في تطورات متسارعة في العالم ، تعلن الصين التصعييد والاستعداد لحرب شاملة مع أمريكا التي تهدد الأمن الصيني ببحر الصين الجنوبي والجنوبي الشرقي وتايوان ، وبدون سابق انذار ايضاً يعلن دونالد ترامب خروج بلاده من «معاهدة تصفية الصواريخ المجنحة» الموقعة مع موسكو منذ ثلاثين عاماً ،بسبب “انتهاك” الأخيرة لها “حسب ادعاء ترامب “، ويرد على ذلك بوتين بالتهديد أن بلاده قد تستهدف البلدان الشرق أوروبية التي تنتشر بها صواريخ أمريكية “تهدد الأمن الروسي ” ،وهنا يبدو واضحاً ان نتائج قمة – ترامب – بوتين ،التي كانت منتظرة ان تترجم على ارض الواقع بعد قمة هلسنكي بات من المؤكد أنّ السمة الواضحة لنتائج هذه القمة والتي باتت منظورة للجميع ،تؤكد استمرار الخلافات مايؤكد استمرار الصراع الروسي الصيني – الأمريكي ، ولا يمكن لأي متابع أن ينكر “تحديداً “مدى وحجم الخلاف الدائر حول أوكرانيا وملفات المنطقة العربية وإيران وملفات عدة تتصدر اولوياتها توزيع مناطق النفوذ بين واشنطن وموسكو، بعض المتابعين يدركون جيداً أنه في هذه المرحلة تحديداً فإن الدولتين كلتيهما الروسية والأميركية تعيشان الآن في حالة حرب سياسية ساخنة جداً قد تتطور مستقبلاً إلى صدام عسكري مباشر “والمطلوب كان من تلك القمة فقط هو محاولة ضبط ايقاع الخلافات حتى لاتصل لدرجة الأشتباك العسكري المباشر “ولامانع من حدوثه عسكرياً بين الحين والاخر بحال الضرورة من خلال الوكلاء بعيداً عن الجغرافيا الأمريكية والروسية والصينية”، وهذا الشيء ينسحب أيضاً على الصراع الاقتصادي- التجاري الدائر اليوم بين واشنطن وبكين، الذي قد يتطور مستقبلاً إلى صراع سياسي – عسكري كبير.
الأوروبيون بدورهم يدركون ويعون حجم هذه الخلافات ،ويدركون جيداً ايضاً ان هدف تلك القمة كان هو فقط ضبط ايقاع الخلافات الروسية – الأمريكية – الصينية ،حتى لاتتطور لنزاع عسكري سيفرض عليهم أن يكونوا جزءاً منه ،”لأنهم بدورهم حاولوا قدر الإمكان التخفيف من حدة التوترات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين واشنطن من جهة وموسكو وبكين من جهة أخرى ،وهذا الأمر ينسحب أيضاً على بريطانيا التي توترت علاقتها بالفترة الأخيرة مع روسيا ،فهي الأخرى تريد لهذا التوتر بينها وبين روسيا أن يبقى بأطار سياسي “مرحلياً ” ولاتريد بالمطلق أن يتطور لصراع عسكري ، لأنها تدرك جيداً أن أي صراع عسكري روسي صيني – غربي ،ستكون نتائجه كارثية على الجميع .
وعندما نتحدث عن حقائق الخلافات بين الروس والصينيين من جهة والأمريكان من جهة اخرى والتي يدركها الأوروبيون جيداً ،فهذه الخلافات كادت أن تتطور بالمرحلة الأخيرة لصدام عسكري “نووي – كارثي “مباشر “وهي مازالت مرشحة لليوم لهذا التطور ” ،وخصوصاً عندما هدد بوتين بالرد على أي هجوم أمريكي عسكري نووي يستهدف موسكو أو حلفائها ” وهذا الملف بذاته هو من دفع نحو عقد القمة بين ترامب وبوتين ،فالأمور كادت أن تنفلت من ايدي الجميع ،وتتطور نحو سيناريو عسكري كارثي سيشمل القارة الأوروبية بمجموعها وستكون من أهم مسارح هذا الصراع العسكري ،فالقمة وكما تحدثنا كان هدفها ضبط ايقاع الخلافات بين الروس والأمريكان،وهذا لم تنجح به .
