الملاحظ أن صدام حسين يبعث حيا، هذه الأيام، في إيران بشخص المرشد الأعلى علي خامنئي القادم إلى الحكم والسياسة من الحسينيات وفكرها وعقائدها وطقوسها ومقاييسها وقوانينها.
فهو، في مواجهة الطوفان الحربي المطبق على الوطن الإيراني في البر والبحر والجو، وبالحصار والعقوبات، من الخارج، ومن الداخل بالبطالة وانهيار العملة والإضرابات والاعتصامات، يلجأ إلى سياساتة الإعادم وقطع الآذان والألسن، على طريقة الراحل صدام حسين، وكأنه لم يسمع ولم ير ما كان جناه الراحل صدام حسين على نفسه وعلى أسرته وجيشه وشعبه، وعلى وطنٍ كان يمكن أن يظل عزيزا وقويا وموحدا إلى أن يشاء الله.
فقد نقل التلفزيون الإيراني عن صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية، قوله في رسالة وجّهها إلى المرشد الأعلى “إن الظروف الاقتصادية الخاصة الحالية تُعد حربًا اقتصادية”، ودعاه فيها إلى “إنشاء محاكم خاصة للتعامل السريع مع الجرائم المالية“.
ثم أكد أن المرشد الأعلى وافق على الاقتراح، وشدد على أنه “يجب أن يكون غرض المحاكم إنزال عقاب سريع وعادل بالمدانين بارتكاب ممارسات اقتصادية فاسدة“.
ومعنى ذلك أن قادة النظام قرروا زيادة جرعة القمع والعنف لمواجهة المتلاعبين بالاقتصاد من الانتهازيين والجشعين والمخربين، ومنعهم من الاستمرار في ثقب السفينة من داخلها، وهي لا تحتمل المزيد، متجاهلين أنه سلاح ذاو حدين، وسيرتد عليهم مثلما ارتد على من سبقهم فيه.
مع فارق كبير بين حاضرهم وماضي صدام حسين. فلم يستخدم العنف سوى لتخفيف تأثيرات الحصار على العجلة الاقتصادية العراقية وإنقاذها، قدر المستطاع، من تداعياتها المتلاحقة، فقطلا غير.
أما في إيران، اليوم، فإن النظام لا يخوض معركة الحد من استغلال بعض التجار ظروف العقوبات الأمريكية، وحدها، وبدون مشاغل ومشاكل غيرها، كما كان الوضع العراقي أيام صدام حسين، بل إنه يخوضها في ظل إضراب التجار في عشرات المدن الإيرانية احتجاجاً على تدهور الوضع المعيشي، فيما امتد إضراب آخر ينفذه الآلاف من سائقي الشاحنات إلى 320 مدين. وتفيد وكالات أنباء حكومية إيرانية بأن عديدا من المتاجر أغلق أبوابه في أكثر من 50 مدينة، بينها شيراز وكرج وأردبيل وقزوين وقشم وأصفهان وسنندج وكرمانشاه، وذلك احتجاجاً على الفقر والتضخم والبطالة وانهيار سعر صرف الريال.
وكان المجلس الإسلامي للرواتب قد أعلن الأسبوع الماضي أن القوة الشرائية للإيرانيين تراجعت بنسبة 90 في المئة خلال الأشهر الستة الماضية، إذ ارتفع سعر بعض الأساسية سلع بنسبة 300 في المئة.
وبدل أن يسارع النظام إلى التوقف عن إنفاق الملايين من العملات الصعبة على منظمات ومليشيات وعصابات وأحزاب وشخصيات دمغها العالم بالإرهاب، وتسببت في عزلته، وتحميله وزر جرائمها، ثم ينفق تلك الأموال في الداخل لنجدة المواطن وتأمين ما يمكن تأمينه من حاجاته الملحة، يتنطح كبار الأعوان والمستشارين لنصح مرشدهم الأعلى برفض ذلك، وبالاستمرار في تمويل الفرق الإرهابية في الخارج، لحاجة النظام إليها.
فقد طالب علي شيرازي، ممثل المرشد علي خامنئي لدى فيلق القدس التابع للحرس الثوري، مجلس صيانة الدستور برفض مشروع قانون أقرّه البرلمان تنضمّ طهران بموجبه إلى معاهدة دولية لمكافحة تمويل الإرهاب، قائلاً: “ليس مقبولاً أن نتخلّى عن دعم لبنان وسورية والعراق“.
وبالمقابل يرد 50 خبيرا اقتصاديا إيرانيا، على ذلك، منذرين بانهيار الاقتصاد الإيراني،وداعين رؤساء الحكومة والبرلمان والقضاء إلى تحذير قيادة النظام من أن “الوضع أسوأ وأخطر مما تظنه، وأن البلاد على وشك السقوط“.
أما نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي فله رأي آخر.
فقد أعلن “أن حزب الله اللبناني وحده استطاع مواجهة إسرائيل“، و“أن إيران باتت أكثر قدرة على جميع الأصعدة“، وأن أمريكا “على حافة الانهيار”.