17 نوفمبر، 2024 3:23 م
Search
Close this search box.

عشق عبر المسافات – 2 –

عشق عبر المسافات – 2 –

الحلقة الأخيرة
نظرتُ اليها ببعض الحياء وألأرتباك دون أن أتناول شيئاً من الطعام. قلت لها” لماذا تجلسين على ألأرض. ؟ ألا توجد مقاعد كثيرة هنا؟” توردت وجنتيها وهي تقول ” هذا غير مسموح لنا نحن الفقراء أن نشاطر ألأغنياء مقاعدهم؟ . نحن نعيش في عالم أخر لاينتمي الى عالمهم بصلة. نحن نحيا ونموت وأجسادنا ملاصقة للأرض والتراب. نحن بالنسبة لهم حشرات ضارة تجلب لهم ألأمراض المزمنة . هم يخافون منا. لكننا أحياناً أكثر سعادةً منهم. نحن لانفكر إلا بقوتنا اليومي فقط. طموحنا محدود وأحلامنا لاتقتصر إلا على شيء يسير. هذه هي الحياة هم يحتاجوننا ونحن في حاجةٍ اليهم. وهذا هو سر الخليقة “. حاولت أن أكون مؤدبا أولنقل تظاهرت ُ بالجلتنمانية إن صح التعبير. سكبتُ لها قدحا كي تشاركني الجلسة التي أشرفت على ألأنتهاء..إنهتاء النصف ساعة. صرخت مذعورة وكأن مساً من الجن قد تلبسها ” ماذا تفعل؟ هل تريد أن تطردني من العمل؟ لو شاهدت ” السيدة أيام” هذا لأصبحتُ أنا وأمي في الشارع من جديد.أرجوك أعد الشاي الى ألأبريق قبل أن تحل الكارثة”. أعدت الشاي الى ألابريق بيد مرتعشة وكأنني أخفي جزءاً من المخدرات وألأفيون عن أنظار السلطة البوليسية المنتشرة في كل مكان. لم أذق أي شيء من المعجنات . أرتشفت رشفة صغيرة من الشاي وأعدت القدح الى مكانه. أنطوت رغبة تناول أي شيء. على حين غره ، دخلت السيدة ” أيام” تدفع كرسيها برشاقة. نهضت الفتاة دون أن تتقدم لمساعدتها. كان ألأوامر أن لايساعدها أحد في الدخول أو الخروج . تريد أن تعتمد على نفسها في هذا الشيء . لاتريد الشفقة من أحد. قالت بمرح ” هل ضايقتك ” أنوار”. سأطردها فورا إن فعلت شيئاً كهذا.” شعرتُ بأنقباض من حديثها المقتضب. أذن، المتغطرسين في كل مكان. هي لاتختلف ألأن عن مديري السابق المشبع بعبق الغطرسة وتحدي ألأخرين. قالت ” لماذا لم تأكل؟ هل طعامنا ملوث؟”. تلعثمت بعض الشيء ولكنني إستعدت قوتي من جديد ” عفواً ولكنني لست جائعاً”. وبأشارةٍ واحدة قفزت ” أنوار” وراحت تلملم ألأقداح وكل شيء وخرجت كالريح من الغرفة. وعدنا للعمل. بعد مضي أكثر من نصف ساعة . قلت بحياء ” هل توجد نقطة في العقد المبروم بيننا تمنع من مناقشتك بين فترةٍ وأخرى؟ أم يتحتم علي كتابة كل شيء بصمت؟”. نظرت اليّ بأرهاق وقالت ” لايوجد شرط كهذا؟ تستطيع أن تقول اي شيء حتى لو كان يزعجني بعض الشيء. العقد يقول . دقة الحضور عدم التكاسل في التدوين وألامانه وألأخلاص …”. راحت تتكلم بلا توقف. عند الواحدة والنصف قالت” فترة الغداء ساعة.. ولكن ستكون هناك نصف ساعة إضافية هذا اليوم. سنتناول الغداء معاً هذا اليوم فقط. في الايام القادمة كل واحد منا يتناول غدائه لوحده. “. خرجت من الغرفة دون أن تقول الى اللقاء أو أي شيء من هذا القبيل. بدأت أشعر بالضيق شيئاً فشيئاً. شعرت أنني في نفس المكان الذي كنت فيه سابقا.

