خاص: إعداد- سماح عادل
“إكرام إنطاكي” كاتبة مكسيكية من أصل سوري، ولدت في دمشق- سوريا في 1948، وكان جدها آخر محافظ في إنطاكية، وهي في سن الرابعة، بدأت بتعلم اللغة الفرنسية في المدرسة الفرنسيسكانية، وبقيت فيها حتى حصولها على شهادة البكالوريا. هاجرت إلى فرنسا لدراسة أدب المقارنة، والأنثروبولوجيا الاجتماعية، وعلم الأجناس في العالم العربي في جامعة باريس السابعة.
حياتها..
سافرت “إكرام إنطاكي” في1975 إلى المكسيك وأصبحت مواطنة مكسيكية وعاشت هناك بقية حياتها. ونشرت 29 كتاباً بالإسبانية والفرنسية والعربية. وخلال إقامتها في المكسيك تعاونت مع القنوات التلفزيونية المكسيكية 11 و13 واكتسبت شعبية نتيجة لمشاركتها في إذاعة الأخبار في المنطقة الوسطى من البلاد. وكانت آراؤها غير تقليدية إلى حد ما، لاحظت أن جيل الشباب الذي شارك في حركة 1968 كان أفقر الناس فكرياً في المكسيك في القرن العشرين، وأن الديمقراطية والاستفتاء ليس لهما مكان في الأسرة أو في المدرسة.
وردة جورية..
في مقالة بعنوان (إكرام إنطاكي.. رحلة اغتراب وتفوّق) يقول “كمال شاهين” عنها: “وردة جورية دمشقية أينعت بعيداً عن تراب وطنها، كتبت بلغات عالمية كثيرة، وعملت في التلفزة والإعلام المكسيكي باقتدار وشهرة، إنها الكاتبة والمغتربة السورية الراحلة “إكرام أنطاكي”. كانت والدتها من محبي الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، وكان جدها بطريرك إنطاكية وسائر المشرق ومن الذين ساعدوا الأرمن خلال المذابح التي تعرضوا لها من قبل الأتراك، غادرت إلى المكسيك باختيار شخصي، في المكسيك بدأت حياتها وحيدة، واستطاعت بعد وقت قصير أن تأخذ موقعها في إحدى الجامعات المكسيكية أستاذة للحضارة العربية فيها، وبدأت بالكتابة في الصحف المكسيكية إلى أن انتقلت إلى التلفزة المكسيكية لتقدم أحد أشهر برامجها عن الحضارة العربية والإسلام وفلسطين بعنوان “وليمة أفلاطون”، وبدأت بنشر كتبها عن العلاقة بين الشرق والغرب وعن الحضارة السورية معززة ثقافة التواصل الحضاري ورافضة العنف كثقافة تربط بين البشر. كتبت بالعربية ديوان شعر بعنوان “مغامرات حنا المعافى حتى موته” في الفترة القصيرة التي عادت بها إلى دمشق وكان باكورة أعمالها، تم توالت كتبها وخاصة بعد انتهائها من دراسة الفلسفة في الجامعة المكسيكية، بالفرنسية كتبت أطروحتها لنيل الماجستير والدكتوراه.. نالت “إكرام” العديد من الجوائز عن كتبها، فنالت جائزة الدولة “ماجدة دوناتو” عن كتابها القيم “ثقافة العرب” الذي كان على خط بداياتها الفلسفية وأبرز هذا الكتاب انتماءها الواضح إلى ثقافتها الأصلية “دون انحياز” كما تقول الكاتبة الإسبانية إيريدا، وتضيف الكاتبة إيريدا: «ظلت إكرام وفية لثقافتها العربية حريصة على أن يحتل البعد العقلاني مكانه في كل كتاباتها وبهذا الانتماء المعرفي قدمت رؤيتها للعموم كما حصل مع كتابها “الثقافة الثالثة” الذي نال جائزة كتاب السنة في الفن لعام 1990″.. من أهم أعمالها كتاب “روح قرطبة” حيث يلتقي ابن رشد مع ابن ميمون في حوار فلسفي حول قضايا فلسفية تتعرض للعالم الذي نعيش ولندخل معهما في أجواء قرطبة المزدهرة وهذا الكتاب كان رواية رغم أنها سارت في المنحى الفلسفي.. تقول “إكرام أنطاكي” في معرض تقديمها لكتابها الهام أيضاً “منعطف الألفية” الصادر بعد وفاتها: «إن ميزة التاريخ الإنساني البحث عن التوازن والقياس وحين يختل هذا التوازن تحدث تلك الانكسارات الكبرى في التاريخ فنحن لا نستطيع أن نرفض الحداثة من جهة، ولكن ذاكرتنا تختزن موروثاتها القديمة من جهة أخرى، مما يؤكد حقيقة أن كل ما هو قديم ومدفون في ذواتنا مازال موجوداً تحت حداثتنا».. تميزت السنوات العشر الأخيرة من حياتها بانفتاح واسع على المجتمع المكسيكي وكتبت عن قضاياه متمثلة إياه مجتمعها فكتبت في قضايا المواطنة والمهاجرين وغير ذلك، كما عملت “إكرام أنطاكي” مستشارة لرئيس الجمهورية للشؤون العربية ولعدد من دور النشر”.