الأوروبيون ،بدروهم يعون جيداً بأن الخلافات الروسية – الأمريكية ،لايمكن أن تحل بقمة رئاسية ولابمجموعة قمم وأن نهايتها “ستكون المواجهة العسكرية المباشرة “،ولكن هم يسعون قدر الأمكان لتأخير هذه المواجهة ويحاولون ضبط أيقاعها ، رغم ان الروس والصينيين بهذه المرحلة تحديداً ، وأكثر من أي وقت مضى اصبحوا بشكل اكثر واقعية تحت مرمى وتهديد مشروع امريكا ، فالروس اليوم باتوا بين مطرقة الدرع الصاروخية الأمريكية التي باتت بحكم الواقع قريبة من الحدود الروسية، وتشكل خطراً محدقاً بأمن المنظومة العسكرية الروسية ،وخطر خسارة اوكرانيا لصالح الغرب، واحتمال فقدها لكثير من مناطق نفوذها بالشرق الاقصى والشرق الأوروبي وبالشرق العربي، وسندان تقويض جهودها التوسعيه والوصول إلى مناطق ومراكز نفوذ جديدة والاستغناء عن مراكز نفوذها القديمة لصالح القطب الاوحد الأمريكي والانكفاء على نفسها ، وليس بعيداً عن كل ذلك الملف السوري وغيره من الملفات وخصوصاً الثروات الطبيعية وملفات حقول الطاقة بالدول التي تتحالف مع الروس “الثروات الطبيعية الايرانية- كمثال” ، ومن جهة اخرى يدرك الروس حجم المؤامرة الأمريكية ، والتي أفرزت ما يسمى “بحرب النفط” ، والتي تستهدف اركاع القوة الروسية ، والحد من تصاعد النفوذ الروسي بالاقليم العربي.
وهنا وعند الحديث عن الصين أيضاً، فـ الأوربيون بدورهم يدركون حجم الخطورة التي ستفرزها الضغوطات الأميركية والعقوبات الاقتصادية على الصين، وخصوصاً بعد تجميد الحلول السياسية «مرحلياً» بخصوص ملفي بحر الصين الجنوبي وتايوان، فالأوروبيون يدركون أنّ النظام الأميركي الرسمي وحلفاءه في الاقليم الاسيوي المحيط بالصين يستعمل سلاح الممرات البحرية والمعابر الدولية ومناطق النفوذ والتهديد الأمني كورقة ضغط على النظام الرسمي الصيني، للوصول معه إلى تفاهمات حول مجموعة من القضايا والملفات الدولية العالقة بين الطرفين ومراكز النفوذ والقوة والثروات الطبيعية وتقسيماتها العالمية ومخطط تشكيل العالم الجديد وكيفية تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى على الصعيد الدولي، وعلى رأس كلّ هذه الملفات هو الوضع ببحر الصين الجنوبي، ومن هنا أدرك الصينيون مبكراً أنّ أميركا وحلفاءها في الاقليم الاسيوي يحاولون بكلّ الوسائل جلب النظام الرسمي الصيني وحلفاءه إلى طاولة التسويات المذلة، ليتنازل الصينيون وحلفاؤهم عن مجموعة من الملفات الدولية لمصلحة بعض القوى العالمية وقوى الإقليم الآسيوي، ولذلك قرروا الذهاب نحو رفع سقف التهديد بالخيار العسكري ضد واشنطن في الفترة الأخيرة ، وبالطبع بالتنسيق مع الروس .
وهذه الضغوط التي تمارسها واشنطن على موسكووبكين ، يعرف الأوروبيون أن الوصول إلى مسار تفاهمات حولها بين الروسي والأمريكي بهذه المرحلة هو “شبه مستحيل ،فهذه الملفات تحتاج إلى تفاهمات “كبرى “((لايريدها الأمريكي بالمطلق ))” وهنا من الواضح أن هناك جملة من التعقيدات الأمريكية التي تمنع الوصول إلى هذه التفاهمات، هذه التعقيدات تدفع نحو تأكيد صعوبة بناء وثيقة تفاهم أمريكية – روسية صينية ،قادرة على ضبط إيقاع الصراعات الدولية بما ينعكس على حلول سريعة لمعظم الأزمات المحلية والإقليمية والدولية.
ختاماً، من المؤكد أن أزمات وصراعات الروس والصينيين والأمريكان ، لن تستطيع أي قمة بين ترامب – بوتين ،وضع أي حلول لها ، فالعالم بمجموعه بدأ يتجه نحو سباق تسلح “غير معهود ” ، وسط فقدان قدرة العالم على الرقابة على هذا التسلح ونوعية وكمية هذا التسلح ، ما يؤكد أن العالم يسير بخطى متسارعة نحو حرب عالمية ثالثة”نووية -بيولوجية” ،”والأمور تكاد تنفلت من عقالها” أو بالأحرى أنها انفلتت ” .