عادت ” أنوار ” وهي تقول ” السيده أيام تنتظرك في غرفة الطعام. أصبح ألامر عندي روتينياً . لحقتُ بها. كانت تجلس عند طاولة فاخرة جدا وأمامها أصناف لاتعد ولاتحصى من المأكولات. كنت جائعا حقا ورحت ألتهم كل شيء كأنني لم أر طعاما في حياتي. بعد ألأنتهاء من كل شيء قالت السيدة أيام بأنها تريد تناول الشاي في الحديقة. كان الجو باردا قليلا على الرغم من أشعة الشمس التي كانت تغطي مساحات واسعة من المكان. أشجارٌ باسقة وعصافير تزقزق بصوتٍ يصم ألأذان. دون مقدمات قالت ” حسنا ، هل لديك شيء للمناقشة؟ أحب أن أسمع أي شيء خاص أو عام قبل بدء العمل. قل كل شيء ألأن. أريدك أن تتفرغ لي فقط في غرفة العمل.” فاجئني كلامها. لم يكن عندي في تلك اللحظة أي شيء عدا قضية ” أنوار”. الحقيقة كنت خائفا أن أطرق هذا الموضوع لعلها تسبب لها مشاكل وأكون السبب في تدميرها دون أن أشعر. ترددت في البداية. قالت ” قل أي شيء حتى لو كان ضدي. حينما نجلس هنا لاشيء لايهم، تسقط كل ألأقنعة. لاأغضب منك ولاتغضب مني. أي شيء مسموح عدا الخيانه والسرقة والتقاعس عن العمل. سنعتبر هذا المكان تنفيس عن الذات المكبوته لكل شيء..أي شيء… حتى لو كان يمس الشخصيات وألأفكار ..نقد جارح.. ونقد.. منطقي. كنت دائما أجلس مع المرحوم هنا وأتفقنا على هذا. كان بالنسبة لي شيء رائع..أقصد المكان وما يُطرح فيه..هل نعقد إتفاق شفوي والضمان هو الصدق ومعاهدة البعض على عدم قول أي شيء يحدث هنا من حوار حتى الموت . هل توافق.” دون تردد قلت ” موافق”. مدت يدها وهي تقول ” وعد شرف” ومددتُ لها يدي وقلت بقوة ” وعد شرف”. دون وعي رحت أمسح دموعي بمنديل ناعم كانت زوجتي قد وضعته في جيبي عند الصاح. سكتت بذهول حينما شاهدتني أبكي بصمت. حينما هدأتُ قالت بثبات ” لماذا تبكي. هل قلتُ شيئاً سبب لك آلآمْ؟”. قلتُ على الفور ” لالالالا”. تنهدتُ قليلا وقلتُ” كلمة شرف والمصافحة هي التي فجرت الدمع في عيناي. ورحت أسرد لها قصة طويلة من قصص ألأسر. خلاصتها، حينما توفي نقيب”….” قرب سريري همس في أذني أن أذهب الى زوجته وأبنته الوحيده وأن أقول لهما بأن “…” كان يتمنى أن نجتمع مرة أخرى ولكن مرض السكر قد حطمه . طلب مني أن لا أترك زوجته أبدا وأن أهتم بأبنته الى أن تتخرج من الكلية أو تتزوج . نظر اليّ بعينين جاحظتين وهو يقول ” وعد شرف” فأجبته ” نعم وعد شرف” . نظرتْ الى الطرف ألأخر من الحديقه . راحت تدخن بشراهه. حينما إستعادت رباطة جأشها قالت” حسنا ..ماهو الشيء الذي سنناقشه ألأن؟”. قلتُ على الفور ” ماهي نظرتكِ تجاه الفقراء في هذا الزمن؟ . هل تنظرين اليهم بعين التعالي أم الشفقه؟ . نظرت الى كل الجهات وكأنها تريد أن تتأكد من أن أحداً لايصغي اليها. حدقت الى أعماق عيناي بتحدي ملحوظ وهي تقول ” الحقيقة هناك عقدة تولدت عندي تجاه هذه الفئة من شريحة المجتمع الذي ننتمي اليه. بعد سقوط بغداد فجأةً راح الناس ينهبون ويتجاوزون على كل شيء يعود لطبقة ألأغنياء ومن ضمنهم عائلتنا. يتصورون أن كل من لديه أموال طائلة ينتمي الى فئة النظام القديم . أرادوا ألأنتقام أو السلب لغرض السلب تحت حجج متعددة. لم يكن زوجي سوى عميد كلية ليس له علاقة بما إرتكبته ألأنظمة المتعددة التي تُحسب على الحكومة السابقة. فجاةً شاهدت أعداد من الناس يخترقون البيت ويسلبون أشياء كنا قد حصلنا عليها من عرق جبيننا. الحمد لله لم تكن خسائر كبيرة ولكنها سببت لي عقدة من كل الفقراء.”

