مارية: أليسَ الحُسين إبنُ بنت نبيِكم؟
تبرز الحاجة لأهمية تسليط الضوء على الدور الإعلامي، بجانب الدور الرسالي الذي أدته المرأة، بواقعة الطف ومابعدها، فحين تواجه حرباً تضليلة من قبل الأعداء، ليوهموا العالم بأحاديثهم الزائفة، أن مسير الإمام الحسين لكربلاء، يعد خروجاً على طاعة الخليفة كما يدعون، ولكن أن تقف إمرأة ومن أصول قبطية بالضد، لتثبت للمأزومين صدق نوايا الإمام، بأنه خرج لطلب الإصلاح في أمة جده (صلواته تعالى عليه وعلى آله) ومارية بنت منقذ العبدي، هي مَنْ وقفت هذا الموقف الكبير.
شاءت الإرادة الإلهية أن تقف هذه السيدة البصرية، لتأخذ دورها في قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، قبل إستشهاده مدركة حجم الثورة التي سيقودها، ولتعيش كربلاء خالدة على مر العصور وكر الدهور، كما أن زوجها وأولادها إستشهدوا بواقعة الجمل، مضافاً عليه أن جدها وأبوها من النصارى الأقباط، أعلنوا إسلامهم وشهدوا بيعة الغدير، وأبرز ما يميز مواقف هذه السيدة، أنها وضحت للأمة أن الحسين ليس للمسلمين فقط، بل هو تتمة رحمة محمدية علوية، نزلت من السماء للإنسانية جمعاء.
يروي المؤرخون أنها جمعت أموالاً كثيرة، وأفرغت كيساً مليئاً بالدنانير، وصاحت بأهل الكوفة: خذوا ما تريدون من المال، وإذهبوا الى نصرة مولاي الحسين، لكن عندما وصلتها الأخبار، بشأن مصرع الإمام الحسين (عليه السلام)، وسبي عياله وفرح الطاغية وأهل الشام بمقتله، بقيت جالسة عند باب دارها تردد بلوعة: لستُ أبكي لأمر لي، إنما بكائي للحسين، فقد سمعتُ أنه يستصرخكم ويستنصركم فلم تجيبوه، أوليس هو إبن بنت نبيكم؟ أليس هو أبن الزهراء والمرتضى؟ أليس هو حبيب رسول الله؟
مارية بنت منقذ العبدي سيدة من أهل البصرة، أرملة شهيد وأم لشهداء، لم تخف في الله لومة لائم، فناصرت وجاهدت في سبيل قضية الحسين وكربلاء، بأموالها، ولسانها، وبكائها، لتقف موقفاً مشرفاً، لم يستطع رجال وقوفه في زمن الطاغية آنذاك، وقد أصرت على إقامة العزاء والمآتم، وذكر مصائب آل البيت، حتى لحقت بربها راضية مرضية، لذا كلما علا صراخ لسيدة نصرانية باكية على عذابات المسيح، فلتنذكر صوت مارية النادبة على الحسين: لقد قتلتم إبن بنت نبيكم!
أروع حالة التمايز وتوزيع الأدوار بين الرجل والمرأة،هو أن يكون دورها مكملاً له، فقد كان زوجها مجاهداً، مع ولي المسلمين علي (عليه السلام)، ضد المنافقين بواقعة الجمل، حتى إستشهد مع أولاده فإكتمل العقد الولائي، بموقفها المشرف لنصرة الإمام الحسين، ولا شك أن لها موقفاً متميزاً أيضاً مع الإمام الحسن، فهما إماما هذه الأمة، وسيدا شباب أهل الجنة، لتحمل بذلك رسالة واضحة للبشرية، بمكانة المرأة في القضايا المصيرية، خاصة وأن كربلاء من أهم عوامل بقاء الدين والعقيدة.