خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
أخيرًا بدأت قضية إختفاء الصحافي السعودي، “جمال خاشقجي”، تشغل رأي المحللين الإسرائيليين.. فبعدما كان إعلام الدولة العبرية يقتصر فقط على مجرد نشر أخبار عن القضية، دون إبداء رأي أو تحليل، نشرت صحيفة (إسرائيل اليوم) العبرية مقالاً تحليليًا للكاتب الإسرائيلي، “إيال زيسر”، أوضح فيه أن العالم الغربي بات يشعر بالصدمة في شخصية ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، بعدما كان يعقد عليه آمالاً عريضة في قيادة بلاده نحو التقدم والرقي.
أنقرة تعود لأحضان واشنطن.. والرياض تتراجع !
يقول” زيسر”: قبل أسابيع معدودة فقط؛ بدا أن العلاقات “التركية-الأميركية” على وشك الإنهيار، جراء العقوبات التي فرضتها “الولايات المتحدة” على “تركيا” ردًا على اعتقال السلطات التركية للقس الأميركي، “أندرو برونسون”. بينما بدت “المملكة العربية السعودية”، على الجانب الآخر، وكأنها الدولة المحورية التي ترتكز عليها إدارة الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، في رسم سياستها الإقليمية.
ولكن حتى مجرد الأسابيع المعدودة؛ تبدو في حسابات الشرق الأوسط وكأنها زمنًا طويلاً. فقد أظهرت الأيام الأخيرة أن “تركيا” تعود مرة أخرى إلى أحضان “الولايات المتحدة”، بينما دخلت “المملكة السعودية” في مسار تصادمي مع الرئيس “ترامب”، وسبب ذلك هو أن السعوديين قاموا باغتيال الصحافي المعارض للأسرة المالكة، “خاشقجي”، داخل مبنى القنصلية السعودية في “إسطنبول” ثم قاموا بإخفاء جثته.
والآن فإن قادة المجتمع الدولي – وفي المقدمة منهم رئيس “الولايات المتحدة” – يطالبون بالحصول على توضيحات حول الحادث.
“إردوغان” لديه ضوابط..
يضيف “زيسر”: أن الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، ربما يمكنه التطاول على نظرائه من الرؤساء والقادة، ويثير بذلك التوترات، ولكنه في النهاية لديه ضوابط وخطوط حمراء لا يمكنه أن يتعداها، وعليه فقد قامت “تركيا”، الأسبوع الماضي، بإطلاق سراح القس الأميركي الذي كان سببًا في الخلاف بين “أنقرة” و”واشنطن”، وعلى ما يبدو أيضًا فإن الخصومة الموسمية بين “تركيا” و”إسرائيل” على وشك الإنتهاء.
“بن سلمان” أحدث صدمة للغربيين..
لكن الشخص الذي أحدث صدمة في نفوس الكثيرين من مسؤولي الدول الغربية – بحسب زعم “زيسر” – كان هو تحديدًا ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، الذي تورط بشكل كامل في قضية اغتيال الصحافي السعودي داخل الأراضي التركية. وهي القضية التي أسقطت الإنطباع المأخوذ عن “بن سلمان”، من أنه زعيم مستنير يواكب التطور والرقي، بل وأثارت علامات الاستفهام حول مدى تحكيم العقل وحُسن التدبير عند والي العهد، الذي يقود حاليًا زمام الأمور في “المملكة العربية السعودية”.
حزم تجاه إيران.. وإعتدال تجاه إسرائيل !
يرى المحلل الإسرائيلي أنه، منذ شهر حزيران/يونيو عام 2017، عندما تم تعيين “بن سلمان” وليًا للعهد، أصبحت “السعودية”، وكذلك الدول الغربية، تعقد عليه آمالاً عريضة في أنه سيقود البلاد من حقبة العصور الوسطى إلى القرن الحادي والعشرين.
وكانت بدايته واعدة بالفعل؛ حيث طرح ولي العهد الشاب، رؤية جديدة، وكذلك خطة عمل للنهوض بالمملكة وجعلها تتسم بالحداثة، فقام بالعديد من الإجراءات الإصلاحية، بل أزال كثيرًا من القيود التي كانت مفروضة على المرأة السعودية. بالإضافة إلى ذلك فقد إتخذ “بن سلمان” سياسة حازمة تجاه “إيران”، بينما تبنى سياسة مفاجئة تتسم بالإعتدال حيال “إسرائيل”.
سياسة التهور وعدم الإتزان..
لكن الحنكة والخبرة تُكتسبان بالمعاناة، وكثيرًا ما أتسم “بن سلمان” بالتهور وعدم الإتزان، فشن الحرب على الوجود الإيراني في “اليمن”، ورغم أنه في ظاهره إجراء له ما يبرره، لكنه أقحم “المملكة العربية السعودية” في آتون حرب مؤلمة ومُكلفة، ولا يعلم أحد متى ستنتهي.
والكل يذكر أيضًا عملية “إختطاف” رئيس الوزراء اللبناني، “سعد الحريري”، الذي تم إطلاق سراحه في نهاية المطاف وإعادته إلى “بيروت”.
ليست السعودية وحدها..
إننا الآن بصدد قضية اغتيال الصحافي السعودي، “خاشقجي”، في “إسطنبول”. وهي لأول وهلة تبدو قضية مألوفة في العديد من دول المنطقة، بل وحتى خارجها. فقد وقع العديد من حالات الإختفاة القسري أو حالات الموت في ظروف غامضة للعديد من المعارضين للنظام، سواء كانوا صحافيين أو غير ذلك.
وحتى داخل البلدان الأوروبية؛ ليس غريبًا أن تحدث حالات اغتيال عند استهداف المعارضين، كما ثبت من محاولات الإيرانيين استهداف معارضيهم في “فرنسا”، أو تصفية الهاربين الروس داخل الأراضي البريطانية.
عملية إسطنبول تمت دون حذر أو إتقان..
لكن على الرغم من ذلك؛ فإن مثل تلك الاغتيالات تُعد من قبيل اللعب بالنار؛ لأن من يدعي الإنتماء للعالم المستنير، ينبغي عليه أن يتمسك ببعض مباديء وقيم العالم الغربي.
والأهم من ذلك؛ أن يتسم بالحذر الشديد وحُسن الإتقان. لكن شيئًا من ذلك لم نلمسه فيما جرى داخل “القنصلية السعودية” بمدينة “إسطنبول”، والآن على السعوديين أن يدفعوا ثمن ما إقترفوه من جرائم.
“بن سلمان” خيب الآمال..
نوه “زيسر” إلى أنه في نهاية المطاف؛ قد يتم التوصل إلى تسوية للتخلص من تلك القضية التي باتت تشغل الرأي العام. حيث سيعترف السعوديون بأنهم قاموا بتصفية “خاشقجي”، لكنهم سيزعمون أن العملية لم تكن بأمر القيادة العليا، بل تمت بإيعاز من شخصيات غير رفيعة المستوى، ولابد لها أن تنال أشد العقاب وفق القانون.
لكن رغم كل ذلك؛ فإن حلفاء “المملكة العربية السعودية”، ومحبيها – ومنهم “الولايات المتحدة” و”إسرائيل” – قد خاب أملهم في ولي العهد السعودي، الأمير “بن سلمان”، بعدما كانوا يعقدون عليه مزيدًا من الآمال.