لم أعرف من أين أبدأ الكلام معها فقد كانت هناك أفكار كثيرة تدور في رأسي حول هذا الموضوع . قلتُ بهدوء ” ولكن هل يمكن أن نعتبر الجميع سواسيه؟ أقصد هل يمكن أن نحكم على جميع أفراد العائلة الواحدة بألأعدام حينما يرتكب شخص واحد من نفس العائلة جريمة كبرى تكون عقوبتها ألأعدام ولاشيء غير ذلك؟ في هذه الحالة نكون قد خالفنا الكتاب المقدس وكلام الله عز من قال ” ولاتزر وازرةً وزر أخرى”. سكتُ عن الكلام وشعرتُ أن الحديث معها في موضوعٍ كهذا لايؤدي الى شيء. نظرت الي بأنتباه وهي تقول ” قل لي بصراحة….هل هناك موضوع أو قضية معينه جعلتك تتكلم عن هذا الشيء؟ أصدقني القول وسأحاول أن أتراجع عن بعض ألأفكار التي قد تسبب لك بعض الحزن. ” لم أفهم سر هذا التحول المفاجيء في قولها . لماذا تريد أن تسبب لي ألأرتياح حتى على حساب مبادئها التي لايمكن أن تتنازل عنها. دون أهتمام قلت بحذر ” – أنوار- . الفتاة التي جاءت لتقديم الفطور الصباحي. كانت مرعوبه حينما حاولت أن أجاملها بتقديم قدح من الشاي لها. كأنني كنت قد إرتكبت عملاً فاحشاً”. أخذت نفساً عميقاً وقد ظهر على وجهها نوع من عدم ألأرتياح. راحت ترتشف رشفات قليلة من قدح الشاي . نظرت الي وهو تقول ” ماذا تريدني أن أفعل لها؟ هل أشاركها الطعام معي أم أهتم بها كأنها إبنتي؟ هي مجرد خادمة ولايحق لها ألأقتراب من أي شيء ينتمي الى سكان البيت. هي تستلم راتباً مجزياً. ماذا تريد أكثر من هذا؟”. نظرتُ الى الجهةِ ألاخرى لاأعرف ماذا أقول؟ شعرتُ أنني لايمكن أن أتوصل معها الى طريقة تجعلها تغير طريقتها في النظر الى فئة الفقراء أمثال الفتاة أنوار.

إنتهت الفترة المقررة للجلوس في حديقة الدار. بدأنا العمل من جديد. كانت تتحدث بطريقة حزينة تختلف عن طريقتها في الصباح، أعجبتني العبارة التالية التي قالتها ” وداعاً أيها القلب الذي رسم له أخاديد الحزن في يومٍ ليس كباقي ألأيام. ستكون عالقا في ذاكرتي الى أخر لحظة قبل أن أتوارى تحت التراب الى الأبد. وحيدةٌ أنا ألأن أعاني شظف الحنان وألأشتياق الى كل شيء كنت تفعله لي ومعي. أنا ألأن كتلة حديدية باردة خالية من المشاعر وألأحاسيس تنظر الى كل شيء حولها بعين الشك والريبة والخوف والقلق من أي مخلوق يدب على ألأرض حتى لو كانت حشرة صغيرة ظلت طريقها في عتمة الليل “. ألقيتُ القلم من يدي وأستقر على الورقةِ الصامته. بادرتها بالقول ” عفواً أشعر بالأختناق. هل أستطيع أن أخرج لوحدي الى الحديقة كي أدخن سيكارة واحده وأعود في لحظة أفول السيكارة؟” . أخبرتني بأنني أستطيع تدخين ما أشاء من السكائر هنا في موقع العمل. بادرتها قائلاً ” أنا في حاجةٍ لأستنشاق الهواء البارد ألأن” . أشارت لي بالموافقه. خرجتُ مسرعا نحو الممر ألأنيق الذي تظلله ألأشجار الرائعة. بدأتُ أقطع الممر ذهاباً وإياباً وأنا أرتشف سيكارتي بين الحين وألأخر أفكر بأشياء ليس لها روابط مشتركة. أنتقل من فكرة الى أخرى بلا توقف. تقاذفت أمامي صور كثيرة من الحياة . في اللحظةِ التي أنهيت فيها سيكارتي رفعتُ رأسي فشاهدتها تنظر الي من خلال النافذة المغلقة. أسرعت بالدخول وأنا أعتذر للتأخير. كانت السيكارة في يدها. التفتت ببرود وظهرت إبتسامة باهته على شفتيها. قالت ” لايهم. لدينا وقت طويل لأنهاء ما كنا قد بدأناه”. قبل أن نبدأ بالعمل جاء الحارس يصرخ مذعوراً وراح يطرق الباب بعنف وهو يقول” سيدتي. أنوار مغمى عليها في المطبخ”. قفزتُ من مكاني صوب الباب . تقدم الحارس وهو يرتجف من قمة رأسه الى أخمص قدميه . قالت له سيدة الدار بهدوء ” ماذا حدث؟”. تلعثم الحارس وهو يقول ” دخلتُ المطبخ لأخذ قدح من الشاي فوجدتُ أنوار فاقده الوعي على ألأرض. حاولتُ إسعافها بكل الطرق ولكنها لاتزال فاقدة الوعي . ماذا أفعل؟” إندفعت كالبرق نحو المطبخ دون أن أستأذن من سيدة المنزل. كانت أنوار تلفظ أنفاسها ألأخيرة. عدتُ مسرعا الى سيدة المنزل التي كانت تتقدم ببطيء تدفع كرسيها بهدوء والحارس يسير خلفها. صرختُ بجنون” سوف أنقلها الى المستشفى ألأن ستموت المسكينه أريد أي سيارة لنقلها ألأن.”بأشارة من سيدة المنزل إندفع الحرس بأقصى سرعة نحو السيارة القريبة من البوابة الخارجية وفي لمح البصر عاد راكضا وهو يقول ” كل شيء جاهز”. عدت مسرعا الى المطبخ . حملت الفتاة النحيفة بين ذراعي وأنا أصرخ ” هل تأتين معي ؟ أم اذهب مع الحارس لوحدي؟”.

