” إن الاستعمار، من حيث هو نفي منظم للآخر، من حيث هو قرار صارم بإنكار كل صفة إنسانية على الآخر، يحمل الشعب المستعمَر على أن يتساءل دائما هذا التساؤل: من أنا في الواقع؟”1[1]
يعد المارتينيكي إيمي سيزار 1913-2008 أحد مؤسسي الحركة الزنجية المناهضة للاستعمار وأكثر الشعراء والكتاب السياسيين الذي حارب التمييز والعنصرية وسعى إلى تغيير صورة الإنسان الملون والانتقال به من حال الانطواء على الذات والعجز عن المبادرة إلى وضع الثورة على الواقع وصنع مصيره بنفسه والتسلح بالمعرفة والإرادة في سبيل الانعتاق من الظروف السيئة وتشييد ظروف حسنة.
لقد كتب سيزار بعد انضمامه إلى الحركة السريالية ونشاطه داخل المعسكر اليساري في فرنسا مجموعة من الكتب والمسرحيات والرسائل أهمها: “الأسلحة العجائبية” و”خطاب عن الاستعمار” و”تراجيديا الملك كريستوف” و”موسم في الكونغو” و”الشمس مقطوعة العنق” و”رسالة إلى موريس توريز”.
لقد مثل هذا المناضل الأممي صرخة مدوية في وجه الامبريالية وتمردا عرقيا ضد النزعة التمركز الغربي المعادية للإنسانية وجسد نزعته الجذرية في المطالبة بالاستقلال للشعوب المقهورة ونادى بالحكم الذاتي لموطنه ورفض مدح الجانب الايجابي من الاستعمار وبقي يكافح للاعتراف بهويته وظل يرمز إلى الأمل الذي تتعلق به الدول المستباحة لكي تستعيد كرامتها وتحصين سيادتها وتجميع تراثها الوطني.
لقد حمل سيزار الاستعمار مسؤولية نزعة الحضارة عن الشعوب الأصلية وزرع البؤس في مجتمعاتها ومكنه نقده الجذري للظاهرة المرضية والحرب العنيفة من اكتشاف نزعة التشييء والإفقار للمستعمَر.
في نفس السياق كشف ابن موطنه فرانز فانون 1925-1961 عن العنف الكلي الذي يترتب عن العدوانية التي يتضمنها الاستعمار تجاه البلدان التي تتعرض للغزو التام ويتم الاستيلاء عليها ونهب خيراتها واستعباد سكانها وسبي نسائها ومحاصرة مدنها وتدمير محيطها دون مبرر تاريخي وبلا سبب معقول.
لقد حارب هذا الطبيب النفساني مع جيش فرنسا الحرة ضد النازيين عمل طبيا عسكريا في الجزائر رفقة المستعمر الفرنسي ولكنه انضم الى جبهة التحرير الجزائرية وعمل طبيبا بتونس ومحررا بصحيفة المجاهد وسرعان ما صاغ فلسفة اجتماعية عندما قام بتأليف معذبو الأرض وبشرة سمراء وأقنعة بيضاء.
لقد نظر فانون للكفاح المسلح وطالب باستعمال القوة من أجل دحر المحتل وأجاز العنف ضد المستعمر ولقد ألهمت هذه الأفكار مختلف حركات التحرر الوطني في العالمي واعتبر أحد أفضل رموز الاستقلال.
لقد كان ضمير العالم الثالث وصوته المعلن وواضع برنامج الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي الجماعي ولقد تفطن إلى أهمية فك الارتباط مع المستعمر وحذر من الوقوع في الاضطهاد الاستعماري من جديد عند الإبقاء على التبعية الثقافية والمصالح الاقتصادية والاقتراض المالي ونادي بالاستقلال الوطني التام.
لقد انتبه فانون إلى كون آفة الرضوخ للاستغلال ليس قانونا تاريخيا وانما هو حدث طارئ يمكن تغييره وأن التنازلات التي يقوم بها المظلومين ليست سوى أغلال لاإنسانية تعيقهم عن التطور وتسلبهم كرامتهم.
فكيف أدى تطبيق مبدأ التنازل عن الحقوق إلى سيطرة المستعمر على المستعمر سيطرة كاملة وشاملة؟
المصدر:
1- فانون فرانس، معذبو الأرض، ترجمة الدروبي والأتاسي، دار الفارابي، بيروت، طبعة أولى، 2004، ص276.
كاتب فلسفي