حرب طاحنة بدأت منذ عقود عدة في صمت دون إعلانها ولكن اليوم باتت على مرأى ومسمع الجميع، حرب قادت مباشرة لتفكيك أطراف الدولة وتجويع شعبها وتعريضه لوباء الكوليرا الزاحف، وإن كانت حدودها هادئة إلا انها لا تزال مشتعلة على حافة الخلافات الخليجية – الإيرانية والتي تعد مسرح خشبي صغير تحركه قوى دولية لها مصالح مباشرة في شرقنا الأوسط.. إنها حرب اليمن!
قبل سقوط الرئيس الأسبق على عبد الله صالح مع أخر لقطات الربيع العربي، عاشت اليمن في اضطرابات عنيفة بجذور عميقة تعود لأسقاط الملكية باليمن بالستينات، أمة ناشئة تخرج من فلك الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس تواجه تحدي كبير يتلخص في توحيد الشطرين الجنوبي والشمالي وهذا التحدي ظل حجر الزاوية لأغلب التناحرات والاضطرابات السياسية في هذا البلد حتى الإطاحة بالرئيس الأسبق عبد الله صالح الذي قبع على قمة هرم السلطة لأكثر من عشرين عاماً.
اليوم قليلاً تظهر الخلافات القديمة بين الشمال والجنوب بتناقضاتهما القبائلية، حيث شهدت اليمن تحولاً في نوعية الصراع وأطرافه ليتصدر المشهد الإعلامي والسياسي حرباً أشد ضرواه بين الأطراف المدعمة من قبل دول الخليج العربي من طرف وإيران وحلفائها الحوثيين طرفاً ثانياً عقب الإطاحة بعبد الله صالح والذي عُرِف بعدم ولائه لأي طرف منهما بل والتلاعب بتحالفاته والحنث بعهوده التي قدمها للطرفين مما قاد مباشرة لتخلص الحوثيين منه في ديسمبر الماضي بدم بارد رغم تحالفه معهم، لكن الرقص على رؤوس الأفاعي لم يكن لينتهي سوى بمصير مشابهة.
لنلقي نظرة على ما خلفته حرب اليمن.. ففي موقعها الإلكتروني، أشارت الأمم المتحدة لوجود 18 مليون يمني أي 60% من الشعب يعاني من انعدام الأمن الغذائي فهم لا يستطيعون تأمين قوت يومهم، 8.4 مليون لا يحصلون على مياه صالحة للشرب و1 مليون طفل مشرد و4.3 مليون طفل بحاجة للتعليم منهم 2 مليون طفل تهدمت مدارسهم في أماكن النزاع، ومنذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2015 قُتِل نحو 8850 مدني وأُصيب نحو 50 ألف أخر.
ومَن هرب من الرصاص، قد لا يهرب من الكوليرا، ففي فبراير الماضي حذرت منظمة الصحة العالمية من أن وباء الكوليرا قد يتفشى من جديد باليمن والذي أودى بحياة نحو 2000 شخص خاصة مع قدوم موسم الأمطار هناك، وفي تقرير لـ “بي بي سي” نُشر في 4 مايو 2018 تم التأكيد على وجود أكثر من مليون يمني يشتبه بإصابته بهذا المرض منذ عام 2016 إذ أكد أطباء عدة على أن تلوث مصادر الماء خلال موسم الأمطار يساعد على بقاء بكتيريا الكوليرا على قيد الحياة لتعيد دورة العدوى لفترة أطول.
الحديدة وعدن يدفعان الفاتورة الأكبر لمخرجات حرب اليمن الكارثية نظراً لامتلاكهما موانئ استراتيجية ذات قيمة جيوسياسية خطيرة تسعى كافة الأطراف المتقاتلة للسيطرة عليها لكسر أي حصار بحري يقطع الامدادات.
التحيتا والحديدة وتعز وصعدة وحيفان وكرش والقبيطة والوازعية وموزع ومقبنة ومريس وزبيد وحرف سفيان وميناء بلحاف وقانية والسوادية والبيضاء.. وغيرها من الأماكن الساخنة التي مثلت أرضية واسعة للقتال في اليمن بين ألوية قوات الشرعية وجماعات حوثية مسلحة وتنظيم القاعدة الذي يجد فراغ في جيوب اليمن.. إنها حرباً مفتوحة على كافة الجبهات!! وإن اكتست بثياب القبلية إلا أنها أحد ظلال الحروب العربية – الإيرانية التي وظفت الطائفية وجعلت القبائل رؤوس حربة لها.
والجدير بالذكر أن قراءة خريطة القتال تؤكد على تمتع الحوثيون بالسيرة على أغلب تلك الأماكن في حين تلعب الألوية دور رد الفعل والمتمثل في تحرير تلك المناطق التي احتلها الحوثين ذلك الأمر الذي يطرح تساؤل حول تأثير الدور العسكري السعودي في اليمن خاصة من استمرار سقوط صواريخ الحوثيين على أراضي المملكة.
مَن ينتصر في حرب اليمن؟
مهما كانت هوية المنتصر.. فهو منتصر في بلد مهزوم وشعب محطم بين رماد الحرب وأشلاء الكوليرا! بل وأرى سيناريو تفتيت اليمن إلى مناطق نفوذ قد تتطور لتنال حدوداً دولية هو السيناريو الأقرب على الإطلاق على غرار الانشطار اليوغسلافي لخمس دول والمستمر حتى يومنا هذا.
رصاص ودمار وكوليرا ورقص على رؤوس الأفاعي.. إنها حرب اليمن التي لن تنتهى إلا إذا وُلِدَت صيغة توافقية تنهي الخلافات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي وهي صيغة إن بدت صعبة المنال إلا أنها ليست مستبعدة إذا ما أدرك الطرفان حجم الخسائر والاستنزافات المالية لديهما والتي تهدر الأموال والوقت لأجيال قادمة سوف تلوم مقاتلي اليوم على تلك الحروب.