في غضون وقت قليل كان الحارس يقود السيارة بسرعة جنونية في الطرق الملتوية ويطلق منبهها بطريقةٍ هستيرية. جلست سيدة الدار في المقعد ألأمامي ” ولا أدري كيف جلست ومتى”؟ كنت أحاول أن أعيد الوعي للفتاة النحيفة بأي طريقة . كان جسدها يرتعش ونبضات قلبها بطيئة. كنت أحتظن رأسها بذراعي. دون وعي رحتُ أقول مع نفسي بصوت مرتفع” أيتها المسكينة؟ هذا هو قدرك. من المؤكد أنك تعانين نقصا في الدم أو أي شيء أخر”. كانت السيدة أيام تنظر الي بين فترةٍ وأخرى وكأن شيئا غريبا كان يدور في رأسها. قلتُ بصوت مرتفع ” أنا مستعد أن أتخلى عن أي شيء ألأن مقابل أن تعود هذه المسكينة الى الحياة. لاتزال يافعة ولم تشاهد في حياتها سوى البؤس والعذاب.” بعد الفحص الدقيق من قبل الطبيب الذي بذل جهودا محمودة لأنقاذها قال بهدوء ” تعاني من فقر شديد في الدم . تحتاج الى ثلاثة قناني من الدم ألأن .” دون وعي قلتُ له ” هل دمي يصلح لها؟”. بعد الفحص قال الطبيب” نعم”. حينما كان الدم ينتقل من جسدي الى جسدها كانت عيناي مغمضتان لاأريد أن أر أي شيء حولي. شعرتُ أن كل الناس يستهزئون بي ويضحكون علي لأنني في صدد إنقاض مخلوق ضعيف ليس له دور أو وجود في هذا الكون. كان هناك صوتاً أخر ينطلق من المجهول لكنني أسمعه بوضوح يصرخ بي ” عمل إنساني هذا الذي تقوم به ألأن. أمامك مخلوق صغير قد يفارق الحياة في أي لحظة. من يدري قد تعيد له الحياة بقطرتِ دمك هذه .. قد يكون له دور مهم في تغيير أشياء كثيرة فيما بعد. لاتهتم للأخرين من مرضى النفوس. إستمر في عملك النبيل هذا وضعهُ في خانة ألأنسانية الصادقة بعيداً عن إنتظار رد الجميل.”. شعرتُ بالدوار حينما تمت عملية نقل الدم. نهضت بأرتخاء وكأنني تلقيت ضربة شديدة على الرأس. ظلت الفتاة راقدة في المستشفى لمدة أسبوع كنت أزورها كل يوم وأبقى معها من الصباح الى المساء. تغيبتُ عن العمل طيلة كل تلك الفترة. خرجت الفتاة بصحبة والدتها الى منزلهما المتواضع في الطرف ألأخر من المدينة. عدت للعمل كأن شيئاً لم يكن. كانت حالتي النفسية في ذلك اليوم هابطه . كنت أكتب ماتمليه علي سيدة الدار بطريقة ميكانيكية خالية من الحياة. لم أفهم ما كانت تقوله. كنت أستنسخ الكلام فقط. كانت تراقبني بأنتباه شديد دون أن تعلق على شيء. كانت السيده كمخلوقٍ بلا روح. بعد مضي ساعة من العمل قالت ” لقد خصمت من مرتبك أسبوعاً كاملا لأنك تغيبت عن العمل. لايهمني السبب ولكننا ملتزمان بعقد وتصرفت حسب العقد المدون “. نظرتً اليها بعدم إهتمام قائلا ” حسناً”.

