُرس” قديمًا، ولأن “إيران” إتخذت قرارًا بعمل “نقلة” هجومية تكسر الثوابت والخطوط الحمراء لدى “أوروبا”، فإن “النقلة” الدنماركية تستهدف “كش” اللاعب الإيراني بالكامل في علاقته مع القارة التي منحته غطاءً سياسيًا يقوي مركزه ويستخدمه في الاستهلاك المحلي الداخلي.
وعليه فإن تلك الواقعة تعد حدثًا مفصليًا في حالة الوئام الظاهر بين الطرفين، ومن المؤكد أن المرحلة المقبلة ستشهد تغييرًا في سلوك “أوروبا” الداعم لـ”إيران”، وتحوله من حالة الوئام إلى الخصام، خاصة أن “إيران” لم تقدم مسوغات حقيقية لتنمية العلاقات؛ بل حتى لم تحافظ على الحد الأدنى من ثوابت العمل مع الأوروبيين.
كما يتضح أن “أوروبا” لن تسمح بتكرار عملية تصفية القادة الأحوازيين على أراضيها، خاصة بعد حادثة اغتيال الناشط والقيادي الأحوازي، “أحمد مولى”، في مدينة لاهاي بـ”هولندا”، في الثامن من تشرين ثان/نوفمبر بالعام الماضي.
خطأ إستراتيجي فادح..
ويرى “أبوالنور” أن “إيران” إرتكبت خطأ إستراتيجيًا فادحًا قبل أيام من الموجة الثانية الموجعة من العقوبات الأميركية، بأن فقدت حليفها الأوروبي نظير عمليات إرهابية لا تغير كثيرًا من قواعد اللعبة، كما يتضح أن تضارب التوجهات لدى أجهزة الاستخبارات في البلاد، (الإطلاعات ـ استخبارات الحرس الثوري)، سبب حالة من التردي المهني أدت إلى سهولة الكشف عن العمليات الإيرانية الإرهابية قبل وقوعها.
رسالة مخابراتية “أوروبية-أميركية”..
من جانبه؛ يرى الباحث في الشأن الإقليمي، “إسلام نجم الدين”، أن الرسالة الدنماركية لـ”إيران” هي عبارة عن رسالة من مجمع المخابرات الأوروبية، ومن ورائها المخابرات الأميركية، أننا نعلم الشركات والغطاءات التي تتعامل بها مخابراتكم ومخابرات “الحرس الثوري”، بل إن مجموعات المعارضة الإيرانية في “أوروبا” تحصل على حماية ودعم الأجهزة الأوروبية، وأن أي حالة استهداف هو تأكيد على صحة الموقف الأميركي، وأن الأوروبيين لن يسمحوا بالعبث الإيراني في أراضيهم، بل على استعداد لمواجهة التكتيكات الإيرانية وقص أظافر الاستخبارات الإيرانية في “أوروبا” واستهداف قياداتها بالمنع وحجز الأموال وإغلاق الشركات وحصار “إيران” بالتعاون مع “الولايات المتحدة”.
وزاد “نجم الدين” على أن تلك التحذيرات بمثابه حرب استخباراتية ستواجهها المخابرات الإيرانية والجاليات الإيرانية في “أوروبا” بوضع كل أنشطتها استخباراتيًا قيد المتابعه على مستوى “أوروبا”، وهو ما سيشل عمليات تمويل “الحرس الثوري” و”المخابرات الإيرانية”، لا سيما مع نشاط مكثف للاستخبارات الفرنسية في نفس الملف.