اليوم وبعد أن أرقني خبر إنتحار إمام وخطيب جامع (شيخ مصطفى) وعمره جاوزالـ70 عاما بإطلاق النار على نفسه داخل الجامع في محافظة أربيل نتيجة لإضطرابات نفسية ألمت به مؤخرا بحسب ما أعلنته وزارة أوقاف كردستان ولما تبدأ التحقيقات بعد ، ما جعلني غير مقتنع كثيرا بهذه – القفلة – لحين الإنتهاء من كشف ملابسات الحادث المريب ، ﻷن العديد من حالات الإنتحار في العراق وبحسب متابعتي المستمرة لها هي جرائم جنائية بمعنى جرائم قتل تدون على أنها إنتحار على طريقة الأفلام الأميركية ، وبعد أن أذن لصلاة العصر جاء رجل متأخرا الى الجامع -عادي جدا – إذ إن مشاغل الحياة كثيرة وأعباءها أكثر ، ومع تأخره حاول أن يصلي بإغواء من أحد المصلين الى جواري في الصف اﻷول وكانت الكهرباء اللاوطنية مقطوعة ،والمولدة السحب عاطلة ، أما المولدة الخاصة فبلابنزين بمعنى أن حرارة المسجد ونحن لم نغادر الصيف بعد – full options – وليس – half options – بقاموس أصحاب معارض السيارات ، وبرغم أن الصف اﻷول – complete – ” ميخالف تحملوني هذه المرة وخلوني أثرم بصل شوية بالانجليزي على طريقة البرامج اللبنانية ، 10 كلمات بالانكليزي وواحدة بالعربي حتى يقال أن مقدم / مقدمة البرنامج مثقف/ مثقفة ، ﻷنني داخل دورة تقوية “إلا أنه أصر على حشر نفسه لكسب أجر الصف اﻷول وهذا هو الجهل بعينه ، وأعني هنا الجهل بالعلل واﻷحكام التي أبدع بتفصيلها وتفاصيلها علماء اﻷصول ، ليس للأخ وحده بل لاﻵف أمثاله ذاك أن أجر الصف اﻷول ليس معناه أن تأتي متأخرا ثم تزج نفسك وسطه ولو بمزاحمة اﻵخرين ، وإنما تعني أن تأتي مبكرا تاركا كل مشاغل الحياة خلف ظهرك قبل أن ترفع يديك الى أعلى مكبرا بكل جوارحك – الله اكبر ..الله اكبر من المال ، من الجاه ، من الدنيا ، من السلطان، من الملذات ونوازع الهوى والشيطان ، الله أكبر من الحسب والنسب ومن القبيلة والعشيرة ومن العملية السياسية وشخوصها المجربين منهم وغير المجربين ، الحزب قراطيين منهم والتنك قراطيين ، وهكذا دواليك ..” وبالتالي فأن علة اﻷجر الكبير للصف اﻷول الواردة في الحديث الشريف : ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا ) هي في التبكير الى المساجد وليس في مزاحمة المصلين السابقين مع التأخير ، أما حكمته – أي التبكير – فبحاجة الى مجلد كامل وأنا أعني ذلك بالحرف الواحد ليس أولها تعليمك التبكير بالخيرات وفي مختلف المجالات ، في الصناعة والزراعة والتجارة والانتاج والتعلم والتعليم وليس انتهاء بالتنافس على المراتب اﻷولى في كل شيء مما أباحه الله تعالى لننتج أمة متقدمة في جميع المجالات وسابقة ومتسابقة بالخيرات ..تعلمك أن من يقف في الطابور أولا هو اﻷحق بالحصول على حاجته قبلك وغير مسموح لك – بضرب السرة- ولوكنت رئيسا للجمهورية ، تعلمك أن من يأتي الى الدائرة أولا ويضع معاملته قبل غيره هو اﻷحق بالتقديم وﻻيحق لك قلب أكوام المعاملات رأسا على عقب أو دفع الرشى أو تحريك الوساطات لتكون اﻷول مع أنك اﻷخير ولو كنت رئيسا للوزراء ،تعلمك أن من يكون اﻷول على دفعته هو اﻷحق بالتكريم والترفيع والتعيين وﻻيحق لك منافسته ولو كنت رئيسا للبرلمان ، وقس على ذلك ما شئت !”.