في اليوم ألأول من الشهر وعند الساعة الخامسة عصراً قالت ” اليوم موعد إستلام راتبك”. لم اتفوه بشيء عدا إبتسامه باهته وجدت لها طريقا الى شفتاي . أخرجتْ دفتراً وقلما وراحت تحسب ألأيام التي عملتُ بها من الصباح حتى المساء. قالت ” أنت متغيب أسبوعا كاملا. راتبك مليونيين ونصف. وقع هنا”؟ لم أصدق نفسي حينما أستلمتُ المبلغ. كنت أنظر الى المبلغ كأنه قد نزل الي من السماء. رحتُ أقول مع نفسي” هذا المبلغ سوف يحل لي مشاكل كثيرة. هل هذا واقع أم أنه حكاية خيالية.؟”. وضعت المبلغ في جيبي وقبل أن أنصرف قالت ” هل تعزمني غدا في أي مطعمٍ تختاره؟ أنت ألأن من أصحاب الملايين”. دون تردد قلت ” نعم . غداً بأذن الله”. أستدرتُ للخروج وقبل أن أصل باب الغرفة صاحت ” عفوا. نسيتُ شيئاً “. أستدرت نحوها بهلع. كنتُ خائفا أن تستقطع من راتبي شيئاً أخر لم يكن في الحسبان. ” قالت ” هل يمكن أن توقع هذه الورقة. ” تقدمت مسرعاً . قبل أن أوقع قرأتها بدقة . كانت الورقة تقول ” نظراً للجهد الكبير المبذول من قبل السيد” منير الموظف هنا حسب العقد المرقم “…..” لأنقاذ حياة أحد العاملين في البيت فقد تقرر منحه مكافأه قدرها ” ثلاثة ملايين دينار عراقي”. كانت يدي اليمنى ترتعش من شدة الفرح . شعرت أنني أعيش في حلم شفاف. سلمتني المبلغ وكأنها بلا روح. خرجت من البيت أتمايل من شدة النشوة والفرح.

تلقفني الشارع الطويل بتعرجاته الكثيرة وحركة المرور المزعجة وأبواق السيارات التي تصم ألأذان. دون وعي توجهت الى السوق الكببير في أقصى الشارع وبدأتُ أنظر الى كل المحتويات المعروضة. ماذا أشتري للبيت؟ هل أقتصد بالمبلغ لأشياء أخرى أم أجلب لكل فرد من أفراد العائلة شيئاً كان يحلم به منذ زمنٍ بعيد دون أن يقوله لي؟ . وبدأتُ أطلب أشياء وأشياء لاتعد ولاتحصى. كانت البائعة التي تعمل في المتجر الكبير تنظر الي بتعجب لهذا الزبون الذي راح يشتري كل شيء وكأنه لم يشاهد أشياءاً كهذه من قبل. كانت فرحه ولكن ليس بقوة فرحي ونشوتي. في السيارةِ التي إستأجرتها للبيت كنت أسند رأسي الى الخلف أفكر بهذا الحلم الذي قد ينتهي في أي لحظة. رحتُ أردد مع نفسي. شكراً لك ياربي. أنت ترزق من تشاء بغير حساب. ستفرح إبنتي الصغيرة بفساتينها ولعبها الصبيانية وستفرح زوجتي بكل شيء وقد توبخني لأنني لم أقتصد بالمبلغ الى يوم أخر قد يكون أسود في حياتنا المستقبلية. لم يعد يهمني شيء أخر سوى البسمة الكبيرة التي ستظهر على وجه إبنتي الحبيبة حينما تشاهد كل هذا الكم الهائل من المشتريات. أخرجت سيكارة وقدمت واحده للسائق ورحنا ننفخ دخان سكائرنا في الهواء بصمت كبير وظلت السيارة تشق عباب الهواء بسرعة جنونية وسقطت دمعتان من الفرح وأنا أنظر الى أقصى المسافت التي تصلها نظراتي بنشوةٍ عارمة.

تمت………….

أحدث المقالات