الإعلام أداة خطيرة اذا لم يكن يستفاد منها بالصورة الواقعية، وأثرها لا يكاد يخفى ولا ينكر، ولذا لم يكن وليدة عصر من العصور، بل استخدمت تقريبا منذ كان الإنسان، باختلاف في الوسائل المتخذة فقط لا في أصل الاستخدام. والاعلام يحتاجه كل مجتمع إنساني –لانه يقوم بدورأساسي على الاتصال بين أفراده وجماعاته ولا يمكن لاي مجتمع بشري الاستغناء عنه والإعلام الذي يفشل في أداء دوره وتحقيق رسالته في المجتمع لا يقف أثره عند حد الفشل الذاتي، وإنما يتعدى ذلك إلى إحداث آثار سيئة في المجتمع او البلد او المنطقة .والاعلام الناجح له مردودات ايجابية لا يمكن حصرها .
ومن هنا فانه يقتضي معه تحديد المفاهيم المرتبطة بمتغيرات الحالة وعرضها للنقاش والتي غاب مفهومها عند الكثيرين في هذه الزمان . من المعروف و لا غبار عليها هي ان دور الاعلام الاساسي هو ايصال المعلومات وتنوير المطلعين والمتابعين بالانباء المستحدثة لحظة بلحظة وحسب الامكانات المتوفرة للوسيلة الاعلامية التي تعتبر السلطة الرابعة بغض النظر عن ما إذا كانت هـذه التطورات أو الأحـداث ذات طابع قومي أم سـياسـي أم تاريخي أم اجتماعـي أم ثقافـي و في تكوين رؤى ومواقف مسـتقبليـة للشـعوب من مجمل التطورات التي تجري من حولهـا، ولها التأثير الكبير على المجتمعات، وهو اليوم يعد من أقواها تأثيراً ، وخاصة مع ظهور وسائل الإعلام الحديثة والمتطورة التي تعمل بسرعة وهي مواقع التواصل ودورها الكبير في إحداث الكثير من التغييرات في العالم والكل يعيش مرحلة التغيير ويتحسس بها بشكل ملموس ..
والاعلام الهادف مضمونا يطرح ما يحدث وينقل الحقائق كما هي.. وبيان المعلومة بتجرد من الميول والعمل بحيادية ونقل للوقائع والاحداث دون تعليق او زيادة ودون تغرير بالمتلقي حتى لو لم يكن نقل الحدث مرضيا للمواطن او المسؤول والاعلام الحقيقي لا يرتجى منه ان يكون سبب في وقوع الحدث بل هو ناقل فقط له ولان المتلقى يريد الحقيقة ولو كانت مراً ولابد للاعلام ان يكون دواءاً لا داءاً اي انه ينقل الحدث الحزين والحدث المفرح دون ان يتدخل ناقله في تلميعه لارضاء المتلقي ،هذا هو الاعلام الحقيقي الناضج كما هو يدرس ولا يلمع للمتلقي بمايرضيه ، هنا اذاً نحن مقتنعون بدور الاعلام حسب التعريف اعلاه. وبعكسه هو تهرج في سياق الادراك الغير موضوعي ونقل حدث معين وتوظيفه لخدمة جهة معينة من خلال تحليله بما يتناسب وتوجهات تلك الجهة أو إضافة أحداث وشخصيات غير واقعية للخبر أو إظهاره في توقيت معين أو إظهاره مع خبر والذي نشاهدوه في الوقت الحالي .لذلك نشاهد في ظل الاجواء المتصارعة سياساً والحاصلة يتم تشويه الحقائق وتقلب الوقائع أي بمعنى أخر تشويه كتابة الاحداث بواسطة كتاب ومثقفين انقسموا في ولائهم اما لحكومات او لتيارات متناحرة بعيداً عن مفهوم الوطنية ، فغابت الموضوعية الى تيار المجاملة والتحليل الغيرالمحايد عنهم والابتعاد عن الدقة ايضاً عند العديد من هذه الوسائل . لهذا اصبح من الصعب للمثقف والثقافة عموما ان يقراء الواقع وفي تركيب نظريات تساعد في وضع تصورات مجتمع الغد والتنبؤ بما سيحصل مستقبلا في ظل مجريات الأحداث. فالكثير من المثقفين في المجتمع للأسف ، كل ما يقومون به هو التمجيد بشخص أو تلك الجماعة أو تسقيط أو هتك الأفكاروالحرمات دون مراعاة الاخلاق واحترام دوره الأساسي والإنساني الذي