وَيَزيدُهمْ أبْدى الشّمَاتةَ هازئاً ويظـنُّ أنّكِ تخْنعـينَ بِلا حما
فوقفتُ كالجبلِ الأشمِّ أمَامَهُ بعظيمِ قوْلٍ كالوصيِّ إذَا رَمَى
فكأنّكِ الكرّارُ يخطِبُ في الملا وجعلتِ حكمَ الفاسقين مُهدّما
كانت زينب بالنسبة لنساء الدنيا مثلما كان الحسين للإنسانية جمعاء، فهي منذ ولادتها رضعت من ثدي الرسالة وارتوت من رحيقها وتعطَّرت بأريجها، كيف لا وهي سليلة النبوة والإمامة وأختها وأمها، ورثت ذلك من أمها سيدة النساء فكما أنَّ الزهراء -عليها السلام- كانت أم أبيها كانت زينب أم أخيها..
وُلِدَت الحوراء زينب -عليها السلام- و وُلِدَت معها المآسي والمحن، لكنها كانت جبل الصبر الشامخ، واللبوة المناصرة للحق، والعفة المثالية، ولو لم يكن إلا مواقفها في كربلاء لكفى شاهدًا على عظمة زينب وسموّها، فقد كانت شمس كربلاء مثلما كان العباس قمرها، وكانت شريكة الحسين مثلما كان العباس عضده، كانت بطلة كربلاء مثلما كان الحسين ضرغامها وشهيدها الخالد.
تُقدم فرس المنية لأخيها، وعندما أستُشهِد أسرعت الى حيث مصرعه، جعلت تطيل النظر إليه، فوضعت يدها تحت جسده الطاهر المقطع ورفعته نحو السماء وهي تدعو: (اللهم تقبل منا هذا القربان)، ياله من دعاء كبير وعظيم في محتواه ومغزاه، وقبل تقديم الفرس له وبين رفع الجسد حكايات ومواقف من نور ينحني لها المجد، ويسجد على أعتابها الشموخ، وتكل الألسن عن وصفها، ويجف المداد وتعجز الاقلام عن إحصائها..
لم تنتهِ حكايات ومواقف زينب الصبر والإباء، فبعد واقعة الطف كانت قائدة الثورة فأكملت الدور العظيم بكل جدارة، رغم جراحات الطف النازفة، وآلام الأسر والسبي القاسية، فكانت زينب صوتُ الحسين الذي زلزل عروش الظالمين.
زينب رسالة الدوحة المحمدية، والمحجَّة الحيدرية، والشجرة الفاطمية، وأيقونة النهضة الحسينية، عكست وجسدت الدور الرسالي والأخلاقي الإنساني الذي ينبغي أنْ تقوم به المرأة، فأظهرت بمواقفها مكانة المرأة في الإسلام ودورها الريادي، لتضع حجرًا يُلقِم الأفواه والعقول المتحجرة التي بخست حق المرأة في ممارسة دورها في بناء المجتمع وصناعة الحياة، وألجمت الأصوات النشاز التي تتهم الإسلام الإلهي بتحجيم دور المرأة ومصادرة حقوقها وحريتها.
زينب القدوة والمثل الأعلى والأسوة الحسنة للزينبيات الناصرات في عراق الحسين والحضارات، اللواتي كان لهنَّ الحضور المميز والمواقف المشرفة في كل مجالات الحياة في بلاد الرافدين، فها هي اليوم المرأة العراقية تشارك أُختها وقدوتها زينب –عليها السلام- في مصابها، وتحيي الشعائر الرسالية في الزيارة الأربعينية بكل قنواتها الفكرية والروحية والأخلاقية والتربوية والخدمية، متخذةً من مجالس (شور منهج آل الرسول) التي تقيمها مكاتب المرجع الصرخي مُنطلقًا أساسيًّا لممارسة دورها الرسالي وإيصال رسالتها المتمثلة بالتقوى والإعتدال والوسطية لتقول للعالم: هنا زينب الفكر والعفّة والبطولة والصبر والتضحية والفداء والعطاء.