ولتقريب الصورة أكثر أقول أن الخمر على سبيل المثال حرام على المسلمين ولو قلت نسبته ، اذ ان ” ما أسكر كثيره فقليله حرام ” ، و” كل مسكر خمر وكل خمر حرام ” وعلماء اﻷصول بينوا أن علة تحريم الخمر هي الإسكار ” والعلة هي وصف ظاهر منضبط مناسب وﻻيقتصر على اﻷصل ” وتحريم القليل منها برغم عدم الوصول الى حالة السكر دليل آخر على عظمة الشريعة الغراء ،ﻷن الاسلام تعامل مع – المدمنات – اذا جاز التعبير بالتحذير منها ابتداء فالوقاية خير من العلاج ، وكل من أدمن التدخين إنما بدأ بعقب سيجارة لينتهي بعلبتين أو أكثر يوميا ، وكل من أدمن النارجيلة بدأ – بنفس أو نفسين – لينتهي بسن أو سنين ، كل واحد منها يعادل علبة سجائر كاملة ، وكذلك إدمان المخدرات يبدأ بشمة واحدة وينتهي بمستشفى المجانين أو مراكز تأهيل المدمنين، وإدمان الخمر يبدأ عادة بـ – بق – على قول أشقائنا المصريين لينتهي بـ – بطل عرق زحلاوي أو وايت هورس معتق انكليزي – ! ووو لاتقل لي كيف عرفت اسماءها كما قال لي أحدهم يوما تهكما ﻷنني صحفي وأحشر أنفي في كل شاردة وواردة فيما يجري من حولي ولو شئت أخبرتك عن أسعارها أيضا ﻷنني أطارد أخبارها ﻷعلم كم المليارات التي تهدر على المسكرات والمخدرات في زمن الشح المطاع والهوى المتبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه مع منع الزكاة والصدقة عن الفقراء والمحتاجين والنازحين والمشردين ، وﻷخبرتك إن شئت عن كل مشروب كحولي يختص بصناعته واحتسائه شعب من شعوب اﻷرض حول العالم بدءا بتاكيلا المكسيك وساكي اليابان وانتهاء بفودكا الروس ﻷثبت لك أن الدين الاسلامي دين عالمي لم يحرم الخمر ﻷن العرب والفرس والروم تعاقره ، وانما ﻷن كل شعوب اﻷرض تعشق – تدويخ الجمجمة – وما يترتب عليها من كوارث ﻻتحصى “.
أما الحكمة من تحريم الخمر فهي عبثها بالضرورات الخمس التي أوجب الاسلام العظيم حفظها ” حفظ الدين ، حفظ النفس ، حفظ العقل ، حفظ النسل ، حفظ المال” وما يجره هذا العبث – الخمري – الذي تغنى به ابو نؤاس فصنعوا له تمثالا بخلاف مخترعي العراق ومكتشفيه ، على النقيض من أطباء العراق ومهندسيه ممن قتلوهم ورموا بجثثهم قرب مكبات النفايات أو أعادوهم الى بلدان الدراسة والمهجر تحت التهديد ، من ويلات وآفات و جرائم إغتصاب وتحرش جنسي ، وسطو مسلح ، وحوادث مرورية تقتل سنويا الملايين في أرجاء المعمورة ، ونوبات قلبية ، وجلطات دماغية ، وتشمع كبدي ..الخ ” وباختصار وبحسب ما أشارت اليه منظمة الصحة العالمية في تقريرها اﻷخير المنشور في صحائف الوقائع التابعة لها ((( يتسبّب تعاطي الكحول على نحو ضار بوقوع 3.3 مليون حالة وفاة كل عام، ما يمثل 5.9% من جميع الوفيات حول العالم، ويعزى نحو 25% تقريباً من إجمالي الوفيات في الفئة العمرية التي يتراوح سنها بين 20 – 39 عاماً إلى الكحول الذي يشكل عبئاً صحياً واجتماعياً واقتصادياً كبيراً على المجتمع ككل، ويعد الكحول مادة نفسانية التأثير وذات خصائص مسببة للاعتماد عليه ” ادمان” !)))
وانوه الى إن كل حكم شرعي له ” علة ، وحكمة وسبب ” والمطلوب هو تفقهوا في دينكم يرحمكم الله” فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ” وليكن تفقهنا حيويا و بطريقة أشبه بالرياضيات والفلسفة والمعادلات الكيميائية والفيزيائية بمعنى إعمال العقل في النص وحكمه والقياس عليه وستجد العجب العجاب ..لتتحرك اﻷدمغة وتنشط العقول وتتفاعل اﻷذهان ولا تجمد جمودا نصيا – درخيا وببغائيا -كما جرت عليه العادة ليس بإمكان صاحبه إسقاط حكم واحد في لحظة ما على أية واقعة تجري أمام ناظريه ولو على مستوى حلاقة شعر أو قص إظفر ، ولعل إنتحار إمام مسجد بإطلاق النار على نفسه داخل جامع وهو يعلم يقينا بحرمة الإنتحار إن صحت رواية إنتحاره وليس إغتياله وإن لم يكن مصابا بالزهايمر أو الشيزوفرينيا تدفعنا الى إستعادة الحكمة التي تقول ” بناء الساجد مقدم على بناء المساجد ” إذ أن بناء الساجدين بناء صحيحا بلا تطرف وﻻ إفراط وﻻ تفريط وهم عمار المساجد معنويا وماديا ، تعني أن مسيرة المجتمع سليمة وعلى المنهج الصحيح وبخلافه فلا تعجب من إنتحار شيخ في مسجد براق ، وإحياء نفس في شارع خلفي مظلم وزقاق !! أودعناكم اغاتي