شعلة انطفأت..
وفي مقالة بعنوان (إكرام إنطاكي: شعلة عربية انطفأت بعيدا) تقول “حميدة نعنع” عنها :”هي شاعرة، وأديبة، وباحثة، كانت إكرام في جامعة دمشق أثناء دراستنا معا تمثل نموذجا فريدا للمرأة العربية، شيوعية متمردة، مثقفة تجيد عدة لغات. تنحدر هذه السفيرة للحضارة العربية إلى أمريكا اللاتينية من عائلة إنطاكي. بعد تخرجنا من كلية الآداب جئنا فرنسا معا لدراسة الدكتوراه، وقد حصلت إكرام على شهادة الدكتوراه من السوربون في موضوع نادر هو “الطائفة الدرزية في سورية”.. في الثمانينات، حيث كان نظام حافظ الأسد يرزح بثقل على قلوب السوريين وكانت غالبيتنا في المهاجر. قررت إكرام العودة إلى سورية لشدة حماسها الوطني لكنها لم تحتمل الحياة هناك، ولم تجد فرصة تستطيع أن تنقل تجربتها إلى وطنها. عادت إلى باريس وجلسنا معا في مقهى، كانت تحمل خارطة العالم وفرجار. حدثتني أنها ترغب في الهجرة بعيدا بعيدا، لكنها لم تكن تعرف إلى أين. فتحت الخارطة وأمسكت بالفرجار فوضعت أحد ساقيه على دمشق وفتحته إلى آخره فوقعت رجله الثانية على المكسيك، قالت لي هذا البلد آخر العالم، سوف أهرب من الدكتاتورية إلى آخر العالم، كانت قد طبعت ديوان شعر صغير يبشر بمولد شاعرة مهمة من شعراء جيلنا، وكنت قد أصدرت آنذاك ديوان شعري الأول “أناشيد امرأة لا تعرف الفرح” الذي قدم له الشاعر محمد الماغوط. اختفت إكرام ولم أعرف أين ذهبت، وافتقدتها كثيرا في رحلة التيه التي فرضها علينا النظام السوري، بعد سنوات تلقيت رسالة من المكسيك تشرح لي فيها إكرام أنها في مكسيكو تعمل أستاذة للحضارة العربية في إحدى الجامعات، وتكتب في الصحافة، ولها برنامج في التلفزيون عن الإسلام والحضارة العربية وفلسطين، إذا ذهبت إلى آخر العالم. واستمرت المراسلات بيننا حتى ذهابي لكولومبيا في أواسط الثمانينات”.
وتواصل: “كانت إكرام قد تزوجت أحد المثقفين الشيوعيين المتحدر من الهنود الحمر وأنجبت منه طفلا كان مركز اهتمامها وانتماءها لآخر نقطة في العالم، ولكن رغم كل تلك الشهرة التي كانت نتيجة لثقافة إكرام وكتبها ودورها المهم في التعريف بثقافة العرب وحضارتهم لم تكن إكرام سعيدة، كانت غريبة وبعيدة عن دمشق يهاجمها الحنين كل يوم، وكل ساعة إلى سورية.. في نهاية الثمانينات جاءت إكرام إلى باريس في طريقها إلى دمشق وبعد عودتها كانت سعيدة جدا فقد اشترت لها بيتا في ضاحية الأسد لتعود كي تعيش فيه وتعلق على جدرانه الأيقونات النادرة التي ورثتها عن جدها، ولوحات الرسامين المكسيكيين وصورة ابنها.. كانت تكتب لي: “حقائبي معدة كي ارجع إلى دمشق، ولكنني انتظر سقوط الدكتاتورية، حاربت إحساسها بالغربة، بالثقافة والتعريف بالحضارة العربية الإسلامية، انتظرت كما كنا ننتظر جميعا تلك العودة، ولكن العمر ضاع في الغربة والانتظار. انقطعت عني رسائلها وكنت أنا أعيش ظروفا صعبة في منفاي الباريسي، ولم أكن أعلم أن إكرام ملت الانتظار فقررت الرحيل. وجدها ابنها الوحيد، وقد أسلمت الروح في فيلا واسعة تسكنها في ضواحي مكسيكو وحولها كتبها ومراجعها. ماتت وحيدة وهي تنتظر، وبموتها انطفأت شعلة حضارية عربية حملتها امرأة بمفردها لتعرف بها الناطقين باللغة الإسبانية في أنحاء القارة الأمريكية اللاتينية. أقول أنه من حسن حظها أنها ماتت قبل أن تعرف أن دمشق التي أحبت قد تهدمت، وأن بيت العودة إلى الوطن الذي اشترته أصبح كومة تراب”.
وفاتها..
توفيت “إكرام إنطاكي” في 31 أكتوبر 2000 في المكسيك عن عمر 1952.