8. الحكمة الاجتماعية
وهذا يتعلق أيضا على الأغلب وبشكل خاص بالأحكام الشرعية لكل دين، فإذا كانت تتعارض مع مفهوم الحكمة الاجتماعية أو العقل العملي أو العقلانية، بشكل قاطع، وإذا ما كثرت الأحكام التي تتقاطع مع هذا المبدأ، فستكون هذه نقطة أساسية تُسجَّل على ذلك الدين، وتكون مبررا معقولا ومحترما لإثارة الشكوك حوله. ولكن هذه المفردة لا يقتصر بحثها على الأحكام، بل يشمل أيضا سيرة الأنبياء وعموم المعصومين المختارين والمكلفين من الله سبحانه، عندما نراهم يسلكون – حسب الظاهر – سلوكا يبتعد عن قواعد الحكمة، ونفس الشيء يقال عن مجانبة العدل. وإذا وُجدَت سلوكيات للأنبياء تبتعد عن العدل في العهدين القديم والجديد، ربما لا نجد مثل ذلك، وبنفس الوضوح، في القرآن، لكننا قد نجد سلوكا يمكن من الوهلة الأولى الحكم عليه، بأنه لا يتناسب مع العصمة، أو لا أقل مع العقلانية والاستقامة والعدل بمستوى مقبول لمثل هذا الدور الخطير المكلف به من الله، والتي من لوازمها التحلي بالحكمة بمستوى فوق المتوسط على أقل تقدير. لذلك يجب دراسة هذه الحالات، وعدم التحسس من إثارتها، وعدم الاقتصار على تفسيرها تفسيرا تبريريا، لأن التبريرية تقنع البسطاء، لكنها لا تقنع العقلاء والأذكياء، وأصحاب العمق في الوعي، والتوقد في الذهن، والقدرة على التأمل والمطالبة بالدليل المقنع. وهناك مؤشرات كثيرة على عدم الحكمة في سلوكيات بعض الأنبياء، مثل إبراهيم وموسى، وسيأتي الكلام عن ذلك في مكان آخر.
9. المثل الإنسانية أو الضرورات العقلية الأخلاقية
لا يمكن لدين أن يكون دينا حقا، أي إلهي المصدر، عندما تكون أحكامه متقاطعة بشكل حاد وواضح لا شك فيه ومتكرر مع المبادئ والقيم والمثل الإنسانية والأخلاقية، أي متعارضة مع ضرورات العقل الأخلاقية، من المساواة في صيانة كرامة الإنسان وحرياته وحقوقه، وغيرها من القيم الإنسانية كالسلام والعفو والتحابّ والتعاون على قيم الخير. وذُكر ذلك في سياق الكلام عن عدم التعارض مع ضرورات العدل الاجتماعي، إلا أنه كان من اللازم إفراد تناول عدم التعارض مع ضرورات العقل الأخلاقي، في مقابل العقل الفلسفي، فالأول يبحث في الصواب والخطأ، بينما هذا يبحث في الحسَن والقبيح، أو الطيب والخبيث، أو الخيِّر والشِّرّير. فمن غير المعقول أن يُنسَب دين إلى الله سبحانه وتعالى، إذا ثبت تعارضه مع ضرورات العقل الأخلاقي، فيُحسِّن القبيح، ويُقبِّح الحسن.
…