يهدف إلى خدمة المجتمع بكل أطيافه أكثر من الدفاع عن أشخاص ومذاهب وأحزاب وجماعات عرقية وقبلية . فمعظم الكتابات تورطت في لعبة السياسة والسلطة مقابل مبالغ وحسب القيمة دون معايير حقيقية ، كل السلطات والأنظمة كانت ولا زالت تريد تأكيد وجودها في الساحة استنادا إلى شرعية مبتدعة ما انزل بها من سلطان أو إلى قراءة رسمتها وفق معطيات خاصة. لذلك يصعب وجود دراسات غير خاضعة لتوجيهات السلطة ومصالحها. أحيانا يتواطئ المثقف مع السلطة وأحيانا لا تسمح له بقول الحقيقة والكشف عن المسكوت عنه، فيمارس البعض الاخر نفاقه السياسي ويساهم في تشويه الحقيقة والأحداث التاريخية نتيجة انغراقه بعلاقته الوطيدة مع السلطة العليا فتجد الكاتب او المثقف نفسه مندمجا في إطار أيديولوجيا سلطوية سائدة تجعل منه أداة لتمرير خطابها المشوش للحقيقة، يخدم مصلحة النخبة الحاكمة، بدل من أن يقوم بدوره الرئيسي في تنوير المجتمع والشاهد عليه فهو يقوم بنشر أفكار السلطة والدفاع عنها بقصد أو بدون قصد. هذا ما يجعل البعض أحيانا مرهونا بالدفاع عن سياسات الحكومات ونشر الافكار القاسية التي ترمي للتخويف والترهيب، مما يجعل فكره ونظرياته يغلب عليها طابع الهيمنة الماضية وينفصل تلقائيا عن فهم المستقبل ولا يعطي أي أهمية للإعتبارات المجتمعية .لذلك يستوجب التغيير بطريقة حضارية تؤدي الى خلق ميلاد مجتمع سياسيا واجتماعيا وثقافيا جديد. ولا يمكن أن نثق بهؤلاء الاشخاص ومدوناتهم تهدم التاريخ وتفسد عقول الأجيال القادمة؟ فقد عاش معظمهم هؤلاء يدافعون عن الأنظمة في حين من الضرورة الحفاظ على المقومات والمكتسبات من أجل سلامة وأمن الفرد والمجتمع . مثل هؤلاء مكتوب عليهم بأيديولوجيا النفاق، يصعب عليهم الإنسلاخ من معطفهم السياسي السلطوي ومصالحهم الضيقة رغم انكشاف الحقيقة لهم ولكن يصعب انسلاخهم من ماضيهم ليكونوا فاعلين رئيسيين بمنظور موضوعي للواقع الإجتماعي المعاش لغرض تحقيق التغيير المنشود الذي يتطلع إليه المجتمع.
إن الدور المنتظر في الاعلامي المثقف بناء القيم المساندة للتطوير التي تساعد المجتمع والأفراد في تحقيق الإصلاح السياسي وصولا إلى تحول اساسي واسع يمهد له خطوات فاعلة لرفع مختلف آثار وأشكال الهيمنة الحكومية – المباشرة و غير المباشرةعن هذه المهنة المهمة ، وضمان حرية ممارسة الإعلاميين لمهامهم دون تدخل السلطة ، لما في ذلك من أهمية في دعم النظام الوطني ، وللتجسيد الواضح لحرية التعبير، بوصفها الدعامة القوية للشفافية ، عبر إصلاح التشريعات الإعلامية ذاتها ، التي تتولى تنظيم وممارسة النشاط الإعلامي ، وتضع المعايير التي تحكمه تتكفل مؤسسات ،مثل نقابة الصحفيين وشبكة الاعلام الحكومية بعد توفير الدعم الممكن لها عن طريق وزارة الثقافة على ان تكون مهنية في عملها و مسؤولة لايجاد الحلول الوسطية في جميع الإشكاليات التي تواجه الطروحات وايجاد الحلول ومشاريع الإصلاح الممكنة عبر وضع برامج واستراتيجيات إعلامية ، يكون للنخب الأكاديمية والإعلامية والسياسية والثقافية المستقلة دورٌ رائدٌ في تحليل ونقل الأخبار بصورة دقيقة ونقل التحليلات الموضوعية للأخبار ووجهات النظر وإعطاء الصورة الواقعية للشخصيات والتصورات الموضوعية عن المستقبل ومحاولة تغيير الواقع نحوالأحسن وتوظيفه لخدمة المتلقي سواءاً كان من القراء او المشاهدين او المستمعين.